1
الفصل 1: عالم اللانهاية
كانت شمس الصباح قد ارتفعت للتوّ.
رنّ المنبّه على الطاولة بجنون، فمدّ شاب عينيه نصف المفتوحتين ليُطفئه بصعوبة.
عاد لينام مجدداً، لكن ذلك المنبّه اللعين لم يتوقف وعاود الرنين بعد خمس دقائق.
جلس أخيراً في سريره وأطفأه نهائياً.
الوقت كان 5:15 فجراً.
كان على نوح أن يذهب إلى عمله. عمره 24 سنة، وقد أنهى جامعته قبل أربعة أشهر فقط.
كان يبحث عن وظيفة، لكن الحصول على عمل لم يكن سهلاً.
لذا كان يعمل مؤقتاً في مقهى. يبدأ دوامه في السابعة صباحاً.
لكن نوح كان يمارس الرياضة بانتظام قبل ذهابه إلى العمل، فقد كانت عادة متأصلة فيه.
هذه العادة الجيدة منحته أيضاً مظهراً جميلاً وبنيةً جسديةً جيدة.
غسل وجهه ورتب سريره بعد ذلك.
كان يعيش في شقة صغيرة ذات غرفة واحدة، مخصّصة للعزّاب. عائلته تسكن في بلدة صغيرة بعيدة عن المدينة.
بعد أن أنهى ساعة من التمرين، أخذ حماماً واستعدّ للعمل. كان دائماً يتناول إفطاره في المقهى. المالك كان قريباً له، لذا كان يعامله بلطف.
أخرج نوح دراجته وبدأ يبدّل متوجهاً إلى المقهى. وبينما كان يعبر تقاطعاً رباعياً، لمح فجأة حبيبته في سيارة فاخرة.
في البداية ظنّ أنّه توهّم، لكن ظلّت في قلبه شكوك صغيرة، فبدأ يتبع السيارة.
كانت حبيبته أيضاً من عائلة متوسطة الحال. هي زميلته في الدفعة، وتعمل حالياً موظفة استقبال في شركة.
كان نوح يتمتم في نفسه:
“لا يمكن أن تكون ميرا. أنا أتوهم كثيراً. يجب أن أعود إلى عملي وإلا سيبدأ الزبائن بالقدوم ولن يستطيع العم التعامل مع الجميع.”
لكن لسببٍ مجهول واصل تتبّع السيارة. كانت تتجه إلى الحي الذي تسكن فيه ميرا.
توقفت السيارة أمام شقة ميرا ونزلت منها فتاة.
توقف نوح على بعد مسافة.
كانت ميرا بلا شك. لكنّها كانت ترتدي لباساً فاضحاً وتبدو وكأنّها لم تنم طوال الليل.
ثم نزل شاب من جهة السائق. كان نوح يعرف هذا الشاب، فقد رآه في مكتب ميرا يتحدث معها.
قالت إنّه ابن المدير. ورغم أنّ نوح لم يكن يحبّ هذا الشاب، إلا أنّ ميرا كانت تحتاج تلك الوظيفة ولم يستطع هو أن يعيلها براتبه الضئيل. ظنّ أنّ الأمر لا يتجاوز حديثاً عابراً.
لكن الشاب أمسك ميرا من خصرها وقبّلها، وميرا ردّت عليه بنظراتٍ متقدة.
أدخل الشاب يده في بنطال ميرا، ولم توقفه هي.
قال الشاب:
“حسناً يا ميرا، الليلة الماضية كانت رائعة. سآتي لاصطحابك في المساء. لا داعي لإخبار ذلك الخاسر عنا. إنّه مجرد مغفّل.”
أومأت ميرا برأسها واستدارت لتدخل شقتها. ربت الشاب على مؤخرتها، فاكتفت بابتسامة مغرية.
رأى نوح المشهد بأكمله. لم يدرِ متى بدأت عيناه تغشى بالدموع.
كانت قبضته مشدودة لدرجة أنّ الدم بدأ يخرج من يده.
لم يستطع تصديق أنّ ميرا قد خانته. كانا معاً منذ عامين. كانت دائماً فتاة لطيفة.
كان نوح يحبها كثيراً حتى إنّه كان يعطيها نصف راتبه كل شهر لتسدد قرضاً أخذته أثناء دراستها. كان راتبها يكفيها، لكنه كان سعيداً بمساعدتها. كان طالباً مجتهداً لم يضيع وقته، واثقاً أنّه سيحصل على عمل جيد قريباً ثم يتزوجها ويستقرّ في المدينة.
لكن كل أحلامه انهارت أمام عينيه.
لم يذهب ليسألها لماذا فعلت ذلك. أخرج هاتفه، حظرها من كل مكان، وحذف كل شيء يتعلق بها.
حاول أن يسحب دراجته لكنه لم يستطع. شعرت وكأنّها ثقيلة جداً الآن.
اتصل بعمه:
“عمي، لن أتمكن من الذهاب إلى العمل اليوم. هل يمكنني أخذ يوم إجازة من فضلك؟”
تعجّب ناثان عمه حين سمع أنّ نوح يطلب إجازة بنفسه.
لطالما طلب منه أن يخرج في موعد مع حبيبته، لكن نوح كان يقول إنّ ذلك سيُثقل على العم بمفرده في المقهى.
كان ناثان يحب نوحاً كابنه، فهو ابن صديقه المقرّب.
ابتسم وقال:
“حسناً، لا بأس. أنا سأتولى الأمر هنا.”
لم يردّ نوح. كان يسحب دراجته بلا هدف وهو يمشي.
كل شيء أصبح فجأة باهتاً. ثم فكّر أنّ ربما هذا للأفضل. لم يستطع أن يمنحها حياة جيدة أو وقتاً كافياً، لذا اختارت خياراً أفضل.
كان يفكّر في كل شيء وهو يمشي.
ثم دخل حديقة قريبة وجلس على مقعد تحت شجرة، فقد كانت شمس الصباح قد ارتفعت وأشعتها تزداد سطوعاً مع كل ثانية.
كان ينظر إلى البعيد ويتذكّر السنتين اللتين قضاهما مع ميرا. كانت أياماً جميلة حقاً.
فجأة راودته فكرة غير عادية: ماذا لو كان ذلك الشاب يهددها وأجبرها؟
شعر بأملٍ ينهض داخله. أزال الحظر عن رقمها واتصل بها.
رنّ الهاتف مرات عدة ثم تم الردّ:
“مرحباً نوح! ماذا تريد في هذا الوقت المبكر من الصباح؟”
على الأرجح أنّها نامت للتو.
لم يُطِل نوح الكلام وسأل مباشرة:
“ميرا، اليوم رأيتك مع شاب.”
لم تجب ميرا لوهلة ثم قالت:
“حسناً، وماذا تتوقع؟ هل تريدني أن أدمّر حياتي وأنا أنتظر نجاحك؟ هل تستحقني أصلاً؟ ماذا لديك غير هذا الوجه الجميل؟ الآن بعدما عرفت، لا تتصل بي مرة أخرى. الحمد لله لن أضطر إلى التمثيل بعد الآن.”
وأغلقت الخطّ.
الدموع انهمرت من عيني نوح بلا توقف. الأمل الصغير تحطّم أيضاً. فعلت ذلك بإرادتها.
بعض كبار السن الذين جاءوا للحديقة للتمرين الصباحي رأوه يبكي.
شعروا بالحرج لرؤية رجل بالغ يبكي، لكنّهم أكملوا تمارينهم.
الوقت كان يمضي، ونوح لم يتذكّر حتى أنّه لم يأكل بعد.
مرّت 15 ساعة على هذا الحال. أصبح الليل عميقاً.
كان نوح ما يزال جالساً على المقعد. في النهاية انتصر الجوع واضطر أن يعيد تركيزه.
شعر بضعف شديد الآن. الجوع والتوتر أرهقاه تماماً.
فجأة سمع صوتاً أنثوياً ناعماً وساحراً في رأسه.
قبل أن يسمع ما يقول الصوت بالكامل، صرخ:
“اغربي عن وجهي أيتها العاهرة.”
ظنّ أنّ بائعة هوى جاءت لتغويه في الليل.
ثم نظر حوله، لكن لم يكن هناك أحد.
“شبح؟ أولاً ميرا والآن شبح يعبث بي؟ هل أنا لعبة لكل امرأة؟”
لكن الصوت عاد مجدداً:
[لقد وصلتَ أيها الكون إلى نقطة الإشباع. حان وقت التطهير.
لقد تم اختيارك كلاعب لتمثيل كوكبك في “عالم اللانهاية”.
يمكنك أن تطرح 3 أسئلة قبل بدء عملية الانتقال.]