3
الفصل 3: قتال الأرنب المقرن
بدأ نوح يمشي ببطء. كان عليه أن يجد طعامًا بسرعة، ثم يبني مأوى ويُشعل نارًا، وإلا فلن يستطيع البقاء حتى الغد.
وبرمحه البدائي الرخيص لن يتمكّن من قتل حيوان قوي، لذا كان يبحث عن صغير، كالأرنب أو شيء مشابه.
ولو عثر على بركة ماء لكان أفضل، فسيحصل منها على الماء وربما على بعض الأسماك.
كان نوح متيقظًا رغم أن الجوع أربك أفكاره. رهبة هذه الغابة جعلته شديد التركيز.
سار نحو 15 دقيقة، ولم يجد شيئًا مفيدًا. لم يكن هناك سوى الأشجار والثلج في كل مكان تقع عليه عيناه.
لكن فجأة سمع صوتًا خلف شجرة كبيرة.
شعر بحماس ممزوج بالحذر. إن كان حيوانًا صغيرًا فسيكون أفضل، لكن ماذا لو كان كبيرًا؟
بدأ يتنفس ببطء، ويمشي بخطوات خفيفة نحو تلك الشجرة.
وما إن وصل حتى رأى خلفها أرنبًا، أرنبًا أبيض الفراء.
لكن المشكلة أنّ حجمه كان بحجم كلب أرضي!
كيف يمكن لأرنب أن يكون بهذا الكِبر؟
كان يدير ظهره لنوح ويأكل شيئًا ما.
لكن نوح ارتكب خطأ المبتدئين، إذ داست قدماه على غصن يابس فانكسر بصوتٍ مسموع في سكون الغابة الموحش.
توقف الأرنب عن الأكل والتفت للخلف.
التقت عيناهما، وما رآه نوح كاد يُسقط روحه من جسده.
للأرنب عينان حمراوان وقرن في جبهته، وكان فمه ملطخًا بالدماء.
أدرك نوح عندها ما الذي كان الأرنب يأكله… ذئبًا!
صرخت كل خلية في جسده بالخطر، لكن ساقيه تجمّدتا من الخوف. أراد الركض بأقصى سرعته، لكنهما لم تستجيبا.
أصبح في مواجهة أرنب مفترس أكبر من كلب، ملامحه شيطانية.
صرخ الأرنب واندفع نحوه بسرعةٍ خاطفة.
ازداد رعب نوح وهو يرى تلك السرعة. لقد انتهى أمره. سيموت هنا. كان مقتنعًا أنّ الإرادة جلبته لتقدمه وجبةً لهذه الوحوش.
اقترب الأرنب وقفز عليه.
وفي اللحظة الأخيرة تحرك جسد نوح أخيرًا وقفز نحو اليسار، فانحرف الأرنب عن هدفه.
هبط على الأرض وحدّق في نوح بعينين غاضبتين.
رفع نوح رمحه المرتجف في وجهه، يداه ترتعشان من الخوف.
لكنه فجأة شعر بعقله يصفو. ما أسوأ ما قد يحدث؟ سيموت، أليس كذلك؟ سيموت أيضًا إن لم يجد طعامًا ونارًا قبل غروب الشمس.
زأر نوح: «تعال أيها الوغد، لنمت معًا!»
ورد الأرنب بزئيرٍ وانقضّ عليه مجددًا.
هذه المرة لم يتراجع نوح، بل دفع رمحه للأمام.
لم يتوقع الأرنب أن يهاجمه فريسته، ولم يستطع تغيير مساره في الهواء.
اخترق رأسُ الرمح بطنه بقوة اندفاعه. تدفق الدم بغزارة، لكن الرمح انكسر وبات نوح بلا سلاح.
صرخ الأرنب غضبًا وألمًا، واندفع مجددًا نحوه، لكن هذه المرة دون قفز.
كان نوح يمارس الرياضة يوميًا، فجسده أقوى من الشاب العادي. والآن وقد دخل “حالته القصوى”، لم يعد يخشى شيئًا.
اقترب الأرنب وقفز، فضربه نوح بقبضته على رأسه. شعر وكأنه يلكم لوحًا خشبيًا، وتخدرت يده. لكن الأرنب أخطأ هدفه وسقط أرضًا.
أخذ يزمجر، والرمح الذي اخترق بطنه سقط، فاندفع الدم أكثر.
لاحظ نوح ذلك. عليه فقط أن يصمد دقائق، وسيضعف الأرنب بسبب نزيفه.
أدهشه أن حِسّه القتالي كان جيدًا. كانت هذه أول معركة يخوضها في حياته، ولم يسبق أن تشاجر حتى مع أصدقائه.
أخذ وضعية مريحة تُتيح له متابعة تحركات الأرنب.
صار الأرنب أكثر حذرًا يراقبه. ثم اندفع بسرعة. ركل نوح، لكن الأرنب قفز فجأة في اللحظة الأخيرة، فأخطأ نوح وفقد توازنه.
انتهز الأرنب الفرصة وضربه بمخالبه، فمزّق كتفه الأيمن. نزف الدم بغزارة.
لكن نوح استعاد توازنه ووجه لكمة إلى بطنه حيث جُرح سابقًا، فسقط الأرنب أرضًا.
لم يُضِع وقتًا، أسرع والتقط رأس الرمح من الأرض.
ركض كلٌّ منهما نحو الآخر. إمّا القتل أو الموت. فقد نوح معظم طاقته، وسيسقط في أي لحظة.
أمسك الرأس كسكين مستعدًا للطعن.
قفز الأرنب، فتحرك نوح بجسده قليلًا إلى الجانب، ففوّت الأرنب هدفه، لكن نوح لم يُخطئ. طعن عنق الأرنب بكل قوته، ونجح.
سقط الأرنب يتلوّى قليلًا، ثم استقر بلا حراك.
تحوّل المشهد إلى بحرٍ من الدم فوق الثلج الأبيض.
حين تأكد نوح من موته، انهار على الأرض. خرج من حالته القصوى، واندفع الألم والضعف معًا.
أراد أن يموت وحسب. الألم لا يُحتمل، حتى أنّه لم يستطع الإغماء.
وفجأة سمع صوتًا في رأسه:
[دينغ! لقد قتلت أرنبًا مقرنًا. حصلت على 20 نقطة خبرة. لكنك لم تكتسب موهبتك بعد، لذا لا يمكنك رفع مستواك. ستُخزّن الخبرة مؤقتًا.]
كان إشعارًا ما، لكنه لم يفهمه، فهو لم يلعب ألعاب الفيديو من قبل.
أراد أن يأكل، لكن يحتاج إلى نار. من أين يحصل عليها الآن؟
قرر أن يستريح قليلًا ليستعيد طاقته ويحمل الأرنب لمكان آمن ليأكله، وإلا فإن الدم سيجذب وحوشًا أخرى.
أغمض عينيه، لكن جرح كتفه زاد الطين بلة.
جلس وأخذ حفنة من الثلج ووضعها على الجرح.
قد يُصاب بعدوى، لكنه كان مضطرًا لإيقاف النزيف وإلا مات قبل أن يُصاب.
الألم لا يُطاق، لكنه صمد بأسنانه.
توقف النزيف بعد حين. وبالمقابل استعاد بعض قوته.
حمل جثة الأرنب على كتفه الأيسر غير المصاب، وبدأ يمشي.
بعد نصف ساعة، لم تعد ساقاه تطيقان خطوة. فتوقف عند شجرة كبيرة.
وضع الأرنب وغطّاه بالثلج، ثم جلس ليستريح.
لا يزال بحاجة إلى حطب ومواد لإشعال النار، وهذه مهمة صعبة أخرى. لكن عليه أن يفعلها ليعيش.
كاد يسبّ الإرادة من جديد من شدّة الإحباط، لكنه تراجع في اللحظة الأخيرة. لم يرد عقابًا آخر.
بعد قليل من الراحة، استعاد قدرته على الحركة ونهض ليبحث عن مواد إشعال النار.
وبعد بحثٍ وجد ما يحتاج، فعاد إلى مكان الأرنب المخبأ تحت الثلج.