الفصل 11
«تبًا»
بصق ريم ولوّح بالفأس في يده كما لو كان يستعرض خدعة
لقد أفلت منه للتو ذلك الذي يدعى عين الصقر أو أيًا كان
كان الأمر مزعجًا كأنك لا تمسح بعد قضاء الحاجة
«لا أذكر آخر مرة فشلت فيها في صيد»
كان الرامي فطنًا وسريع الحركة
في اللحظة التي استشعر فيها وجود ريم، فرّ
والسهم الذي رماه وهو يهرب كان حادًا
لمس ريم الموضع قرب جانبه الأيسر حيث خدشه السهم
لا جرح. مجرد فشل في تفادي الضربة على الكمال
شعور سيئ يظل شعورًا سيئًا
كان قد اندفع فأربك تشكيل العدو
بدأ ريم يعود إلى المنطقة التي كان قد استطلعها
«من بحق هذا الرجل؟»
«اقتلوه»
لم يكن هناك حلفاء يُذكرون حوله
لقد توغّل أعمق قليلًا مما ينبغي
لكن ذلك لم يكن أمرًا يقلقه كثيرًا
بدل التذمر أو الشتم، راح ريم يلوّح بالفأسين في يديه
الفأس في يده اليمنى كان قد التقطه من عدو، وتوازنه سيئ جدًا
لكن ذلك لم يزعجه أيضًا
إن كان بلا فائدة فسيرميه وحسب، لا بأس
هوووش، طاخ
بضربة واحدة من الفأس في يده اليسرى شطر فكّ خصمه وعنقه الذي كان يسد طريقه، فتفجّر دم ثقيل متثاقل. نافورة دم اندفعت
تجنّب ريم رذاذ الدم برشاقة ولوّح بيمناه بقوة
شقّ الفأس الهواء
هوووش—
مع أنه ليس معدًا للرمي، طار الفأس بقوة وأصاب هدفه
طاخ
انغرس الفأس، شاطرًا جمجمة العدو نصفين
بعد أن هزّ خطوط العدو بهجومه، عاد ريم إلى تشكيل الحلفاء
«أتراه لا يزال قائد فرقتنا حيًا»
إنه ليس من النوع الذي يموت بسهولة
لم يقابل ريم رجلًا بهذه الصلابة في حياته
«حتى بين قبيلتي، لم يكن هناك مثله»
الأرجح أنه يصمد جيدًا مستعينًا بدهائه
إنه أثمن من أن يموت هنا
مع أنه ليس مناسبًا تمامًا لساحة القتال أيضًا
«لو كان يحمل شيئًا من قلب الوحش داخله لكان بخير، لكن الموهبة مؤسفة»
حتى إن ريم علّمه بعض أسرار القبيلة رأفةً به
ليس لأنه حاول أن يؤدي دور المعلم
إنه واحد من أولئك الذين لا ترغب أن تراهم يموتون أمام عينيك
أما إن مات بعيدًا عن النظر، فذاك أمر آخر
وحين عاد إلى المنطقة المألوفة
«أحدثت ضجة ولم تحقق شيئًا»
كان جاكسون
من السمات الرئيسية لفرقة 4-4-4 أن لا أحد ينسجم مع الآخر، باستثناء قائدهم إنكريد
أن تعمل مثل هذه الفرقة لا بد أن يعني أن القائد يملك جاذبية لا تُفسَّر، تكاد تكون سحرية
«هاه؟ أتكلّم معي لأنك تريد الموت؟ تريد رأسك مشطورًا بفأس؟»
«بفضل تفويتك الرامي، ساحة القتال صارت فوضى»
كان هذا استفزازًا صريحًا
حتى دون رؤية ساحة القتال كلها، يمكنك أن تشعر
لم يكن ذلك بسبب الرامي، بل بسبب الضفدع
في مكان ما، اندفع محارب من قوم الضفادع إلى ساحة القتال يعيث خرابًا
سواء كان ذلك حظًا جيدًا أم سيئًا
لم يصطدم ريم به
«اخرس. إن لم ترد أن تموت فلا تتكلم معي»
«متوحش مجنون»
أدبرا عن بعضهما
مجرد لقاء عابر
روتينهما المعتاد من الإهانات المتبادلة
فرقة 4-4-4 لا تحافظ على تشكيل معين خصوصًا
إنهم يقاتلون كلٌّ على حدة
حتى دون تشكيل، ودون التلاصق، يلفتون الأنظار
«باستثناء ذاك اللعين ذي العينين الكبيرتين»
الأرجح أن ريم نفسه جذب بعض الأنظار وهو يمزّق صفوف العدو
كان جاكسون بارعًا في الظهور فجأة وبصمت
من بعيد، رأى بعض أفراد الفرقة الآخرين
الجميع يقاتل منفردًا
أحدهم يلوّح بسيفه بكسل ظاهر
وآخر يضرب الناس حتى الموت بوقفة متصلّبة
ما من واحد منهم عادي
وطبعًا الأبرز كان القائد
يعيش بالجلد على العظم مع موهبة دون المتوسط
من ذا الذي يسمّي هذا «عاديًا»
«للاحتياط»
قرر ريم أن يعثر على القائد ويحميه
خطط أن يراقب ظهره دون أن يلاحظه
لا يزال يرى أن القائد أثمن من أن يموت
«وفوق ذلك، هو أول من تعلّم تقنياتي على هذه القارة»
مفكرًا بأسباب شتى، تحرّك. وسرعان ما وقع إنكريد في مجال نظره
«هاه؟»
وبينما شرد لحظة، اندفع جندي عدو
ردّ فعلًا، عرقل ريم المهاجم ووجّه ضربة بمقبض الفأس إلى فكّه
بصق العدو أسنانًا مكسورة
ولافًّا جسده نصف دورة، وجّه ريم ضربة بالكوع
طخ. قعقعة
ومع اصطدام الخوذة بدا الصوت كأن خشبًا سميكًا ينكسر
انكسرت فقرة العنق بضربة واحدة
حتى وهو يلف يمينه، ظل نظره مثبتًا
لا، وهو يصد المهاجمين، كانت عيناه على القائد
«ماهر؟»
كان مشهدًا لم يره من قبل
تلك المهارة جعلته يراقب بدل أن يندفع للمساعدة
لم يبدُ أنه سيخسر. كان الإحساس أشبه بحدس صار حقيقة
كان يقاتل جنديًا عدوًا قويًا
أظهر هدوءًا وجرأة غير مسبوقين
«كيف؟»
كيف يتغير شخص بهذا القدر بين ليلة وضحاها
«أنا أيضًا أجد ذلك مفاجئًا»
كان جاكسون بجواره مجددًا. لماذا تتقاطع طرقهما كثيرًا
هل جاء هو أيضًا ليحرس ظهر القائد
«كنت أراقب طوال اليوم. بينما كنت تعبث»
«ثم؟»
«كأن الحظ يلازمه»
«ماذا؟»
«لقد حالفه الحظ»
مجرد حظ؟ لم يكن مناسبًا أن نُرجع حالته الراهنة إلى الحظ وحده
«ومهاراته تحسّنت على نحو لافت أيضًا»
كان جاكسون ينسجم مع الفرق الأخرى، لا معه
حسنًا، هذا حال معظم أفراد هذه الفرقة أصلًا
في الواقع، كان هذا أطول حديث طبيعي بينهما منذ انضم إليه
وهذا يدل على مدى دهشة جاكسون
وكان ريم مندهشًا بقدر جاكسون
وفوق ذلك، شهد ريم أمرين مدهشين بعد ذلك
أحدهما كان إنكريد يتفادى طعنة ثم يرد بضربة سيف شبه مثالية
«حسنًا فعلت»
قال ريم من غير أن يشعر
وأومأ جاكسون إيماءة خفيفة
جهد لا ينقطع
وحين تعرف كم من الدم أساله القائد وهو يلوّح بسيفه، يتولّد شعور تأييد تلقائيًا
الموهبة أمر عجيب
أحيانًا تقفز بضع درجات دفعة واحدة
عاش ريم وجاكسون هذه القفزات بأنفسهما، لذا لم يشعرا بانفصال عما يريانه
وبدا أن القائد هو أيضًا قفز بضع درجات مرة واحدة
«لقد فاز»
الخصم كان قويًا. وطبعًا لو كان ريم هو من يقاتل، لكفت بضع ضربات من فأسه
كان القائد دومًا يخسر أمام هذا الخصم عشر مرات من أصل عشر
لكن هذه المرة فاز. ولم يبدُ انتصارًا سهلًا
كانت هناك جروح صغيرة ظاهرة
تحوّل الدرع في يده اليسرى إلى خردة محطمة
تمزقت واقيات الجلد على يديه وركبتيه وأصبحت خِرَقًا
ومن أنفاسه الثقيلة كان واضحًا أنه منهك
«قلب الوحش»
قيّم ريم حالة القائد بنظرة واحدة
جرأة وهدوء
والأساس لهذا على الأرجح التقنيات التي علّمه
«أبلغ هذا الحد من الإتقان؟»
كان مستوى مذهلًا من البراعة
قرر ريم أن يلقي مزحة وينسى كل شيء
«ضفدع»
صرخ أحدهم في تلك اللحظة. كان جنديًا آخر يقف خلف القائد مباشرة
ما اسمه أصلًا؟ هل كان بِل
تذكره لأن اسمه قريب من اسمه
وكما قال بِل، كان ضفدع يندفع، ظلٌّ داكن
الضفدع، رجل الضفدع
كان وجهه يشبه وجه الضفدع
وكذلك جلده
كان جلده أملس كأنه مغطى بالزيت، فتتزحلق عنه الأسلحة كلها، سواء كانت قواطع أو صوادم
ولقتلهم يجب أن تخترق قلبهم أو تحرقهم بالسحر أو التعاويذ
وليس ذلك بالأمر السهل
الضفادع قوم محاربون بالطبيعة، تفوق قوتهم وغرائز قتالهم البشر
أيًا كان السلاح في أيديهم يتقنونه في غضون أيام
اندفع الضفدع موازيًا للأرض، وركل جانب القائد ببطن قدمه
لم يبدُ أنه ينوي أن ينهي القتال بتلك الضربة الواحدة
وبعد أن رأى القائد يطير جانبيًا من الركلة، هبط الضفدع بثقل واتخذ وضعه
مدّ إلى الخلف قابضًا على رمح
إن تُرك وشأنه، سيموت القائد. سيموت حتمًا
في اللحظة التي رأى فيها ريم الظل الداكن، دفع الأرض
دمدمة
تشققت الأرض بصوت عالٍ. قوة قفزته فجّرت التربة كنافورة صغيرة
في لحظة قصيرة، بلغ جسد ريم جانب الضفدع
هوووش
دون كلمة، أدار فأسه في قوس طويل
من أعلى، انحنى الفأس كالسوط، ناقلًا القوة من كتفه وذراعه إلى الحد
أبدل الضفدع رمية الرمح بخدعة مذهلة
في وضع الرمي، حرّك قدمه اليمنى جانبًا ولوّح بساق الرمح إلى أعلى كعصا خشبية
جرى تبديل الوقفة والضربة الصاعدة بساق الرمح في طرفة عين
طنين
اصطدم الفأس بساق الرمح
اهتزّت موجة صادمة من نقطة التماس
«غرر، آفة مزعجة؟ إنسان قبيح؟»
«أيها الضفدع اللعين، ذلك الرجل قائد فرقتنا»
«…القائد أضعف من أفراد الفرقة؟»
أدرك الضفدع مهارة ريم في الحال
اندفاعة، ضربة فأس، حكم
الضفدع قوم محاربون مولودون
وإن كان ثمة شيء يساوي مهارتهم القتالية، فهو بصيرتهم
تستطيع عيونهم الجاحظة الدوّارة أن تزن قدرات خصمهم في لحظة
إنهم قوم وُلدوا بموهبة تمييز الموهبة
حرّك الضفدع عينيه حوله ثم تراجع
«يكفي. لقد هدأت»
«ما الأمر بحق؟»
«أيها الإنسان القبيح، ذلك الرجل ثقب «ذاك» لإنسان أعرفه. لذلك تحمّست قليلًا. لكنه واحد ممن درّبت، لذا… حسنًا، على أي حال، لا بأس الآن. لا يستحق أن أخاطر بحياتي هنا»
لم تقتصر بصيرة الضفادع على تقييم موهبة البشر. فغرائز قتالهم تتيح لهم أن يقيّموا فورًا مكسب الموقف أو خسارته
لم يظن ريم بالضرورة أن الضفدع في وضع غير مريح
ومع ذلك، إن أمكن تجنب القتال فهو أفضل
القتال مع ضفدع من أجل فتات لا يستحق العناء
فهم تمامًا ما يقوله الضفدع
فالضفادع يمكنها أن تُنبت الأطراف ما لم يُثقب قلبها. ولذا فهي حساسة لكلمة «قلب»
حتى إنهم لا يستعملون كلمة «قلب»
ومشاهدة قلب أحد يُثقب بقربهم قد تفقدهم صوابهم
الضفدع الهائج يطلق هالة متوحشة حقًا
والضفادع التي لم تُدرّب جيدًا لا تطأ ساحة القتال أصلًا
استعاد ريم ما يعرفه
«تبًا، لا بد أنني بدأت أتأقلم هنا فعلًا»
إنه يستطيع أن يسرد معلومات عن الضفادع بسهولة، ما يدل على أنه تأقلم تمامًا مع الحياة على هذه القارة
ربّت الضفدع على درع صدره
درع مصمم لحماية القلب وحده، يُعرف باسم «درع القلب»
رؤيته يرتديه أكد أنه اتبع الإجراءات السليمة ليكون هنا
مدن الضفادع معروفة بأنها تكسر السيوف غير المصقولة بدل أن تدعها تخرج
وكان درع القلب أشبه ببطاقة هوية للضفادع
«نراك لاحقًا، أيها الإنسان القبيح»
لكن لماذا يواصل هذا الشيء مناداتي بالقبيح
الضفادع تحب الجواهر ولها ذائقة فريدة
وهي تفضّل البشر حَسَني المنظر
«لديك وجه أجمل من أن أقتله»
أخرج الضفدع لسانه وهو يتكلم. اندفع اللسان الطويل كأنه يلتقط ذبابة ثم انكمش سريعًا
كان ذلك على الأرجح نسخته من الابتسام
هو… لا، هي رمقت القائد بنظرة وتراجعت ببطء
الإناث يحببن الذكور الوسيمين
والذكور يحبون الإناث الجميلات
هذه سِمة لدى الضفادع
ومعايير اختيار الأزواج بينهم مختلفة، لكن لسبب ما، يعجبون بالبشر الجذابين
على أية حال، هذا ليس شأن ريم
«هل أنت على قيد الحياة؟»
رأى ريم جاكسون وهو يسند القائد
«ركلة على الجانب سببت شرخًا في ضلع. لكن في تلك اللحظة القصيرة…»
«نعم، صدّها بذراعه»
ممتاز. كان يستحق أن أعلّمه
أن تظل متماسكًا وتصدّ في لحظة الاصطدام — ذلك بفضل قلب الوحش
شعر ريم بشيء من الفخر
«الصدمة لخبطت رأسه. لن يموت، لكن إن تركناه هكذا فقد يفعل»
«حرارة المعركة فترت قليلًا. احمله. ولنأخذه معنا»
«أنت احمله. وأنا أفتح الطريق»
«…أأنت فعلًا تطلب أن أهوّي على رأسك بفأسي»
«عليك أن تحذر خنجرًا في ظهرك أكثر من أي شيء»
ازدرى ريم بأنفه لكنه لم يصعّد إلى قتال
حسنًا، على الأقل القائد أدّى أداءً طيبًا
وهذا هو المهم
حمل ريم إنكريد
تحرك جاكسون أمامه، يفتح الطريق بسيفه وترسه
للوهلة الأولى، لا يبدو ماهرًا على نحو خاص
لكن عند التمحيص، سترى
يفتح الطريق دون أن يُظهر حتى نصف مهارته الحقيقية
«قط صغير ماكر»
شتم ريم في نفسه وهو يمشي
والقائد على ظهره يتنفس بهدوء كأنه نائم