الفصل 27
الفصل 27: الرحيل، وصول المزارع الشيطاني في مرحلة صقل الفراغ
حين رأى الجميع أن وجه هان فنغ الشاحب بدأ يورِق شيئًا فشيئًا تنفّسوا أخيرًا الصعداء
ثم تذكّروا كلمات السلف الأكبر آنفًا، أيمكن أن يكون أحد أسلاف عائلة هان ما يزال حيًّا
أجهد كثير من شيوخ العائلة عقولهم يتساءلون أيُّ سلف بلغ زراعته إلى هذا الحد
ولما فتح هان فنغ عينيه حدّق في يديه غير مصدّق وقال
“أنا… أنا بخير”
وحين نظر شيوخ عائلة هان إلى السلف الأكبر وقد عاد الدم إلى وجهه واستقرّت هالته شعروا كأنهم في حلم
ويجب أن يُعلم أن حتى خبراء مرحلة روح الوليد وقفوا عاجزين أمام إصابة السلف الأكبر حين علموا بها
أيمكن أن يكون هذا السلف الغامض وجودًا أعلى من مرحلة روح الوليد
في الحال علا حماس كثير من أفراد عائلة هان إلى مدى لا يُصدّق
قال هان شوانجي تنبيهًا عابرًا: “طريق الزراعة الروحية ينبغي أن يكون بالتدرّج، فلا تستعجل”
قال هان فنغ باحترام وهو ينحني: “لقد تلقّى الصغير تعليمك”
كان يرى أن هان شوانجي لا بد أن يكون أحد أسلاف عائلة هان، وأن انحناءه بهذا الشكل لائق تمامًا
وما كان من هان شوانجي حين رأى ذلك إلا أن ابتسم بمرارة
تظاهر بأنه لم يرَ شيئًا ثم غادر فحسب
بحسم وسرعة شديدين
وفي اللحظة التالية اختفت الهالة الجبارة التي ملأت المكان
وأخذ أفراد عائلة هان نفسًا عميقًا كأنما أُنتشلوا من الغرق
“يا للعجب…”
سقط مزارع في مرحلة تأسيس الأساس أرضًا من فوره
كان واحدًا ممن همّوا قبل قليل بإيقاف هان شوانجي، لكن مجرد اقترابه من ذلك الضغط الهائل أفزعه حتى اختلّ رُشده، وما زال إلى الآن لا يدري ما الذي وقع
“…”
فتح هان فنغ فمه واقفًا في مكانه على غير هدى وبدا على وجهه الأسى
لم يكن يرى أن على هذا السلف الأكبر أن يبقى دائمًا في العائلة ليحمي أفرادها، لكنه كان يرجو أن يمكث السلف الأكبر في عائلة هان مدة أطول قليلًا ليعينهم في هذا الظرف
قال هان شيو وهو يقترب سريعًا من هان فنغ: “يا سلفنا الأكبر، هل أنت بخير”
قال هان فنغ وهو يهز رأسه: “أنا بخير، وأشعر أنني في أحسن حال”
تمتم الشيخ الأكبر غير مصدّق وهو ينظر إلى هان فنغ: “لقد شُفي تمامًا حقًا”
لم يجرؤ قبل الآن على الجزم، أما وقد تأكد من الشفاء التام فقد هاج في صدره بحرٌ من الدهشة
سأل الشيخ الأكبر بفضول: “يا سلفنا الأكبر، هل تعرف أيَّ سلف من أسلاف عائلة هان يكون هذا الكبير”
كان جسد هان شوانجي وهيئته محجوبين، ولم يبدُ لهم سوى هيئة ضبابية
لكن بما أن هان فنغ مزارع في مرحلة النواة الذهبية وكان الأقرب إلى هذا السلف الغامض، فربما رأى وجهه بوضوح
قال هان فنغ وهو يهز رأسه ويتنهّد بخفوت: “لا أعرف
لم أرَ حتى كيف يبدو هذا السلف الأكبر”
وساد الصمت عند الآخرين لما سمعوا ذلك
وإذ لم يعرفوا لماذا يتحفّظ هذا السلف الأكبر إلى هذا الحد، لم يسعهم إلا الظن بأن لديه مقاصد عميقة
قال أحد شيوخ العائلة في مرحلة تأسيس الأساس من غير أن يملك نفسه: “لو أن هذا السلف الأكبر رضي أن يبقى ليعيننا”
قطّب هان فنغ وقال بصرامة: “كفى، كيف نخوض في أفكار السلف الأكبر
لا أريد أن تخرج إلى الخارج أي إشاعة عن هيئة السلف الأكبر، فإن تسرّب طرفٌ منها فسأُتابع الأمر إلى النهاية مهما كان صاحبها، فهمتُم”
“ولا أريد لأحد أن يظن أن وجود سلفٍ أكبر قوي لعائلتنا هان يبيح له أن يثير المتاعب كما يشاء”
وانفجرت في الحال منه هالة قوية تختلف كليًا عن ضعفه السابق
فعلم كل من حضر أن السلف الأكبر المتجبّر القديم قد عاد
“نعم”
ارتعد أفراد عائلة هان ولم يجرؤوا على إضمار أي فكر آخر
وعلى الأقل فإن وجود سلف أكبر في منتصف مرحلة النواة الذهبية يرعاهم كفيل بأن يخلّصهم من عيشة الخوف كل يوم
وفوق هذا فقد عرفوا الآن أن وراءهم سندًا عظيمًا
…
وفي هذه اللحظة تحركت هيئة هان شوانجي فعاد إلى الفناء الذي يقيم فيه والداه
تنهد في قلبه قليلًا: “بعد أن فعلت هذا فحسب يكفي”
ورغم أنه كان يستطيع أن يعين عائلة هان أكثر، فإنه لا يقدر إلا على العون حينًا من الدهر لا إلى الأبد
فالإفراط في عون عائلة هان سيجعلهم يعتمدون عليه اعتمادًا زائدًا
ولم يُرِد أن يكون ممرّضًا يعنى بعائلة هان
وفي النهاية هو لا يدين لعائلة هان بشيء
قال وهو يقف أمام والده ووالدته مودّعًا: “أبتاه وأمّاه، على ولدكما أن يرحل”
تنهد والد هان وقال: “يا شوانجي، امضِ وازرع مطمئنًا” ومع أنه كان كارهًا فراقه فقد كان يعلم أن الزراعة الروحية ليست أمرًا هيّنًا فأبدى تفهّمًا كبيرًا
بل وشعر في قلبه شعورًا غامضًا أنه بعد هذا اللقاء لا يدري متى سيكون اللقاء التالي
وخالج والد هان حزن حين فكّر في ذلك
قال هان شوانجي وهو يضع خاتم تخزين على كف والده بجدية: “احفظ هذا الخاتم جيدًا، فإن وُجد في العائلة من يليق بالزراعة الروحية فسلّمْه هذا الشيء”
كان في الخاتم مقدار كبير من موارد الزراعة الروحية، كلها غنائم ممّن قتلهم من المزارعين الشيطانيين من قبل
وهو يكاد يكفي لدعم زراعة شخص واحد حتى مرحلة روح الوليد
غير أن هذا الخاتم لا يُفتح إلا على يد سليل مباشر من نسله بعد بلوغه مرحلة تأسيس الأساس، وإن حاول غيره اغتصابه فلن يُفَعَّل سوى قيدٍ يرديهم بشرّ ما صنعوا
وقال وهو يخرج لعبة على هيئة دمية لا يتجاوز حجمها الكف لكنها في غاية الإتقان: “وهذه اللعبة احفظها جيدًا”
سأل والد هان متحيّرًا: “وما هذه”
لم يُسهب هان شوانجي في الشرح وقال: “إن خرجتم فاحملوها للدفاع عن النفس، وإلا فاتركوها في البيت”
وكانت في الحقيقة دمية روحية في مستوى روح الوليد تملك قوة قتال روح الوليد، وبوجود هذه اللعبة تُضمن سلامتهما في الأساس
لكن الشرح المفصّل كان سيبدو صادمًا أكثر مما ينبغي
تردّد والد هان عن الكلام، وشعر أن ابنه قد تبدّل وفي الوقت نفسه لم يتبدّل
وبعد وصايا أخيرة قليلة لم يقل هان شوانجي شيئًا آخر وتحول إلى خط من الضوء واندفع إلى السماء
وظل والد هان ووالدته يحدّقان صامتين في ذلك الخيط الضوئي حتى تلاشى بعيدًا وتبادلا نظراتٍ بغير كلام
…
ولاية العالم السفلي الشمالية
تقع شمال الولاية الوسطى، وهي موطن الطوائف الشيطانية وجنة للمزارعين الشيطانيين والأشرار
وفيها تقع طائفة الشيطان السماوي
وفي هذه اللحظة في القاعة الرئيسية لطائفة الشيطان السماوي
اجتمع جماعة في القاعة الكبرى، وكل واحد منهم يمتلك هالة جبارة على نحو مذهل، وأضعفهم في مرحلة تحوّل الروح، وبينهم غير قليل من الخبراء العظام في مرحلة صقل الفراغ
قال شيخ نحيل بنبرة ساخرة: “يا شيخنا الثالث، سمعتُ أن السامي تشن شنغ قد مات، حقًا ليس كل أحد يصلح للقب السامي”
وكان تلميذه قد أخفق في مسابقة لقب السامي، فسرّه خبر موت تشن شنغ
واحمر وجه الشيخ الثالث غضبًا لما سمع ذلك وقال: “لقد كان ذاك قهرًا للضعيف وخروجًا عن القواعد”
“همف”
وتكلم الرجل ذو الرداء الأرجواني الجالس في الصدارة في هذه اللحظة قائلًا: “إنما هو قصور في المهارة، ولو كانت طائفة شنشوان لقمة سائغة لما ثبتت في ولاية اللازورد الشرقية كل هذه السنين”
“يا شيخنا الرابع، هل طرأ جديد في الأمر الذي أوكلته إليك”
تروّى الرجل النحيل لحظة وقال: “إبلاغًا إلى سيد الطائفة، إن من دفعنا بهم إلى الداخل لم يعثروا على معلومات نافعة، ولم يكتشفوا أحدًا نال إرث سيد الليل السماوي الشيطاني”
قال الرجل ذو الرداء الأرجواني: “مم” ثم أومأ ولم يبالِ، بل قال بدلًا من ذلك: “هل عرفتم من قتل حامي الظلام اللازوردي”
تردّد الشيخ الرابع قليلًا ثم قال: “لا. وطبقًا لمعلومات جواسيس طائفة شنشوان فإنهم هم أيضًا لم يعرفوا من الذي تحرك، لكنهم يرجّحون أنه سيد السيف قاتل الشياطين”
وما إن قيل هذا حتى خفت الضجيج في القاعة كثيرًا
وبعد صمتٍ طويل قال أحدهم أخيرًا: “ألم يكن سيد السيف قاتل الشياطين قد اخترق لتوّه إلى مرحلة تحوّل الروح”
ويجب أن يُعلم أن السيد اللازوردي السماوي كان مزارعًا عظيمًا في ذروة مرحلة تحوّل الروح، ولولا أن خبيرًا في مرحلة صقل الفراغ تحرّك لما هلك مباشرة من غير أن ينجو بالفرار
والمغزى واضح لا يحتاج إلى شرح
ولم يجرؤ أحد على تصديق أن من قام بالفعل هو سيد السيف قاتل الشياطين المتواري
وعندها تكلّم أخيرًا سيد قاعة ووشيانغ بعد طول صمت وقال: “هذا الفتى ليس كما يبدو عليه من قوة، وأظن أن الطرف الآخر إمّا أنه سليل قوي من طائفة شنشوان قد بُعث، أو أنه يملك سرًا عظيمًا
كيف يكون سيد السيف قاتل الشياطين غامضًا إلى هذا الحد؟ الأغلب أن طائفة شنشوان لم تلتزم القواعد”
“فالجميع يعرف خلفية السيد اللازوردي السماوي، ولم يكن لطائفة شنشوان أن تتركه يفلت”
قال الشيخ الثالث ببرود: “إن كان الأمر كذلك فدعوني أذهب لأُشرف على ولاية اللازورد الشرقية، وأريد أن أرى من يكون هذا العظيم”
قال الرجل ذو الرداء الأرجواني مبتسمًا قليلًا ثم تلاشت هيئته
فارتاع كل من حضر في الحال، ولم يرَ أحدٌ منهم بوضوح كيف انصرف
ولم يملك أحدهم نفسه فقال: “إن تجسّد سيد الطائفة وحده يمتلك مثل هذه القوة، فلابد أن الجسد الحقيقي على وشك بلوغ مرحلة عبور المحنة قريبًا، وعندها سنرى ماذا تفعل طائفة شنشوان”
ولو ظهر مزارع شيطاني في مرحلة عبور المحنة داخل طائفة الشيطان السماوي لتبدّل بلا ريب وجهُ المشهد القائم في عالم الزراعة الروحية
وأخذ كثير من المزارعين الشيطانيين يحسبون في قلوبهم كيف سيقتسمون هذا الكيان الهائل يومئذ