الفصل 198
الفصل 198: مراسم التطهير
«تشين تيان، هل يمكنك أيضًا العثور على معقل مجموعة المعركة الثانية»
داخل البيت كانت العيون كلها تتجه إلى تشين تيان وهو يدخل
أومأ تشين تيان قائلًا
«الطريقة نفسها كما في هذه المرة، يوم واحد يكفيني»
سأل آرَان: «هل في الأمر خطورة»
ابتسم تشين تيان: «لقد تعاملتُ مع مجموعة المعركة الأولى بالفعل، فماذا تكون الثانية إذن»
كانت مجموعة المعركة الأولى أقوى قوة رئيسية للإلف المظلمين، يقودها مورُوست ذو الرتبة 7، ومعه كثير من الإلف المظلمين بالرتبة 6
أما خصما مجموعة المعركة الثانية والثالثة فقبائل الإلف الكبرى، ومع أن قوتهم لا يُستهان بها وفيهم الكثير من ذوي الرتبة 6، فإنهم لا يشكّلون تهديدًا يُذكر لتشين تيان
أمّا إِنيرا، أول إلفية مظلمة أسرها، فكانت حاليًا في مجموعة المعركة الثانية
هذه المرة يستطيع أن يكرر منجز قبيلة السنديانة الذهبية، فيتسلل بنفسه إلى معقلهم ويفجّره ويحصد كمية هائلة من نقاط التطور
قال دونغ يُنهاي بابتسامة: «ما دام صديقنا الشاب تشين تيان واثقًا فسيغدو الأمر أيسر بكثير»
«أقترح أن نستريح ثلاثة أيام لنُمكّن شعب الإلف من جمع الجثامين وإتمام طقس التطهير، ثم نسحق مجموعة المعركة الثانية بضربة واحدة»
«أنا موافق»
«حسنًا»
وافق آرَان وأميرة الإلف وشيخ الإلف على هذا الترتيب
لقد خلّف إبادة مجموعة المعركة الأولى عددًا كبيرًا من الجثامين، ووفق تقاليد شعب الإلف ينبغي جمع هذه الجثامين ليطهّر سيد الشجرة أجسادهم وأرواحهم
وهذه العملية تستغرق يومًا إلى يومين على الأقل
وفي الوقت نفسه أرادوا أيضًا استخدام بذور سيد الشجرة بأسرع ما يمكن لإحياء مناطق الغابة المظلمة
كانت ثلاثة أيام مدة مناسبة تمامًا
ولما وصل خبر إبادة مجموعة المعركة الأولى وموت مورُوست عمّ الهتاف والصراخ والدموع أرجاء شعب الإلف، فقد جرّت الحرب الأهلية الممتدة قرنًا ويلات لا تُحصى على الإلف؛ دُمرت البيوت، وفُقد الأحبة في المعارك، وقدّم أبناء القبائل قرابينَ لا تتوقف
إن نجم الإلف الجميل الآمن صار الآن مذبحًا مغمورًا بالدم
ومع أن مورُوست مات ومجموعة المعركة الأولى أُبيدت، فإن الراحلين لن يعودوا أبدًا
حين نُقلت جثامين الإلف المظلمين إلى أمام سيد الشجرة خيّم صمت مُروّع على الإلف المحيطين
وبينما يحملقون في تلك الوجوه الأليفة، غمرهم حزنٌ عميق لا يُقاوم
فهؤلاء أقاربهم وأصدقاؤهم الذين عاشوا معهم جنبًا إلى جنب، وها هم يلتقونهم ثانية على هذه الحال
لماذا كان على الإلف أن يتحملوا كل هذا الألم
ماذا فعلنا خطأ
كانت عيون كثير من الإلف في المكان محمرّة، وانطلق نشيجٌ خافت
وقف آرَان في الوسط شاعرًا بجوّ الأسى ينتشر، فزمّ شفتيه وتذكر بغتة ما قاله له تشين تيان
الضعف هو الخطيئة الأصلية، لأنهم كانوا ضعفاء استهدفهم الحاكم الشرير
ولأنهم كانوا ضعفاء دفعوا ثمنًا باهظًا وفقدوا هذا العدد الكبير من أبناء القبائل، ولم تُحسم هذه الفتنة الداخلية إلا بمعونة الإمبراطورية
ولو كانت قوتهم كافية، ولو وُجد خبير بالرتبة 8 داخل القبيلة، لقُمِعت هذه الفتنة في مهدها فورًا
«جدي، أبي، أمي، سأتحمل يقينًا مسؤولية ملك الإلف، وأحمي أبناء قبيلتنا، وأقود شعب الإلف إلى نهوض جديد»
رفع آرَان رأسه، وكانت قلادة ملك الإلف تتأرجح برفق في ضوء الشمس
ونسيم لطيف يحمل عبق نباتات الغابة مسح غُرّته، فغضّ عينيه قليلًا وحدّق في السحب المتلاطمة في السماء، وفي غمرة الشرود برزت ببطء ثلاثة وجوه مُشوَّشة من أعماق ضباب الغيم
تجاعيد جده حول عينيه، تختزن حكايات الزمن، وقد امتلأت الآن بابتسامات؛ وحاجبا أبيه الكبيران استرخيا، وكانت ابتسامته الدافئة كما حين كان يحمله على كتفيه يطوف به الغابة وهو صغير؛ وحفيرتا شفتي أمه ضارعتان، وابتسامتها الرقيقة تمامًا كما كانت تهدهده لينام في طفولته
حملت الوجوه الثلاثة دفئًا مألوفًا كأن الزمن لم يمضِ قط، وعاد إلى تلك الأيام الخالية من الهمّ
ابتلّت عينا آرَان قليلًا، وكانت القوة التي تفور في صدره كجذور لا تنتهي تنمو في غابة عتيقة تمتد بلا توقف
وفي هذه اللحظة أدرك أعمقَ معنى لملك الإلف، فصار التاج فوق رأسه أثقل، لكن عموده الفقري لم يكن يومًا أمتن منه الآن
«لتبدأ المراسم»
رفع شيخ الإلف جرار فخّارية مغطاة بأوراق ذابلة، وصبّ ببطء خمر ضوء القمر الممزوج بالندى على الأرض المتفحمة وهو يرنّم مراثي قديمة بصوت خافت: «في دورة يتشابك فيها ضوء القمر وظلال الأشجار، لعلّكم تتحررون من سلاسل الظلام وتعودون إلى نهر الحياة الطويل»
وخرّ الإلف الآخرون على ركبة واحدة، ولاصقت جباههم الأرض، وتعالت همهماتهم وخصرها يهبط كحفيف الريح بين أوراق الغابة
هوووش
أطلق سيد الشجرة ضياءً أخضر زمرديًا وديعًا قويًا في آن، وارتفعت أغصانه الغليظة كأذرع عمالقة قديمة ببطء وامتدت نحو السماء، وكلما تحرك ازداد الضوء قوة كأنه يريد أن يبدد ظلمة السماء كلها
ثم ما لبثت خيوط من ضوء أخضر زمردي أن انطلقت من سيد الشجرة ككروم رشيقة، وجرفت بسرعة نحو جثامين الإلف المظلمين
وما إن لامست هذه الخيوط الأجساد حتى بدت وكأنها دبت فيها الحياة، فبدأت تلتفّ وتغمرها، وبدأت الهالة السوداء الغريبة التي كانت تفوح من جثامين الإلف المظلمين تتلاشى تدريجيًا تحت عناق الخيوط الزمردية كالجليد يذوب في دفء الشمس
ثم وقع مشهد مدهش
فقد أخذت جثامين الإلف المظلمين تصبح شفافة وتتحول إلى نقاط ضوء لا تُحصى تلمع، كانت تلك النقاط كنجوم ليلة صيف تبعث وهجًا خافتًا دافئًا
تحررت من قيد الأرض وراحت ترتفع ببطء وتطفو في السماء، وكانت كل نقطة ضوء تترك أثرًا خافتًا وهي تعلو كنيزك يشقّ صفحة السماء
وظلّ ضوء سيد الشجرة يُشرق كأنه يهدي هذه النقاط، فتلاقت في الجو وشكلت شريطًا لامعًا، ثم اندمجت جميعًا في الأرض
وما إن اندمجت النقاط حتى اهتزّت الأوراق ونمت النباتات، وفاح نَفَس الحياة
لقد أحدث الإلف المظلمون دمارًا هائلًا في الغابة، لكن سيد الشجرة استعمل أجسادهم ليغذي الأرض من جديد، وكان هذا أفضل فداء لتلك الأرواح الراحلة
وضع آرَان كفّه على صدره وهمس في صمت
«يا أبناء قبيلتنا، ارقدوا بسلام»
بعد ثلاثة أيام خطا تشين تيان إلى جزء آخر من الغابة المظلمة، فهاجمه عبق العفن المألوف
وانعوج الضوء ودخل تشين تيان طور التخفي يسير ببطء ومن دون استعجال في أعماق الغابة
كان الإلف المظلمون يمرّون بمحاذاته بلا انقطاع وعلى وجوههم حذر شديد، إذ إن خبر إبادة مجموعة المعركة الأولى انتشر، وصاروا يعلمون أن الكارثة وشيكة، لكن لم يعد أمامهم الآن إلا القتال حتى النهاية
وبعد حين توقّف تشين تيان في موضع ما
وسرعان ما أتى وقعُ خطوات خافتة من الجوار
وخرج من الغابة قوامٌ رشيق طويل، وما إن رأت تشين تيان حتى جثت فورًا وقالت باحترام
«سيدي»
خفض تشين تيان نظره إلى أول هدف لختم الروح لديه، الإلفية المظلمة إِنيرا
وعندما غادر قبيلة السنديانة الذهبية لم يسمح لإِنيرا بالانضمام إلى مجموعة المعركة الأولى كي لا تلتقي بقائدها القديم كيلان، بل دار طريقًا وضمّها إلى مجموعة المعركة الثانية
واليوم حان الوقت لتكون دليله مرة أخرى
وهذه المرة أراد أن تتجاوز نقاط التطور حاجز 2,000,000