الفصل 195
ما إن غادر إنكريد حتى استدعى ماركوس سرًا قائدَ حرس الحدود
أتمّتُم التجهيزات
سأل ماركوس وهو يسترخي على كرسيّه، لكن عينيه كانتا عيني مفترسٍ يرصد طريدتَه
هُم مُخضرَمون في مثل هذا العمل
جيّد، إذًا امضوا كما خُطِّط له
ألن تُخطِر قائدَ السرية المستقلة
لقد لمّحتُ له
كانت إشارةً خفيفة، لكنه سيفهم
وليس ثمة حاجةٌ لأن أحمله عبءَ تصفيةِ نبيل
هذه كانت نية ماركوس
سَيأخذ ذلك النبيلُ الفَتَى الذي يملأ جُيوبَه بذهبِ نصل السواد ويدوّخه ركضًا في حلقةٍ مفرغة
ومن حسن الاتفاق أنه يجلب معه أسرى
لا بأس باستعمال المقبوض عليهم لمكائد شتّى
وبعبارةٍ أخرى، كان يعني أنه فهم مقصِد ماركوس
لا داعي لشرحٍ أكثر
موهبةٌ استثنائية تقدر على مجاراة ذلك المجنون وألّا تتخلّف مهارةً
كم مثلَ هؤلاء في الوحدة
لقد رُقّي إلى قائد سريةٍ مستقلة، لكنه ما دام لم ينل اعترافًا لائقًا بعد، فرتبتُه أدنى نسبيًا من قائد السرية الأولى أو قائد حرس الحدود، غير أن كفاءته أوثقُ من أيّ أحد
أفلا يكون المرشّح الأمثل إذن
وفوق ذلك بعث ماركوس إنكريد وفي صدره توقّعٌ لا يحسن صياغته
لا، ليس هذا فقط، بل كان يبتغي أمورًا كثيرة
وأراد ماركوس أيضًا حجبَ قدرات إنكريد
فحتى لو بقي في الوحدة فلن يظهر فجأةً من يَعرف موهبته، غير أنّ الحيطة أولى
ومع أوغادِ مارتاي يبعثون جواسيسَ بلا انقطاع، كان إبعادُ إنكريد عن الأنظار حكيمًا لعللٍ شتّى
لم يُرِد أن تنكشف قواتُهم النخبويةُ الأساسية وقدراتُهم ببطولاتٍ لا لزوم لها
وبوصفه قوةً نخبويةً محورية لم يكن إنكريد بارعًا فردًا فحسب، بل يصلح أيضًا قائدًا، ومع أنه مهووسٌ بالتدريب فطبعه غيرُ سيّئ
وفوق ذلك يعرف كيف يُلاطف فتىً من النبلاء
حسنًا حسنًا
وهكذا لا يملك إلا أن يصير موهبةً مطمعًا
ثم إنه هو من أوقد النارَ من جديد في قلب ماركوس
فقد عاش ماركوس في الآونة حياةً مفعمةً بالعزم لم يذُق مثلَها منذ زمن
حياةٌ ليست تكرارًا فارغًا بل فتحًا لأشياء جديدة
هذا مُثيرٌ حدَّ الغاية
وعلى الرغم من خواطره تلك ركّز ماركوس بصمتٍ في واجباته بعينٍ جادّة
وكانت واجباتُه، على خلاف لقبه كمُشعِلِ الحروب، أعمالًا لا تلائم هذا اللقب كثيرًا
ذلك اللقب كان قناعًا أصلًا
قناعًا ليُضلَّ الخصم
وفي الواقع لم يكن ماركوس موهوبًا كثيرًا في القتال ولا الحرب
وكان يعرف ذلك عن نفسه
وطبعًا عدمُ الموهبة لا يعني العجز
فقد كان ماركوس مجاهرًا بحُسن استعماله الناس، وخبيرًا في الوثوق بهم، مُقدِّرًا لرجاله
قائدُ السرية الأولى، وقائدُ حرس الحدود، وقائدةُ سرية الحوريّات، وحتى إنكريد
كان في يده كثيرٌ من الورقات الجوكر، بل إن معه ورقةَ الإسكّ
ومع كثرة الأوراق التي تُلعَب يصير كسبُ رهان الخصم أيسرَ مما يُظنّ
وبما أنه لا يحتاج إلى نسجِ شِباكِ خططٍ معقّدة، تحرّك ماركوس ببساطةٍ واستقامة
كل ما عليه أن يقتنصَ لحظةً يفاجئ فيها الخصم
هؤلاء الأوغادُ نصلُ السواد، يتطفّلون دائمًا، ماذا يرجون
كانوا كوحوشٍ برّية
وحوشٌ تُسِيلُ لَعابَها على المدينةِ التي عليه حمايتُها
أيجلس متفرّجًا ويَدَعُ الوحوش تعبث
إذًا
أدّى قائدُ الحرس التحيّة، فقال له ماركوس مُخاطِبًا قفاه
اقتلوهم جميعًا
بالطبع
إن حامية الحدود مدينةٌ حصينةٌ وعسكريةٌ معًا
وقد أهرقت دمًا عتيًّا في الحروب ضدّ آسبِن حتى الآن
فإن استخفّ بها أحدٌ واعتدى، فجزاءٌ مُستحَقٌّ ينتظره
أليس حتّى فصيلة، بل ثلاثة فقط
قَطّب فانسينتو في وجه إنكريد ورِم وراجنا ما إن رآهم، نافثًا كلامًا فظًّا
عامّيان وواحدٌ همجي؟ يا لها من توليفةٍ رديئة، رائحتكم كريهة، ابتعدوا عني
قالها فور اللقاء أمام بوابة المدينة التي تحميها
وانزلقت يدُ رِم إلى مقبض فأسه بسلاسة
ومدّ إنكريد يده اليمنى فأمسك معصمَ رِم
وبيده الأخرى ضغط على فخذِ راجنا الأيسر
وهزّ رأسه إشارةً لهما معًا
ما هذا، أتجرؤون على ألّا تُبدوا الاحترامَ لنبيل
تمنّى فانسينتو من أعماقه أن يُؤخَذَ فورًا، كان يتمنّى ذلك بإلحاح
وكان إنكريد يتوقّع هذا إلى حدٍّ ما، فلا مشكلة في التعامل
نعم
أدّى التحيّة وتقدّم خطوةً ليقف أمام رِم وراجنا مُظلِّلًا لهما بجسده
القائد مرآةُ رجاله
واصل فانسينتو السخرية إلى النهاية
فأسي يبكي، وبنطالي يبتلّ، لا تُحزنوا فأسي
هدَر رِم بجِدّ
توقّف
على الأقل داخل المدينة، فالتعرّضُ لرئيسٍ أمر، وأما قتلُ نبيلٍ فيستدعي فرقةَ اغتيالٍ ملكيةً بلا أعذار
وبحسب مجرى الأمور لم يبدُ أن حفنةَ ضرباتٍ ستكفي
راجنا، أنت أيضًا
وكذلك هذا، فشَعرُه الأشقرُ وعيناه الحمراوان ينضحان فتكًا
لنذهب
ولعلّها كانت مصادفةً حسنة، إذ اصطحب حرَسٌ برداءٍ أسود فوق درعٍ جلدي ذلك الفتى النبيل بعيدًا
ولم يركب العربةَ غيرُ النبيلِ وحرسِه، فيما سار إنكريد ورفيقاه على الأقدام
وانضمّ شخصٌ آخر إلى المجموعة
لِمَ نأخذ هذه
قال راجنا وهو يجذب طرف الحبل في يده
وكانت دنباتشل، الأسيرة الواقفة بجانبه، تُسحَب مع الشدّة
غُلّت معصماها بحبالٍ غليظة بإحكام، ولفّ الحبلُ ذراعيها وبدنَها كذلك، وكان راجنا يُمسك بطرف الحبل المرتخي
وكان الدمُ يرشح من معصميها حيث حكّتهما الحبال، وجلدةُ ذوي السلالات الوحشية أصلبُ وأقسى من جلد البشر، فإن بلغت الحال هذا السوء دلّ على أنها لم تُفكّ منذ أُسرت
وليس في النيّة أن تُفكّ
دليل
لم يثق إنكريد بذلك الفتى النبيل الذي يرافقهم
وكان يثق بالأسيرة دنباتشل أقلّ
إنها تريد أن تعيش
تعامل إنكريد مع الأمر ببساطة، طلب الأسيرةَ من قائد الكتيبة ومضى مباشرة إلى لبّ الحديث
افعلي هذا الأمرَ الواحد وأُبقِكِ حيّة، اعتبريه عقدًا
وبما أنها كانت تُسمّي نفسها مرتزقةً فلتعتبرْه تكليفًا
والثمنُ هو حياتها، والاختيار له
أستتبقينني حيّة
كانت عيناها ممتلئتين بالريبة، لكنّهما كلما دقّق إنكريد نظرَه وجدَهما أشدَّ إثارةً للاهتمام، فلذوات السلالات الوحشية حَدَقاتٌ موشّاةٌ بالذهب
أليس في ثقافتهم أسطورةٌ عن العيون الذهبية
استعاد إنكريد ما سمعه أيامَ كان مرتزقًا
لكنها الآن كانت تبدو كجروٍ مبتَلّ، كأنها طُرِدت وعاشت حياةً خشِنة
لاحظ إنكريد ولم يسأل، فما جدوى العلم
يكفي التعاقد، وما إن ينتهي هذا فلن يكون بينهما تعاملٌ آخر، وستنتهي مسألةُ هذه السِّلاليّة بموتٍ أو رحيل
أتفعلين أم لا، صدّقتِ أم لم تُصدّقي، فعلتِ أم لم تفعلي، خيارُك
ثم هزّ إنكريد رأسه واستأنف
لا، في الحقيقة لا خيار، افعلي، فالفعل خيرٌ من الإعدام، وإن خرجنا فقد تلوحين بفرصةِ فرار
لِمَ العناء
لم يُجِب إنكريد، بل لم يستطع
كيف يشرح أن العينين وشراسةَ التشبّث بالحياة ذكّرتاه بجنونه في مطاردة غاياته
فالضفدع يتبع الرغبات، وأما السِّلاليّ فيتشبّث بالبقاء والغريزة
لذا فمن الطبيعي أن يَشتهي السِّلاليّ الحياة
والبشر في هذا سواء
لكن نظرةَ العينين في تلك اللحظة كانت مختلفة
لم تكن مجردَ استرحامٍ للبقاء، بل جنونُ رغبةٍ في الحياة يفعل لأجلها أيَّ شيء
كانت حدسًا وغريزةً محضين، لكنه لم يُرِد إغفالها
ألك خيالٌ خاصٌّ بذوي السلالات الوحشية
مازح قائدُ الكتيبة، ثم أردف بكلامٍ أكثر جِدّية
واحدٌ من ذوي السلالات الوحشية أكثر أو أقلّ، افعل ما تشاء
أتحرّر أم أُقتَل أم أبقيها مملوكة، كلُّه راجعٌ إليه
وكان قائدُ الكتيبة بهذه الطريقة واسعَ الصدر
وكان إنكريد ينوي إطلاقها إن تعاونت بما يكفي
أكان اعتداؤها عليه جريمة
بهذا القياس في الحرب ينبغي أن يموت الجميعُ كي تنتهي
ولم يكن يهتمّ بالقصة الخلفية، كان مجرّد خاطرٍ عابر، وعلى أن يكون أنفع كان أفضل
وهذا سببُ اختياره السِّلاليةَ دليلًا بدل ذلك النبيل الأخرق
فبوسعه أن يتحقّقَ من معرفته الطريقَ وأن يُقابلَ أي خدعةٍ بالتثبّت
وانتهى الخاطرُ بجوابٍ لسؤال راجنا عن سبب اصطحابها
أيعقل أن يشرح إنكريد هذا لراجنا
أبدًا
وإن شرح، أكان راجنا سيصغي
إنها تبدو ماهرةً في التقاط الدروب
فلخّصه إلى هذا الشرح اليسير
وبدا على راجنا تأذٍّ غريب
قد لا أحسن اقتفاء المسالك، لكني أحسن السيف
ومن يجهل هذا
أعرف
ردّ إنكريد ببساطةٍ واتجه إلى خارج بوابة المدينة
وكانت دنباتشل، التي رصدت هذا كلَّه، تجدُه مُلفتًا
فالذي عذّبها بفأسه لا يكلّف نفسه حتى النظرَ إليها الآن، يتعامل معها كأنها غيرُ مرئية
كان يُدلّك مقبض فأسه ويراقب هدفَ المرافقة
ودقّت غريزةُ السِّلاليّ في داخلها ناقوسَ خطر
لو تُرِك على هواه لربما قَطّعها ستَّ قطع
وبدا أن إنكريد يدري ذلك، إذ كان يُحذّر مرارًا
اهدأ
توقّف
قلتُ توقّف
رِم
ومع ذلك لم يُفلِت رِم مقبضَ الفأس بسهولة
إنه مجنون
قيّمت دنباتشل الرجلَ المسمّى رِم فورًا، وكان تقييمُها دقيقًا
إن أخذنا الطريق الخطأ قطّعتُك
وكان الرجل الذي يُمسك حبلَها على النغمة نفسها، وحين قال سيقطعك لم يكن في نبرته عاطفة
كانت مجردَ حقيقة، أمرًا سيحدث بطبيعته، كقولك إن الشمس ستشرق صباح الغد
حتى لو فررتُ سأُقتل
وفوق كل شيء كانت الحبالُ التي تُقيّد جسدَها معضِلة
يا له من ذوق
كان الحبل يلتفّ على صدرها ثم ساعديها، حتى العنق والمعصمين
لم يكن الأمر غيرَ مريحٍ فحسب، بل كان يجعل أيَّ فعلٍ سوى المشي مستحيلًا
وما لبثوا أن قطعوا بضعَ خُطا حتى فتح النبيلُ نافذة العربة، وكانت أسوارُ قلعةِ حاميةِ الحدود لا تزال تتراءى خلفهم
إذن فكلُّ دوريةٍ حادّة البصر يمكنها تمييز من معهم
قال النبيلُ الذي فتح النافذة
تبدين مثيرةً للاهتمام، أنتِ يا سلالية، تعالي إلى عربتي الليلة للتسلية
ومشهدُ منخريه المتّسعين جعل دنباتشل تتساءل كيف سيكون غرسُ مِسمارٍ فيهما
إذن، أتفكّون وثاقي
الأمرُ يكون أمتع إن بقيتِ على حالِك
وبرؤية الرغبةِ الظاهرة في المتحدّث شعرت دنباتشل أن هذا الشخص هدفٌ سهل بدلَ شعورٍ بالنُّفور
فعلى الأقل قياسًا إلى من يُمسك حبلها، أو صاحبِ الفأس، أو مَن أسرها، كان هذا النبيل أسهل بكثير
وارتسمت ابتسامةٌ على وجه رِم عند سماع كلام النبيل
وأكد ذلك مقدارَ خطورته
وتكلّم راجنا الذي لم ينبس حتى الآن بصوتٍ منخفض
إن تحركتِ بلا إذن قطعتُك
وكان هذا أيضًا بنبرةٍ من نوع يرتفع القمرُ ليلًا
إذن، إن فعلتُ ما قاله النبيل سيقتلونني
ولاحظت دنباتشل أهدأَ شخصٍ في هذا كلّه
إنكريد، هكذا اسمه
وما إن بدأت العربةُ تتحرّك حتى استلّ سيفَه وأخذ يُلوّح به إلى جانبها
ماذا يفعل
هوووش هوووش
شَقّ النصلُ الهواء
أيتدرّب وهو يمشي؟ لا، أتراها مِرانًا
وبمشاهدة خُطاه هنا وهناك بدا أنه يتمرّن أيضًا على أساليب القدمين
وابتسم الحارسُ الذي يقوم بدور سائقِ النبيل لما رأى ذلك
مهما تلوّى الدودُ لن يصير فراشة
أتراه يدري ما يقول
لقد قاتلت دنباتشل إنكريد، لذاك الرجل بأسٌ شديد
لكنها الآن، وهي ترى ما يفعل، غلب عليها الفضول بدلَ الخوف
وبالتفاتةٍ إلى الخلف أبصرت دنباتشل راجنا يرقب قائدَه بانتباه، فلم تملك إلا أن تسأل وقد غلبها الفضول
ومع هذا المستوى، لِمَ يتدرّب بهذه الوحشية
تردّد قليلًا، لكن راجنا أجاب أسهلَ مما توقّعت
القائد كان رديئًا أصلًا، لم يكن يُحسن الغُولَ الواحد
غولٌ واحد؟ غيرُ ممكن
لقد قاتلت دنباتشل إنكريد، فهي تعرف مهارةَ إنكريد تمام المعرفة، وهي آخرُ مَن واجهها مباشرة
ومع ذلك ظلّ يلوّح بسيفه هكذا كلَّ يوم، حتى حين لم يجنِ إلا قساوةَ راحتيه وبناءَ عضلاتٍ يسيرًا، واصل، يومًا بعد يوم، دائمًا، كلَّ يوم، كيف يطيق ذلك
بدا راجنا كأنه يجيب دنباتشل أولًا، ثم أخذ يُحدّث نفسَه
أو لعلّه كان يُحدّث نفسَه منذ البدء
ونظرت دنباتشل في عيني راجنا تستكشف ما الأمر
كانت عينان تحترقان على نحوٍ غريب
عينا من غرق في شيءٍ وتلبّس به
ولم يبدُ الوقت مناسبًا للكلام
لم يكن يُحسن حتى الغُول
ومع ذلك كان يلوّح بسيفه كلَّ يوم، بالمثل نفسه
هذا طبعُه، كان عجيبًا أصلًا أنه حيّ، ولم يكن منطقيًا لماذا يحمل سيفًا، لكنه تحسّن على أيّ حال
قال رِم وقد زَجّ بنفسه في الحديث، إذ لم يُبدِ اهتمامًا حتى بدأ الحديثُ عن إنكريد فاقترب فجأةً ليقول
وزالَت نبرةُ السخرية وموقفُه اللذان كانا يَغُزّان جراحَ دنباتشل من قبل
لكنه ظلّ مجنونًا، فتحرّكت دنباتشل خلسةً جانبًا
وبينما تمشي كانت تراقب إنكريد وهو يلوّح بسيفه
وفكّرت دنباتشل
متى توقّفتُ أنا
فبعد طردِها من قبيلة ذوي السلالات الوحشية كافحت لتعيش
ثم علمت أنها نصفُ سلالية
ولأنها لا تستطيع تعلّم تقنياتِ السلاليين ولا غيرَها خلصت إلى أن المضيَّ أبعد عسير
ولما لم ترَ إمكانًا لمزيدٍ من التطوّر أو النمو توقّفت عن التدريب والمران
أكان ذلك الرجلُ عاجزًا عن غُولٍ يومًا ما
وعلى جانبه تمتم رِم، المجنون، لقد استغرق الأمر أقلَّ من عام، أكان عبقريًا؟ لا، قطعًا لا
عام
أيمكن لإنسانٍ أن يتبدّل هذا القدر في عامٍ من العجز عن غُول
ومن غير وعيٍ وجدت دنباتشل نفسَها تحدّق في ظهر إنكريد
رجلٌ عجيبٌ غامض، ليس ممّن صعدوا بموهبةٍ خارقة، بل ممّن ظلّ يُلوّح بسيفه يومًا بعد يوم مع أنه بلا موهبة
لا سببَ للكذب عليه، فلا بدّ أن الأمر صحيح
وكان كلُّ هذا المشهد عند دنباتشل مُلفتًا
وبين هذا الافتتان والفضول انبثق فجأةً شعورُ غِبطة
لو أنني عشتُ هكذا، كان هناك شيءٌ من الأسف
وبزَفرةٍ قصيرةٍ من ندمٍ مسحت دنباتشل بنظرها الأرجاء
هممم
لم تُبدِه خارجيًا، لكنها تحقّقت من علامةِ نصل السواد
وكان لا بدّ من اختيارٍ هنا
أتتكلّم أم تدع الأمر يمرّ
كانت لحظةً حاسمة
تردّدت دنباتشل، فتوقّفت العربة
سنستريح هنا
قال السائق الذي يقوم أيضًا بدور الحارسِ الأسود
وتوقّف إنكريد عن التلويح بسيفه