الفصل 29: ما ينبغي أن نخافه
بالطبع ظننتُ أن شياطين الدم وسائر الشياطين سيأتون أولًا
لكن أول ارتداد على اعتقال يانغ هو جاء من الداخل
اجتمع نحو 30 محقّقًا من هوانغتشونغاك في القاعة الرئيسية واستدعَوني
وكان من قاد هذا الأمر هو غوك ميونغ، أقدمُ المحققين الخاصّين رتبة
«كان عليّ أن آتي إلى مكتبكم بنفسي، لكن لكثرة الحضور اقترفتُ هذه الوقاحة»
«لا أرى عندك ما يُقال، ويخيّل إليّ أنك جئتَ لتُشعل خصومة»
«أبدًا، لا تَسُؤ الفهم»
لم يأتوا على قلبٍ واحد، وقد أدركتُ ذلك من نظراتهم، فهنا مَن حضر مستاءً، وهنا مَن جاء مُكرهًا
وتكلم غوك ميونغ ممثلًا الجميع
«بلغني أن هذا المكتب أعاد التحقيق في قضيةٍ كانت قد أُغلِقت بالبراءة»
«نعم فعلنا»
«وذاك فعلٌ يُضعف معنويات محققينا وسلطتهم»
التفتُّ إلى المحققين الواقفِين خلف غوك ميونغ وسألت
«أترون ذلك أيضًا»
«نعم، كذلك هو»
أجابوا بصوت عالٍ
«رأيي مختلف قليلًا، بل أرى أن حادثة يانغ هو هذه هي التي قوّضت سلطة هذا الجناح، وبشكلٍ خطير جدًا»
«وكيف ذاك»
«أبهذه البداهة نحتاج إلى شرح، هذا مُخيب»
حينها صلّب غوك ميونغ ملامحه وردّ
«لقد فعل السيّد أمرًا غير معقول أصلًا»
«أسمعتَ أنه حين قبضتُ على يانغ هو هذه المرة اعترف بكل شيء أمام الجميع»
«سمعت»
«فما الأمر إذن، لِمَ جئتَ أصلًا»
«حديثُنا عن إعادة تحقيقٍ في قضيةٍ كانت قد أُغلقت»
«أهي مسألة مبدأ»
«نعم، وهي سابقة لا نظير لها»
«يا محقّق غوك، طفلٌ بريء ضُرب حتى الموت، والمجرم قُبض عليه واعترف، أفلا يجب أن نُعيد التحقيق، كيف سيراكم الناس وأنتم تتذرّعون بالمبادئ في هذا الظرف»
«ولو وُصِفنا بالجمود فلا حيلة، فالمبادئ مهمّة في بنية أي مؤسسة»
أهو تعنّتٌ أم ضغطٌ يريد ممارسته، لم يحاول أن يتراجع ولو خطوة
«حسنًا، فلنرَ رأي الجميع، مَن يرى أن إعادة التحقيق صوابٌ فليتقدّم إلى هنا»
وقد جاؤوا لأجل فعلٍ جماعي، فلا أدري هل سيتحرّك أحد الآن
تقدّم شخص نحوي
كان سيو داي-ريونغ، نصيري المطلق، ولأن القوم جميعًا يعلمون قُربه منّي، لم تُحدِث خطوته أثرَ تموّج
«أنت من خلّصائي ومحقّق ليوم واحد»
«أتُشير بذلك إلى أنني تحرّكتُ بدافع المعرفة الشخصية»
«أليس كذلك»
«لا، بصرف النظر عن ولائي لك يا سيّدي، أرى وجوب إعادة التحقيق في هذه القضية»
«ولِمَ»
«التحقيق كان قاصرًا»
أبدى عدة محققين، وبينهم غوك ميونغ، امتعاضًا سافرًا، لكن سيو داي-ريونغ بسط رأيه بهدوء
«كما لا يمكننا استبعاد احتمال وجود ضغط خارجي»
«جيد، مَن يوافق هذا الرأي»
رفعتُ يدي هذه المرة ونظرتُ إلى المحققين
وفي ظرفٍ ظننتُه unlikely تقدّم شخص آخر
«وأنا كذلك أرى ذلك»
كان ضابطًا أصيب على يد غودانغ في تحقيق ماجون الأخير، وقد ثأرتُ له، وطلبتُ إلى الطبيب ما أن يمنحه أفضل علاج
«أنا إيك-هو، لم أحيِّك كما ينبغي في ذلك الوقت، شكرًا جزيلًا لك»
«كيف جسدك المصاب»
«بخير»
«حسنًا»
عدا إيك-هو لم يتحرك سائر المحققين، ويبدو أنهم كانوا يراقبون غوك ميونغ، ومحقّ أنتم لم تروني إلا أيامًا، بينما صحبتُكم معه تمتد من أعوامٍ قليلة إلى عشرات السنين
وفي تلك اللحظة تحرّك شخصٌ آخر
«أنا يانغ غونجا، في المجموعة نفسها مع إيك-هو، شكري لك من أعماقي لأنك ثأرتَ لإيك-هو»
وبدعم الاثنين تشجّع بعضهم وتحركوا نحوي، ولم يتحركوا لدافع العلاقة الشخصية، بل لأنهم رأوا التحقيق السابق مُجحفًا
ومع ذلك بقي العددُ الغالب في جانب غوك ميونغ
ناديتُ أحدهم، وهو محورُ ما يجري اليوم
«المحقّق جونغهوا»
«نعم»
كان جونغهوا المحقّق المسؤول عن هذه القضية، وهو من برّأ ابن بايكدو-غوي
«ما رأيك»
«…لقد حقّقتُ في القضية كما ينبغي»
دنوتُ من جونغهوا وحدّقتُ في وجهه وسألت
«هل أخذتَ رشوة من شيطان»
لجمت الدهشةُ ملامح جونغهوا لحظة، وانفجر غضبًا عنه غوك ميونغ
«أي هراء هذا»
سألتُ غوك ميونغ ببرودٍ قاطع
«أتكون قد أخذتها أنت إذن»
«لا»
«فلِمَ تتصدّر إذن وتلقي بكلماتٍ سخفاء على رؤسائك»
«لأنها مسؤولية تابعي»
«وهي أيضًا مسؤوليتي، أليس كذلك»
وأدرك غوك ميونغ أنه زلّ، فخفض رأسه
«لا، المعذرة»
«لا تتقدّم بغير إذن»
«حاضر»
وبعد أن ضبطتُ لسانه عدتُ أخاطب جونغهوا
«هل أخذتَ مالًا من بايكدو-غوي»
«لا»
«أتقسم»
«أقسم بحياتي»
ولم يُشِح ببصره عنّي كأنه بريء
«إن لم تصدّقني ففتّش بنفسك»
«لقد فتّشتُ بالفعل، ولم يأخذوا مالًا حقًا»
دهش الجميع من قولي، فقولُ «لقد فتّشتُ» يعني أن التحقيق الداخلي اكتمل
ولمّا نهيتُ غوك ميونغ عن التصدّر، لم يملك مع ذلك إلا أن ينبس
«محقّقونا لا يفتحون تحقيقًا داخليًا إلا في الحالات الخاصة»
«وقد أُجري بوصفه تحقيقًا خاصًا، وتلقّينا أمرًا مباشرًا من القائد وأجرينا تحقيقًا خارجيًا أيضًا»
سألتُ غوك ميونغ، المذعور، بفتور
«أظننتَ أن القائد حين ولّاني غكجو لن يمنحني هذا القدر من الإسناد»
«لا»
ونظرتُ إلى الجميع وقلتُ بهدوء
«كنتُ فضوليًا، لماذا طُمِس الحادث إذ لم تُقبَض رِشوة»
«لم أطمس الحادث، ووفق بحثي…»
قاطعتُ جونغهوا
«أليس قد هدّدوا بقتل أختك»
تجمّد جونغهوا لحظة، وقال وجهه: كيف عرفت
«بعد أن فتّشتُ عنك وجدتُك رجلًا نادر الأمانة، فلم أُصدّق، وأمرتُ بالمزيد من التحري، فلا أحد في العالم لا يحب المال، لكنك كنتَ حقًا رجلًا مستقيمًا، فلِمَ إذًا يغضُّ رجل بمثل أمانتك الطرف ويمضي، لديك نقطة ضعف كبرى: أختك الصغرى، أسرتك الوحيدة»
اهتزّت عينا جونغهوا
وتعجّب غوك ميونغ وسأله
«أحقًا هدّدك ذاك الوغد»
لم يقدر جونغهوا أن يجيب
«تكلّم، أحقًا هُدّدت»
كان غوك ميونغ محتدًّا، لكن جونغهوا طأطأ رأسه وصمت، وأنا أعلم أيضًا لماذا تصدّر غوك ميونغ هذا الأمر، فجونغهوا تلميذه الأقرب، وقد تقدّم ليحول دون أن يُصاب جونغهوا بضرر بسبب هذه القضية
قلتُ لجونغهوا
«لا عليك إن كنتَ تقلق على أختك، فقد أرسلنا بالفعل منفّذين يحرسونها في بيتٍ آمن، ستبقى آمنة حتى ننهي هذا الملف تمامًا»
وعندها فقط لاح الارتياح في وجه جونغهوا، ثم خرّ ساجدًا أمامي كأنه يقرُّ بكل شيء
«لقد اقترفتُ إثمًا عظيمًا»
تنفّس غوك ميونغ الصعداء وهو يرى ذلك
«يا للعجب»
ولأنهما عملا طويلًا معًا فهو أدرى الناس بكمّ عناية جونغهوا بأخته، لكن يبدو أنه لم يعلم بما وقع
قلتُ لجونغهوا المنكّس رأسه
«تعلم أنه لا ينبغي فعلُ هذا ولو هُدّدت، أليس كذلك»
«سأتلقّى عقابك بحقّ»
تباينت وجوه المحققين الناظرين، لكن الغضب كان قاسمهم، فالأمر يعني كلّ واحد منهم، لا ندري متى يقع مثله علينا
«انهض»
«حاضر»
نهض جونغهوا
«لو وقع هذا بعد أن صرتُ غكجو لما غفرتُ لك، أما وقد حدث قبل مجيئي فسأغفر لك استثنائيًا»
«أتغفر لي حقًا»
«ليس أنني أغفر لك، بل إن ماضيك المستقيم هو الذي شفع لك، أما الآن فقد ضاع ذاك الماضي بهذه الواقعة، فلنَبنِ من جديد من الصفر»
تأثّر جونغهوا بعمق لأنه لم يدرِ هل سأنعَم بالعفو عليه
«شكرًا، شكرًا»
لكن ما هزّه حقًا كلماتي التالية
«منذ صرتُ غكجو، صارت عائلتك كعائلتي، سأقتل كل وغدٍ يعبث بعائلتي، لِمَ، ألا تصدّق، لقد قطعتُ الحاكم الشرير نفسه، أفأخاف شيطانًا»
وشعرتُ بالعيون عليّ تزداد حرارة
«من الآن فصاعدًا لن يُسمح بأي ضغطٍ خارجي على هذا المكتب، ومن هذه اللحظة إن تلقّيتَ فلسًا واحدًا فستقع تحت جرمٍ جسيم، وعليك أن تتهيّأ لأن تُحبس في السجن نفسه مع من حبستَهم، فإن رأيتَ أنك لا تقدر على صون هذا فاخرج من هذا الجناح»
تباينت ردودهم، فرحٌ وتهلّلٌ ونفورٌ وشكٌّ يطفو على الوجوه
«وبالمقابل لن أدع أحدًا يعبث بكم هكذا، إن أُهددتَ فأعلمني وسأحمي عائلتك يقينًا، وإن كانوا قد خُطفوا بالفعل فسوف نُنقذهم حتمًا، ستقدرون أن تثقوا بي، وإن لم تثقوا بي فثقوا بالقائد، وحتى لو اضطررتُ أن أتوسّل لأبي لينقذكم فسيفعل، لذا إن جاء ضغطٌ خارجي فأبلغوني به حالًا»
كنتُ أقول الحق، فلن يعمل جناح هوانغتشون كما ينبغي إلا حين توقنون أنكم وأُسَرُكم في أمان
«أنا رجلٌ يؤمن بأن من يقترف الشر يجب أن يُعاقَب، وحتى لو أخطأتُ أنا في معركة تشونما فلن أتركها، وإن اقترف قائد الطائفة جرمًا فسوف يُقبَض عليه أيضًا»
وكتم الجميع أنفاسهم لحظة، فكلام القبض على تشونما يعني أن موتي على يده الآن ليس ببعيد
«ما أخشاه ليس القائد ولا البالمازون، ما أخشاه أن نصير حمقى، إذ لا تقدر أن توقف شريرًا أفلتَ ضاحكًا وهو مَن ينبغي حمايته ومَن ينبغي معاقبته، حين قبضتُ على ذلك الوغد البارحة صفّق كل مَن في النُّزل فرحًا، وأنا رجلٌ يعشق الأضواء، لذا سأواصل تلقّي التصفيق من الآن فصاعدًا»
ولما وصل صدقي إلى قلوبهم تبدّلت وجوه المحققين، ولا سيما جونغهوا الذي كان مهدَّدًا، فقد احمرّت عيناه وما عاد يدري ما يصنع
عندها تقدّمت محقّقة كانت تقف خلف غوك ميونغ نحوي وقالت، وكانت جو هيانغ، المقرّبة إلى سيو داي-ريونغ
«أريد أنا أيضًا أن أتلقّى التصفيق معك»
وكان هذا البداية، فتقدّم المحققون واحدًا واحدًا، منهم المخلص ومنهم مَن ساقه الجو العام، لا يهم، المهم الآن أنهم مضَوا جميعًا في اتجاهٍ واحد
وبقي أخيرًا غوك ميونغ ومن معه
«ألَا تُعجبكم المبادئ الجديدة التي قرّرتها»
«لا»
«فلِمَ أنتم واقفون هناك إذن»
«…»
«أهو لأن كبرياءكم قد جُرح»
«لا، إنما لا أدري أكان ما قلته صادقًا»
وبكل ترحاب، كان الكبرياء هو ما يَحكُم الآن، فقد جاء بنيةٍ حسنة لأجل تلميذه، لكن الذريعة والزخم اللذين حضر بهما تلاَشيا، وصار مَحرَجًا لأنه تصدّر، ولهذا غدت هذه الخطوات القليلة شاقة عليه
وجب أن أضمّد ذاك الكبرياء الجريح، فذاك عمل القائد، واللحظة لحظةُ وحدةٍ لا فرقة، وعلى أنه عنيد فليس رجلًا سيئًا، بل حين فتّشتُ عن جونغهوا كان قد فتّش هو الآخر عن كل شيء
«كل ما قلته آنفًا كان صادقًا، وأحتاج إلى خبرتك وعونك حقًا لأحوّل هذا الصدق واقعًا»
ومدَدتُ يدي إلى غوك ميونغ أولًا
«ساعدني»
«شكرًا لك، يا غكجو»
صافحني غوك ميونغ، وكانت يداه ترتجفان، ولها قيمة تتجاوز مواساته هو، لأن المحققين الذين يرون هذا يكتسبونه
ثم أصدرتُ أمرًا إلى سيو داي-ريونغ على الفور
«المحقّق سيو»
«حاضر»
«اذهب حالًا مع المنفّذين واعتقل والد يانغ هو، يانغ تاي بايكدو-غوي، والتهمة: تهديدٌ خاص»
وقال غوك ميونغ عندها بتحفّظ
«لن يرضخ للاعتقال بسهولة»
فرفعتُ صوتي ليسمع الجميع
«إن قال هذا فسأنسف وكر الشياطين برمّته»
ولعلكم تتساءلون: على ماذا أتوكّأ، لكن أمرًا واحدًا يقين، فمحقّقو جناح هوانغتشون الواقفُون أمامي لم يسمعوا قط، منذ تبوّأوا مناصبهم، كلامًا عن نسف وكرٍ كاملٍ للشياطين، وقد استثارهم ذلك، ولعل قلوبهم قد خفَقت أسرع بالفعل، وأنا أشعر بتلك الحرارة
وإني لأثق بهذه الحرارة، فهذا اليوم هو الأعلى معنويةً منذ نشأة جناح هوانغتشون