الفصل 26: كلما أخذتَ تعمّقت العلاقة
تقدّم غوم آسو في الممر السرّي تحت الأرض يقودنا
كان الطريق معقّدًا كالمتاهة، وأحسستُ بأن أفخاخًا قاتلةً وآلاتٍ خفية موزّعة في الجدران والأسقف والأرض، وكانت غوم سايون التي تتبعنا متوترة
بعد اجتياز مسالك معقّدة لا يعرفها إلا من يعرف الدرب، وصلنا إلى مخزن سرّي تُخزَّن فيه كنوز الذهب
“لقد أنقذتَ حياتنا، ولزامٌ أن نعطيك كل أموالنا، لكن ذلك غير واقعي”
“لا أريد الذهاب إلى ذلك الحد”
“سيكون جميلًا لو حدّدنا قدرًا مقابل إنقاذنا، لكن ما رأيك بهذا بدلًا منه؟ من هنا يأخذ أونغونغ ما يستطيع حمله دفعةً واحدة، ولا يجوز استعمال عربة، ولا قبول العون من غيرك”
“أتُقرّون أيضًا بما أحمله خارجًا؟”
“تمامًا”
“هل يجوز أن أستخدم طاقتي الداخلية؟”
“بالطبع”
“إذًا سأتقلّد قدرًا وافرًا، أليس كذلك؟”
“لو لا أونغونغ لكُنّا متنا جميعًا، وعلينا أن نعوّض هذا”
“شكرًا لكم”
“سأعطيك اختبارًا من الآن، أتوافق؟”
“يكفي هذا”
دخلتُ خزينةَ الكنوز ببطء
لمّا دخل غيومموغوك خزينة الكنوز، سألت غوم سايون أباها غوم آسو
“ألا ترى بأسًا في هذا؟”
“بأي معنى؟”
“إن كان رجلَ فنون قتالية فقد يحمل أكثر مما تظن، أليس ذلك مُجحفًا؟”
ابتسمت غوم سايون وقالتْها كأنها مزحة، لكنها كانت في داخلها تخشى أن يمرض والدها لاحقًا، فقد كرّس والدي عمره لتكديس الثروة، غير أن جزءًا كبيرًا من ذلك العمر قد يختفي في يد شخص آخر
لكن ردّ أبي كان غير متوقّع
“أفي الداخل شيء أثمنُ ممّا حمينا اليوم؟”
ربّت غوم آسو على كتف ابنته
“يكفيكما أنتِ ويان أن تعيشا معًا، أمّا لو فقدتُكما أيضًا…”
لم يستطع غوم آسو متابعة الكلام، فعلى مدى عمره قيل عنه إنك لو وخزته بإبرة لما خرجتْ قطرة دم، لكنه عند شأن أولاده رجلٌ يذرف الدم والدمع معًا، غير أنه لم يجد فرصة ليُظهر ذلك
بل إنّ أمرًا آخر أدركه غوم آسو بإلحاح في هذه الفرصة
ندمتُ كثيرًا لأني أهملتُ قرابتي في سبيل تكديس المال، مع أنهم ذوو قرابتي الذين كنتُ لأبذل لهم كل ثروتي
وهنالك سبب آخر لِمَ لا يستحقّ أن نشحّ بكل ما نملك
للموت وجوهٌ كثيرة، ولا بأس أن تموت وأنت تسعى لهدفٍ ما، وفي حالتنا كانت الخيانة على يد تابِعٍ موثوق، ولعلّي ما كنتُ لأغمض عيني حتى بعد الموت
“الصغير صاحب السيف ليس شخصًا عاديًا”
“نعم، ورغم صِغره فمهارته ليست عادية”
“ما رأيتُه لم يكن مهارةً فقط”
“فماذا رأيتَ أيضًا؟”
“فكّرتُ طويلًا كيف أعبّر عن ذلك فلم أجد، لدى ذلك الصغير زخمٌ لا تُعبّر عنه الكلمات”
لقد لقيَ في حياته أناسًا كثيرين، لكن لم يسبق له وهو في هذا العمر أن رأى شخصًا بهذه السكينة وذلك الجوّ الفريد
“يمكن كسب المال مرةً أخرى، أما العلاقة مع شخص كهذا فلا تأتي إلا مرة في الحياة”
وفوق ذلك فالمقابل شاب، وكان غوم آسو يأمل أن تستمر صلته بذلك الشاب في عهد الجانغ الذي ستقوده ابنته وحفيده من بعده
“لذا لا بأس لو أخذ كل شيء، فكلما أخذ ازداد عمقُ صلتِه بنا”
أستطيع الجزم
لن أتمكّن في حياتي من دخول خزينة كنوز كهذه ثانية
على جانبٍ منها تكدّست حُليّ الذهب كجبل يَخلبُ الأبصار، تماثيل مكرّمة، وتماثيل تنّين، وأوانٍ وزينة، ونمور وضفادع وسلاحف وخنازير وسائرُ حيوان، وكلها من ذهب، لعلها عُرضت أول الأمر على نظام، ثم ازداد عددها حتى بدا أنها رُصّتْ لاحقًا كالتلال
وفي الخزانة الملاصقة، عُرضت جواهر نادرة، من خواتم وقلائد وأساور إلى لعبٍ نسائية من اليشم
وعلى الجانب المقابل عُرضت الخزفيات، وخلفها لوحاتٌ لرسماء مشاهير، لقد غصّ المكان فعلًا بشتى النوادر
وبالقرب منها عُرضت أشياء أهاجتني
نبيذُ ليلٍ يضيء الأماكن المظلمة، ونبيذُ سمٍّ يمنع التسمّم إذا احتُفظ به في الفم، ولا سيما بيدوك جو فهو أجودُها وأصغرُها حجمًا
من كلٍّ خمسة، وهذه أشياء لا تُنال بسهولة ولو كان لديك مال، فهي أثمن من كثير من الجواهر هنا
بقلبٍ مسرور تناولتُ أولًا ياميونغ جو وبيدوك جو، أخذتُها جميعًا ووضعتُها في صدري
لقد ضممتُ إلى صدري مقدارًا هائلًا من القيمة، لكنه كان مجرد البداية
ثم أخذتُ خواتمَ ثمينة ألبستُها أصابعي، وطبّقتُ فوقها أساورَ وقلائد، حتى امتلأتْ وثقلتْ
بحثتُ عن شيء أحمل فيه القطع الذهبية، كان كيسُ جلدٍ كبير سيكون رائعًا، لكن للأسف لم يكن هناك ما أضعه فيه
هل أخلع ثيابي وأحشوها؟
وبينما أفكر لاحظتُ قطعة قماش منصوبة في ركن، فلمّا فحصتُها وجدتها قماش تشونجامسا جاء من ساي-أُوي
شققتُها قدر المستطاع بالسيف، وصنعتُ منها لفافةً كبيرة، ثم جرفتُ القطع الذهبية إليها
وبما أنني أستطيع نقلها بطاقةٍ داخلية حاولتُ أن أبدّل ترتيبها لأحشرَ أكبر قدر ممكن، وتركتُ اللوحات والخزف، ففيها خطر الانثناء أو الكسر، كما أنني لا أعرف قيمتها الدقيقة
لم أفكّر في ظروف بيت الذهب، فأنا على الأقل لستُ ممّن ينبغي أن تقلق عليهم في أمر المال
وبالطريقة نفسها ملأتُ اللفافة وعبّأتُها بالكنوز
انفتح فمَا غوم آسو وغوم سايون وهما يرَياني أخرج من الخزنة السرّية
كنتُ أحمل حِزمةً أكبر من جسدي بكثير، حتى يصعب أن تتصوّر كم تحوي
وكان باب المخزن واسعًا فأمكنني أن أخرج، وإلا لاضطررتُ إلى هدم الجدار للخروج
“سآخذ هذا القدر الصغير فحسب”
دمدم
حين وضعتُ الحِزمة ارتجّت الأرض دمدمةً
قهقه غوم آسو وهو يرى الخواتم في كل أصبع من أصابعي، والقلائد والأساور حول عنقي وذراعيّ
“هاهاهاها”
“ألا ينبغي أن تبكي؟”
“صحيح أنّ حزني قائم لتبدّد ثروتي، لكن يسرّني أن الأمير أون ليس مرائيًا، فالمراؤون الذين أعرفهم كانوا سيُخرجون أشياء قليلة بلا قيمة ليحفظوا ماء وجوههم، لكن كم سيغلي في صدورهم إذ ذاك؟ إنني أكره المرائين، أمّا الجشع فهو أسمى وأهمّ انفعال يهيمن على البشر”
لقد كان من عشاق الجشع، وربما بفضله ارتقى إلى منصب الوزير الأول في فوجيان
“لقد كان قرارًا حكيمًا حقًا أن تمزّق تشونجامسا لتجعل منه لفافةً”
“شكرًا لك”
“يؤسفني أن نفترق، تفضّل واشرب كأسًا”
“لستُ ممّن يشرب والكَنز إلى جانبه، نلتقي في المرّة القادمة”
“إن احتجتَ عونًا فهل أستطيع الرجوع إلى أونغونغ؟”
“بالطبع، وادّخر كثيرًا إلى ذلك الحين”
قهقه غوم آسو عند هذه الكلمات، وشعرتُ مرة أخرى بأن صدقه في أمر المال يزيد مَودّته في القلب
“أين ينبغي أن أذهب لألتقي أونغونغ؟”
“إن تركتَ رسالةً باسم جانغجو في دار ضيافة بحيرة الغرب في شتى مدن السهل الأوسط جئتُك بنفسي”
وكانت دار ضيافة بحيرة الغرب مركز اتصال سرّيًا تديره المدرسة، وبهذه الطريقة كنّا نتلقى الاتصالات اللازمة ونؤدّي دور إيصال الرسائل إلى ذوي الشأن في مدرستنا
“كما توقعتُ، أونغونغ شخص غير عادي”
سيعلم غوم آسو أن من يدير مكاتب اتصال كهذه لا يكون إلا استثنائيًا
“حافظوا على سلامتكم إلى أن نلتقي مجددًا”
“أتمنى لكم الحظ الطيب”
بعد أن عقدتُ صلةً عميقة مع جانغجو الذهبي غادرتُ هناك، ولم تكن صلتي ببيت الذهب خسارةً لي قط، لذا استطعتُ أن أغادر مسرور النفس
عثرتُ على عربة في القرية، حملتُها بالكنوز وتوجّهتُ إلى الجسر
وفي الطريق إلى العودة تقاسَمنا الذهب والكنوز وبعناها، إذ كانت كميةً لا تُهضم في مكان واحد، فكنتُ كلما مررتُ بمدينة أتوقف في مواضع عديدة لأبيع الجواهر
تأكد أنك تتابع هذه الرواية عبر موقع مركز الروايات، المكتبة العربية الأكبر والأفضل بلا إعلانات، وبوجودك معنا تدعم المترجمين لتقديم المزيد.
ولأني قضيتُ حياتي أطوف السهل الأوسط، كنتُ أعرف جيدًا ما يوجد وأين يُباع، وباستثناء ياميونغ جو وبيدوك جو بعتُ كل القطع الذهبية والجواهر
وهكذا أودعتُ المال الذي قبضتُه لدى أكثر الشركات ثقة: جونغوون باتلفيلد ودايريونجانغ بونغوونجانغ، وقد بلغ المال الذي أخذته ما يساوي 3,800,000 نيانغ، وكان أكثر بكثير مما توقّعت
شكرًا لك يا بيت الذهب، قد لا تدري، لكن هذا المال سيصير حجر الأساس لتنظيم سيغدو أسطورة في المستقبل
ترك 3,500,000 نيانغ في ساحة المعركة، وعدتُ بسندات قيمتها 300,000 نيانغ فقط
وما إن عدتُ إلى المدرسة حتى قصدتُ تشونماجون والتقيتُ أبي، وكالعادة كان أبي يحرس تشونماجون كالجبال
وفيما أنا أمشي على السجادة الحمراء لطريق الدم خطر لي هذا السؤال فجأة
سيكون أبي هنا مراتٍ عدة كل يوم، يصغي لتقارير سيما مينغ ويتّخذ قرارات مهمة، وبفعل ذلك القرار يحيا قوم ويموت آخرون
أترى أبي راضيًا عن هذه الحياة؟
أيمكن أن يكون أبي مثلي ومثل يان قد دُفع إلى موقع الشيطان السماوي؟ إن ما تريده نفسك حقًا يختبئ عميقًا في القلب
“سمعتُ أنك خرجتَ من المدرسة”
“ذهبتُ لأكسب مالًا”
“ولِم المال؟”
“لا أستطيع أن أحيا على مال أبي إلى الأبد، أليس كذلك؟ أظن أننا سنحتاجه كثيرًا في المستقبل”
“فيمَ ستنفقه؟”
“أريد أن أمتلك تنظيمًا خاصًا”
“تنظيمًا خاصًا؟”
اشتدّ وجه أبي قليلًا
“أما للمازون خِصيانٌ وأتباع؟ لمواجهتهم أحتاج أنا أيضًا إلى تنظيم”
“هذا لا يجوز، إن امتلكتَه أردته أخوك أيضًا، وسيسعى ذوو قرابة المازون وتلاميذهم إلى نيله، غير ممكن”
لم أتوقع أن أحصل على الإذن دفعةً واحدة، ولم يكن الأمر مُلحًّا الآن
فإذا اجتمع واحد أو اثنان من الأعوان الجيّدين وفاض الماء، فلن يستطيعوا منع السدّ من الانهيار
لم أُلحّ، ولم يَعُد أبي يذكره
“أكسبتَ مالًا كثيرًا؟”
“نعم، كسبتُ كثيرًا”
أخرجتُ مغلّفًا سميكًا من جيبي وقدّمته أمامي
“هذا لأبي”
ولمّا مدّ أبي يده، طار المغلف من يدي في الهواء وذهب إلى أبي، وكانت تلك لمسةَ فراغٍ تضمّ أسرار الارتفاع الرقيق السريع
تفحّص أبي ما بداخل المغلف، فإذا هو سندٌ بقيمة 100,000 نيانغ
“ما هذا المال؟”
“هذا مصروف أبي”
“ماذا؟”
دهش أبي، ولم يكن سبب الدهشة أنّ المبلغ كبير على مصروف، بل لفظةُ المصروف نفسها
“لديّ مال كثير”
“أعلم، إنه أغنى رجل في العالم، أما المال الذي دفعتُه لك الآن فهو أول مصروفٍ مني شكرًا لأنك أنجبتني وربّيتني”
نظر أبي إلى السند لحظةً ثم سأل فجأة
“أتتملّقني؟”
“من الآن سأُطرّيك حتى يبلغ الأمر حدّ الخجل، لكن ليس بمثل هذا المصروف، أردتُ أن أهديه لك مرةً واحدة على الأقل، إذًا استرح، يا أبي”
انحنيتُ بأدب وسرتُ في طريق الدم
وظلّ بصرُ أبي يحرق مؤخرة رأسي حتى غادرتُ هناك، فلا بدّ أنه في حيرة عظيمة الآن
وربما كان أول شيطان سماوي في التاريخ يتلقى مصروفًا من ابنه