الفصل 246: لا مزيد في ذلك المكان الضيق الخانق
أريد أن ألهو أكثر
هزّ مابول رأسه لكلام غوم موغيك
حاضر
علّق مابول كل آماله على تغيير رأي غوم موغيك
لكن لنخرج من هنا بدلًا من ذلك، فلا أحب التجوال في مكان يعجّ بالحشرات السامة من دون ملك السموم
بالطبع
عاد غوم موغيك ومابول من الطريق الذي قدِما منه
بعد رحيل ملك السموم بدا مابول أكثر ارتياحًا بكثير، ويبدو أنه هو أيضًا كان ينزعج من وجود ملك السموم
شكرًا لك
على ماذا
لقد قطعت هذا الطريق كلّه لتبحث عني، أليس كذلك
ظننت أنك تمرّ بأيام صعبة هذه الفترة
مرّ وقت طويل منذ أن سبحـت ومشيت، أشعر بتحسّن كبير، وماذا عنك أنت يا مابول
أعجبني أيضًا
لكن مزاج مابول لم يكن على ما يرام، وحين أعلن حتى ملك الكلاب أنه يؤيد غوم موغيك ازدادت عجلة مشاعره، ولم يبقَ أمامه سوى طريق واحد، وهو تغيير رأي صاحب الشأن نفسه، غوم موغيك
أردت أن ألهو مع مابول اليوم بما أنه قال إنه سيلهو، لكن هذا لم يكن سهلًا أيضًا
أجاب مابول عن صراحة غوم موغيك
تعرف، حين نكون صغارًا نحتاج أن نفعل أشياء كي نشعر بالمرح، وحين نكبر يصير الاسترخاء هو المرح
توقف مابول لحظة وحدّق في السماء
لقد مضى زمن طويل منذ أن استرحت هكذا
من هذه النظرة الخاطفة إلى السماء أمكن معرفة أن مابول رجل يعيش دائمًا على توتّر، كأنه خرج لتوّه من بحرٍ عميق يتنفّس قليلًا، وحين كان ينفث كلامًا قاسيًا قرب شقيقه كان يبدو كأنه مازون شرس لا أكثر
توماس يقول لي دائمًا: إن تعبتَ فاسترح
وسأل مابول غوم موغيك وهو ينظر إليه
أأبدو متعبًا
جاءه جواب غير متوقّع
كلما رأيتُ مابول خطر لي أنه عمل أكثر من أي شخص آخر
لم يكن تملّقًا، بل صدقًا
شكرًا لك على جهدك طوال هذا الوقت
قد يراه مابول تملّقًا
وهذا ما يحاول غوم موغيك الحفاظ عليه هذه الأيام
إن كان لديك ما تقوله لأحد فقله بلا إبطاء
ومابول أيضًا يريد من يفهم مشقّته على الحقيقة، لذا عبّر غوم موغيك بهذه الطريقة
يا مابول، إنك تتعب كثيرًا
شعر مابول بذلك، فصدقُ النظرة في عيني غوم موغيك كان حقيقيًا
حاول مابول ألّا يُظهر مشاعره، لكن بريقًا حارًّا لمع في عينيه
اللعنة
كيف لإنسان بهذا العمر أن ينظر إلى الناس بعينٍ بهذه العمق
خطا مابول الخطوة الأولى، وسار غوم موغيك بهدوء وراءه
ومشى الاثنان صامتين وقتًا، ثم توقّفا في موضع ذي إطلالة جميلة
لنسترح هنا قليلًا
صحيح
غطس غوم موغيك قدميه في الجدول الصافي
إنه عليل لطيف، يا مابول جرّب أنت أيضًا
ألست خائفًا
ممّ
أليست تشوندوقريم مليئة بكل صنوف السموم، ماذا لو وُجد سمّ في هذا الجدول
سمعت ذلك من ملك السموم من قبل، قال إن الماء الجاري لا يكون فيه سمّ، تفضّل
لا حاجة بي
متى كانت آخر مرة غمستَ فيها أصابع قدميك في جدول ماء
لم يستطع مابول التذكّر، متى غير صغره الشديد بلّل قدميه، لعل ذلك لم يحدث قط
إنها أمنيتي، لنغمس أقدامنا معًا مرة واحدة
ألا أمنية لك غير هذه حقًا
أفعل هذا لأتفاخر لاحقًا، حين أكبر سأقول إنني غمست قدميّ مع مابول في الجدول، وتمشّينا وتراهنّا على العثور على نباتات سامة، انتهى
ضحك مابول في حيرة
هو مكان تفيض فيه الدماء أو تتطاير فيه قطرات الماء من القدمين، لكن أحيانًا ينبغي فعل أشياء كهذه
ولما جذبه غوم موغيك بقوة تصنّع مابول العجز عن المقاومة، وخلع حذاءه وغمّس قدميه، كانت قدمًا صغيرة لامعة
لقد فعلتَ شتى الأمور في حياتك
وكذلك ملك السموم، فقد قال إن هذا حدثٌ خاص بين الأحداث الخاصة
أليس عليلًا لطيفًا
حدّق مابول في غوم موغيك
لماذا تنظر إليّ هكذا
في لحظات كهذه لا أشعر بأنك صغير السن
لأني نشأت مذ كنت صغيرًا وأنا أراقب آراء أبي فحسب، أنت تعرف، أليس كذلك، كيف هو أبي
ليس سهلًا
الأب ترياق لكل شيء، إن صَعُب الشرح يمكن الاحتماء بعذر الأب، وسيَفهَم إلى حدّ ما
متى استمتعتَ أكثر شيء في حياتك يا مابول
سرح مابول لحظة مع سؤال غوم موغيك
متى كان ذلك
جرت السنوات الماضية في ذهن مابول كالجداول التي غمس فيها قدميه، لكنه لم يتذكّر ذكرى سعيدة، لا بد أنها وُجدت
وبدل أن يجيب سأل مابول غوم موغيك
وأنت
مرّات كثيرة في الآونة الأخيرة، كما تعلم لقد مررتُ بمِحن كثيرة، ولو اخترت واحدة فقط فهي حين خرجت أصطاد مع أبي
أذلك وحده كان مرحك، ومع ذلك لم يحدّث مابول عمّا جرى مع المازونز
ماذا قال الزعيم حين خرجتما للصيد
كلما تحدّثتُ قال لي ضاحكًا، أنت تعرف ذلك
قلّد غوم موغيك ضحكة أبيه، فهزّ مابول رأسه
مشابهة
لقد تعرّضتُ للمشاكسة مرارًا حتى صرت بارعًا في التقليد الآن
ولما تعذّر على مابول استحضار لحظاته السعيدة، طرح غوم موغيك أفراحًا أخرى
كان ممتعًا حين غادرتُ الطائفة وأظهرتُ شخصًا آخر، آه، يدي اليمنى هو المفتش سيو، ومن الممتع أيضًا أن أمازح ذلك الرجل، لماذا يوجد أناس هكذا، يقبلون كل مزاحك، ليس لأنهم حمقى، بل لأن قلوبهم كبيرة، آه، ثمة واحدة أخرى، عندي تلميذة في جونغوون اسمها إيان هي الأجمل، ليست جميلة الوجه فحسب، بل ذكية طيبة القلب، يكفيني أن أفكّر في تلك الصديقة لأفرح، وأيضًا… أستمتع حين أكون وحدي في هدوء
وفي الأثناء لم يخطر شيء ببال مابول
وماذا عنك يا مابول
انتهى
مهما كانت فرحتك، إن لم تتذكّرها مرّت وانقضت، أليس هذا خسارة، فلنفكّر إذًا في شيء صغير واحد فقط
كان غوم موغيك مُلحًّا
لو كنتُ مكانك لأجبتُ أي شيء ولو كان مزعجًا
في تلك اللحظة تفوّه مابول بكلمة
الكهف
استعاد مابول طفولته البعيدة
كان خلف بيتنا جبل كنتُ أصعده كثيرًا وأنا صغير، وكان فيه كهف صغير، أشعر بشعور طيب حين أكون في ذلك الكهف
تعمّقت نظرة مابول
كان ضئيل الجسم منذ صغره، مختلفًا عن سائر الأطفال، استطاع أن يتحمّل سخرية الأقران وتنمّرهم، لكن أن يعامله حتى أبواه وإخوته كما يعامل الآخرون ترك جرحًا غائرًا في قلبه
يوم رأى الكهف أول مرة كان أول مرة يضربه فيها أخوه الأصغر، فصِغره الشديد جعل قوّته لا تقارن بقوة أخٍ أصغر منه بأعوام، وكان أشدّ من الضرب غضبًا وظلمًا أن الإخوة الكبار الذين شهدوا لم يردعوه
تهت في الجبل أبكي وحدي
ثم وجدت ذلك الكهف، وكان مناسبًا لجسدي الصغير، ومدخله ضيقًا إلى حد أن الأطفال يجدون صعوبة في الدخول، لكنني تمكنت من الولوج، وبعد اجتياز المدخل الضيق كانت هناك فسحة صغيرة يسعني وأنا صغير الجلوس فيها، وكان فيها شقٌّ أرى منه الخارج
هناك كنت أشعر بالطمأنينة والراحة
ومنذ ذلك اليوم صار ذلك الموضع مخبأ مابول
أتذكّر أني كنت أشعر بشعور طيب وأنا في ذلك الكهف
شعر غوم موغيك بالأسى، حين سأل عن اللحظات السعيدة هل اضطرّ إلى الرجوع حتى الطفولة
أتستطيع أن تصف الكهف وما حوله بتفصيل
لماذا ذلك
هكذا فقط
بعد أن قدّم مابول وصفًا إجماليًا راح غوم موغيك يسأل ويستفسر ليحصل على مزيد من التفاصيل، ولم يتوقف عن الأسئلة إلا بعدما استمع بما يكفي ليرسم صورة
لماذا سألت كل هذا
لا تندهش
طَقّ
في اللحظة التي صَفّق فيها غوم موغيك بأصابعه كان الاثنان واقفين أمام الكهف
دهش مابول، إنه الكهف من طفولتي، الملاذ الذي أندسّ فيه بعيدًا عن العالم
أهو وَهم
ارتجف صوت مابول، كان يعرف أن مهارة غوم موغيك قتالية رفيعة، لكن لم يدرِ أنه قادر حتى على استخدام الأوهام
إنها فنون قتالية اسمها شذوذ الزمكان
وحين أجاب غوم موغيك بصدق، سأله مابول بصوتٍ مرتجف
أهي من فنون طائفة بونغتشون صدفةً
نعم
آه
ولأنه كان في يوم ما الأقرب إلى زعيم طائفة بونغتشون كان يعرف فنونها أيضًا
أوهبكَ هذا الفن
نعم، ما من مازون آخر غير زعيم طائفة بونغتشون يعرف أنني تعلمت فنون الوهم، إنه سرّ لا يعرفه حتى أبي
اندهش مابول
لماذا تُخبرني بهذا السر
إن أردتُ أن آخذ مابول إلى هذا الكهف فلا بد أن أخبره
عندها هبّ مابول واقفًا وانتزع قدميه من الجدول
يا سيد لي
كان غاضبًا حقًا
هذا ما يقلقني، كم أنت عاطفي، هذا الاندفاع العاطفي الذي يجعلك تفشي هذا السر لي، وأنا عدوّك
قال غوم موغيك وهو لا يزال يحدّق بالجدول
لماذا يكون مابول عدوّك
صُعق مابول
سيكون مابول مازوني أنا، مثل سائر المازون
التفتت نظرة غوم موغيك ببطء إلى مابول
وتشابكت نظرات الاثنين في الهواء، كان مستوى العينين متقاربًا، هذا جالس وذاك واقف
لذا رأى مابول بوضوح أن عيني غوم موغيك أكثر حزمًا ووهجًا من أي وقت مضى، لقد غاب غوم موغيك المازح، وحلّ غوم موغيك الذي يسعى إلى أن يكون السماوي المقاتل التالي
رجاءً كن مازوني
في اللحظة التي سمع مابول تلك الكلمات انتفخ قلبه، امتزجت مشاعر جياشة بمشاعر تنكر تلك الكلمات
واصل غوم موغيك كلامه بهدوء
معك حق، ثمة مازون أحبّهم أكثر، أناس أتبعهم كآباء أو معلّمين وأعدّهم كإخوة أو أصدقاء، مثل ملك السموم قبل قليل، رجل وددت لو أحوّله كلبًا لأَنبح معه معًا
نعم، ولكن لماذا، حتى لو لم أكن عدوًا كما قلت فإني سأكون الأخير في الصف بين المازون الذين تهتم بهم، لماذا أخبرتني السر
عادت عينا غوم موغيك إلى القدمين المغمورتين في الجدول
تشامبانغ تشامبانغ
ولاعب غوم موغيك الماء بقدميه كأنه يرشّه، ثم قال بهدوء
بصراحة، لا أعرف، هل عليّ أن أقول لمابول بلطف: هذه خطتي الرابحة، أم هو الاندفاع العاطفي كما قال مابول، أم احترامٌ لإخلاص مابول لأخي
وتوقّف غوم موغيك عن اللعب بالماء
أو لعلها العاطفية الرخيصة كما قال أبي، لا أدري أنا أيضًا
قال مابول بخفوت
يومًا ما ستجعلني هذه العواطف أقع في خطأ جسيم
إذًا يا مابول، أوقفني حينها
اندهش مابول
وأنا أيضًا أبذل جهدًا لأصنع مع مابول هذه العلاقة، قلت لك إنني نظّفتُ مسكن ملك السموم، هل قال لي أن أفعل ذلك صراحة، لا، وحتى لو صرتُ السماوي المقاتل فسأنظف غرف المازون إن احتاج الأمر، سأكون سماويًا مقاتلًا من هذا النوع، رجاءً قف بجوار هذا السماوي المقاتل العاطفي وامنعه، قُل لي: لا تفعل، أيها السماوي العاطفي
وبعد برهة رفض مابول
لا أحب ذلك
كان لا يزال وفيًّا للدوق الأكبر دون تردّد
وسكت الاثنان لحظة
عندها قال مابول فجأة
اجعل مدخل الكهف أوسع، لندخل، آه، وكان أمام الكهف شقّ صغير أرى منه القرية في الأسفل
فبدّل غوم موغيك الكهف كما قال مابول
وزحف مابول إلى الداخل
أأعجبك
لا يعجبني، إنه ضيق خانق لا أستطيع التنفّس
ما الذي كان يعجبني في هذا الكهف الخانق فأجيئه كل يوم
وقف لحظةً يطالع القرية، وكان غوم موغيك قد صاغ الوهم بإتقان حتى إن دخان طهي الأرز كان يتصاعد في البعيد
وبعدها خرج من الكهف ونظر من الموضع الذي يجلس فيه غوم موغيك الآن إلى الطريق الصاعد إلى هنا، كان عنده رجاءٌ خفيٌّ أن تأتي أمّه أو أحد إخوته بطعام، وبالطبع لم يتحقق ذلك الرجاء قط
ثم يومًا ما بدل أن ينزل الجبل نزل في الاتجاه الآخر وترك بلدته، ولم يعُد إلى موطنه منذئذٍ
نظر مابول إلى غوم موغيك عبر شقٍّ ضيّق، وكان غوم موغيك جالسًا يدير ظهره وينظر إلى القرية
لو فكّرتَ لوجدت أيامًا كثيرة سعيدة، أليست هذه الذكريات القديمة أجمل ما يكون، مثل يوم تعلمتَ فيه فنون القتال أول مرة أو يوم صرتَ مازون، لا بد أن هناك يومًا اعترف فيه شخص ما حقًا بمابول، لا بد أن أيامًا كثيرة أسعد من هذه مرّت ولا أتذكّرها الآن، كيف كان يومك، ألم تستمتع
انبثقت من الشق الضيق في الكهف أنوار ذهبية
من هناك
قال غوم موغيك وهو ما يزال يدير ظهره
إنه الشخص الذي سيغدو سماويك المقاتل، فهيا الآن، اخرج من ذلك المكان الضيق الخانق
كان مرجّحًا أن يخرج شيء يبدأ بـ إكّي، لكن مابول خرج من هناك من غير أن ينبس بكلمة، ثم جلسا جنبًا إلى جنب إلى جوار غوم موغيك
وملأ الاثنان عيونهما لحظةً بالقرية في البعيد، ثم رفعا نظرهما إلى السماء فإذا بطائر يطير
ذلك هو الطائر نفسه في الماضي، أيها اللعين، لم أعد أغار منك أبدًا
وخطر لمابول وهو يسمع صيحة غوم موغيك هذا الخاطر، لعلّه حقًا يحتاج إلى طريقة أخرى للتعبير غير التظاهر بالجنون
تمدد غوم موغيك على ظهره
سأستلقي قليلًا
كانت سحابة كبيرة تمرّ في السماء الزرقاء
انظر إلى تلك السحب، أنا صنعتُ هذا، أليس مذهلًا حقًا، آه، هذا جميل
لقد حدّق في السماء مرّات مع مابول مؤخرًا، وهذه اللحظة هي الأكثر استرخاءً، وشعر أن توتّر مابول الذي كان دائمًا مشدودًا بدأ يلين
حسنًا، يكفي هذا، فذلك التراخي هو كل ما يلزم
لم يفعل غوم موغيك هذا ليصير الخليفة، ومابول أيضًا عزيز على من سيصبح مازونه
كل ما يرجوه أن تصل مشاعره هذه إليه
في تلك اللحظة أيضًا
تمدّد مابول ببطء بدوره
واتكأ على ذراعيه خلف رأسه ونظر إلى السماء
ثم أغمض عينيه
تذكّر لحظة صباه وهو ممدّد هنا يحدّق في السماء، وإحساس العشب يدغدغ ظهره، وصوت الطيور وحفيف الجدول يومئذٍ، والنمل يدغدغ قدميه، عادت تلك الذكريات حيّة إذ امتزجت بإحساسه الآن
ولمّا رأى غوم موغيك ابتسامةً خفيفة تتشكّل على شفتي مابول أغمض عينيه مطمئنًا
هبت نَسمة عليلة وراح في نومٍ هادئ