الفصل 243: بقدر ما هو صعب عليّ، فهو صعب على مابول
المكان الذي كان يعيش فيه مابول معبد ضخم يُدعى معبد بوذا الذهبي
كان هذا المكان يتكوّن من عشرات المباني الكبيرة والصغيرة، ومعظمها مطليّ بالذهب، كما أن الأبراج القائمة هنا وهناك كانت تُطلق ضوءًا ذهبيًا
كانت تماثيل الكائنات المجنحة الأربع المنصوبة عند المدخل لصدّ الأرواح الشريرة مختلفة عن تلك الموجودة في المعابد المعتادة، فالشيء الذي بدا مخيفًا إلى ذلك الحد كان الشيطان نفسه
كان يقف تمثال بوذا ذهبي في وسط المعبد، وهو تمثال ضخم بقدر التماثيل الحجرية العملاقة المنصوبة في أرجاء طائفة الشيطان السماوي، وكان معروفًا أنّه حين تبلغ «كرة اللاما الكبرى الذهبية» التي أتقنها مابول ذروتها، يُرى «البوذا العظيم الذهبي» يظهر ويختفي عند أداء الفن القتالي
أصلًا كان الرهبان المنتمون إلى الطائفة الشيطانية يُدعون «الرهبان الشياطين»، غير أنّ رهبان معبد ذوي العمر الطويل الذهبي كانوا يُدعون «غوانغسُنغ» باستعمال دلالة «الهوس»
ولمّا أعلنتُ قدومي خرج وحشٌ جسيم لاستقبالي
سأرشدك
أعرف من يكون هذا الغوانغسُنغ، إنّه «دايغوانغ»، يدُ مابول اليمنى، أي الكبير المهووس
ليس عجيبًا أن يهجم عليّ فجأة ويخنقني بمسبحته تلك
حين يقف هذا الضخم إلى جانب مابول يبدو مابول أصغر أكثر، ومع ذلك اتخذ مابول هذا الرجل الكبير يده اليمنى
خمنتُ أنّه ربما اختار دايغوانغ ليُظهر أنّه لا عقدة لديه من قِصَر قامته
كان الرهبان المارّون يحيّونني بجمع الكفّين، وقد سمعتُ أنّ شعبيتي ازدادت كثيرًا في هذا المكان المفعم بالمهووسين بعد نباحي الأخير في ساحة التدريب، وبالطبع ما دام مابول يؤيد أخاه بحرارة فقد أعلنوا تأييدهم رسميًا أيضًا
كان مابول يرتل في القاعة الكبرى
لطالما رأيته يتنقّل مع أخيه، لكن رؤيته بثوب الراهب وردائه وهو يقرأ النصوص البوذية بدت لي مألوفة على نحوٍ غريب
والسبب الوحيد الذي جعلني أظنّ أنّ ذاك الشخص هو مابول الشيطاني أنّ تمثال البوذا الذهبي بدا أكثر رعبًا من تماثيل البوذا المعتادة
بعد أن أدّيتُ التحية لتمثال البوذا جلستُ بهدوء خلف مابول
ولأنني لم أنوِ إنهاء الترتيل أغمضتُ عيني بهدوء وتمرّنتُ على تقنية دفاع الشيطان السماوي، فالتدريب هذه الأيام يركّز على شيئين: إن احتيج إلى وعيٍ بالمحيط فالدفاع الشيطاني السماوي، وإن لم يكن حولي أحد فالفن السري لسيتشيون
كل الفنون القتالية التي تعلّمتها مهمة، لكن هذين الفنّين أيضًا شديدا الأهمية
كان دفاع الشيطان السماوي فنًّا آخر مصيريًا للحياة، وكان الفنّ السري لسيتشيون ربما أهمّ فن بعد فنّ النار التساعي الشيطاني من أجل بلوغ نجاحه العظيم في الوقت المناسب
لكن لسوء الحظ ما يزال الفن السري لسيتشيون قيد البحث، ولصعوبته البالغة لم يكن يسير الأداء
كم مضى من الوقت
بدأ صوت الترتيل الذي كان يردده مابول يعلو، وبدأت الهالة الشيطانية تُحيطني، فانطلقت تلقائيًا تقنية دفاع الشيطان السماوي لتحمي جسدي
ظننتُ أن الترتيل يدوّي في رأسي، ثم بدأت أرى رؤيا
في ظلامٍ دامس
انبثق وهجٌ ذهبي من بعيد، وأخذ يقترب نحوي ماشيًا
كان مابول، غير أنّ مابول الذي رأيته في هذه الرؤيا كان طويل القامة
اقترب ووقف أمامي، ورأيتُ على وجهه مسحةَ ارتباك
مدّ مابول يده، غير أنّها كانت ترتدّ ولا تستطيع العبور، إذ كان بيني وبينه حاجز شفاف لا يُرى ولا يمكن تجاوزه، ويبدو أنّ مابول لا يراني من وراء الستار
فهمتُ، لقد حاول مابول الاقتحام ليقرأ باطني بـ«كرة اللاما الكبرى الذهبية»، غير أنّه مُنع، إذ انطلقت تقنية دفاع الشيطان السماوي وأفشلت الغزو، فإلى جانب فنّ النار التساعي الشيطاني الذي يهجم، كان الدفاع الشيطاني السماوي الذي تعلّمته فنًّا مطلقًا يتقدّم على أي فن آخر
بدت الحيرة على مابول، ثم ما لبث أن عاد يمشي إلى الظلام، واختفى الوهج الذهبي في العتمة
لِمَ بدا طويلًا أمامي
في هذه اللحظة الوجيزة خطَر لي أنني ربما أنا من نظر في داخلي
راح صوت الترتيل المدوّي في رأسي يخفت شيئًا فشيئًا حتى تلاشى
وحين فتحتُ عيني كان مابول جالسًا يواجهني
بدا عليه الارتباك لأن هجومه بالفن لم يعمل
ثم جمع مابول كفّيه وتكلّم كأن شيئًا لم يكن
يا كونفشيوس لي، سرّني أنك عدت سالمًا هذه المرة
شكرًا لاهتمامك
ووضعتُ كفّيّ أيضًا وأظهرتُ الاحترام
لكن أليس من حسن الحظ أنني لم أعُد سالمًا
دحرج مابول المسبحة ببطء وقال
قال البوذا إن كل الأرواح ثمينة
وها أنا أسمع بالثمن من فم رجلٍ يُقلقني أنه قد يقذف مسبحته كأنها أداة رمي
وانساقت عيناي تلقائيًا إلى تمثال البوذا الذهبي من خلفه، ثم قلت وأنا أنظر إلى اللوحة خلف التمثال
أترى هناك، رهبانًا شياطين يمزّقون الناس بلا رحمة
ارتفع طرف فم مابول قليلًا لكلامي المفاجئ، وكتم ضحكةً نافرة بصعوبة
لِمَ جئتَ إليّ إذًا، إن أردتَ اللجوء إلى البوذا فسأحلق رأسك بنفسي، سيكون ذلك حسنًا، فلن يكون سفك دمٍ بين الأخوين كما تريد
أنا أحب اللهو، فسأُطرَد سريعًا جدًا، أمّا أخي فهو طيب وهادئ فيلائمه الأمر أكثر، كما أنّ رأسه أجمل أيضًا
كانت مزحة، لكننا كنّا في نزالٍ مشدود
والسبب الذي جئتُ لزيارتك من أجله اليوم هو
قلتُ له بعد حين
إنه بسبب «العملية الذهبية»
بدأتُ هذه العملية بأن ذكرتُ له اسمها
سأل مابول بعينين تشوبهما الريبة
العملية الذهبية، ما تلك
هي عمليةٌ أجعل بها مابول من رجالي، واليوم يوم الانطلاق
ولم يتمالك مابول ضحكته في النهاية
لا بدّ أن أعترف أنّك شخص غير عادي، أعترف، أعترف
في الماضي كان الناس يقولون إنني مجنون، أما الآن فقد تحسّنتُ أيضًا
وتوقّف مابول بغتةً عن الضحك وقال
لا تُهِن الأخ الأكبر، فالوارث سيكون الأخ الأكبر
حين زرتَ المازونز، كان ينبغي أن تزور الشيوخ أولًا، ثم الآن سيقول المازون لأحدهم في مكان ما: لا تُهِن كونفشيوس لي، الوارث سيكون كونفشيوس لي، لعلك قلتَ شيئًا كهذا
شمخ مابول بأنفه
أتظنني سأقع لك لمجرد هذا
ما شعورك تظن
هذا كلام سخيف
وعند رؤية هذا الإخلاص الثابت لأخيه، تغدو الانطباعات الأولى بأنّه راهب سياسي جشع يطلب السلطة مؤسفة إلى حدٍّ يُشعر بالغبن
لماذا تُحب أخاك إلى هذا الحد
أخوك
ظننتُ أنّ هناك سببًا، لكنه لم يبح به، واعتقدت أنني لن أسمع ذاك السبب إلا إذا صار مابول من رجالي
أرى أنّ الأخ الأكبر أنسبُ لأن يكون الشيطان السماوي
أومأتُ صامتًا
أتعني أنّك ترى الشيء نفسه
أعترف أنّ هناك وجوهًا يتفوق فيها أخي بدقته الزائدة
فتنازل إذًا
وبدلًا من أن أجيب سألته
أليس التعامل مع أخيك صعبًا
أتريد أن تدقّ إسفينًا بيني وبين الأخ الأكبر، لن يفلح
كما قلتُ آنفًا: مابول عملاق صغير، ونيلُ مابول أعظمُ حظٍّ ناله أخي، شكرًا لك
ولِمَ تشكر
نظر مابول بريبة، وإذ علمتُ أنّه لن يفتح قلبه بسهولة أبديتُ شعوري بهدوء
قلتُ لك من قبل إنني أنوي إيقاف القتل المتبادل في صراعات الخلافة في جيلنا هذا، وأخي اعتزازه قوي وصعبٌ أن يضبطه، فأتوسّل إلى الشيخ أن يعينني، أتذكر شيئًا من هذا
أتذكّر
وأرى أنّه بفضل مابول لم ينفلت أخي حتى الآن
قلتُ إنني إن جنّ الأخ الأكبر سأسكب عليه الزيت، سأشجّعه أن يحرق كل شيء، فَلِمَ ترى أنّي أوقف الأخ الأكبر
حدّقتُ فيه وقلتُ بهدوء
لأنك تعرف أخي أكثر من أي أحد، ولولا وجودك إلى جانبه لما استطاع أن يصمد على هذا النحو
كانت هذه صراحتي، سواء صار من رجالي أم لا، فقد كنتُ ممتنًا له حقًا لبقائه بثبات إلى جانب أخي حتى جئتُ لزيارته هكذا
سأنصرف اليوم
جمعتُ كفّيّ بأدب وحيّيته
ظلّ مابول جالسًا بلا كلمة وبدأ يرتّل مجددًا
وقد أدركتُ هذا يقينًا وأنا أحدثه
قد يكون أصغر الناس، لكنه أيضًا أعسرهم نيلًا
والبداية الآن
في اليوم التالي اقتربتُ من مابول وأنا أحيّيه فيما كان يخرج من معبد بوذا الذهبي
هل تناولتَ الطعام
لا
أتحب أن نتناوله معًا
ظننتُ بالطبع أنّه سيرفض، لكنه وافق بسرور
هذا حسن
وسأل مابول وقد رآني متعجبًا
لِمَ التعجب
لم أتوقع أن تسمح بذلك بهذه السهولة
أنت تُخطئ في شيء واحد، فأنا شخص معتدل ورحيم جدًا
الاعتدال والرحمة، إنّه يقول أكثر الكلام وقاحة في العالم بكل هدوء
حسنًا، كنتُ أنوي أن أتبعك كل يوم على أي حال
مشى مابول أولًا وتبعته
ما تحب، قلْ فقط
كان الشياطين المارّون يرمقوننا، هل صار مابول يخالط كونفشيوس لي الآن، كانت نظراتهم مليئةً بالبِشر
لكن مابول لم يُبالِ البتّة، وفي الماضي كان سيتضايق وهو يفكّر في أمور شتى يخبر بها أخاه فتُولّد سوء فهم
لقد تبدّل مابول الذي يسير أمامي بوجهٍ حازم تبدّلًا واضحًا
في ذلك المساء عدتُ إلى هِيولتشون دوما
كان سيو داي-ريونغ الذي عاد من عمله يتلقى دروس فنون قتالية
سيو داي-ريونغ دائمًا الأكثر انشغالًا بين عمل هوانغتشونغاك والتدريب على الفنون القتالية
سأنتظر في غرفتي
لِمَ جئتَ ثانية
ألم تقل إنك ستقيم في المعسكر حتى تجد الجواب
فصاح هِيولتشون دوما
لا تتمدّد على السرير قبل أن تغتسل
ألستَ تتكلّف النظافة كثيرًا وليس هذا سريرًا للنساء أصلًا
فتقدّم سيو داي-ريونغ ذابًّا عن مُعلّمه ورفع صوته
من قال هذا، المرأة لن تأتي
نظر كلٌّ من هِيولتشون دوما وأنا إلى سيو داي-ريونغ، وكان هِيولتشون دوما هو الأكثر صدمةً من هذه الكلمات
لا تُهنْ مُعلّمَنا
صمتٌ ثقيل
قلتُ بعينيّ: داي-ريونغ، لا أظن هذا صوابًا
وقال سيو داي-ريونغ بعينيه: ماذا أفعل يا سيّد الحاشية
لقد كان رجلًا تصطفّ النساء لأجله في شبابه، وهو ما يزال يُصلح
تنهدتُ بعينيّ، وخفت صوت سيو داي-ريونغ أخيرًا
إذًا فلا تُهنْه
وفي النهاية طأطأ سيو داي-ريونغ رأسه وقال
سأستعدّ لتدريب الجحيم بدءًا من الغد
قال هِيولتشون دوما برفق
الغد، بل من الآن
انتهى تدريب سيو داي-ريونغ في ساعة متأخرة من الليل
وبعد أن صرف التلميذ دخل هِيولتشون دوما الغرفة، وكنتُ آنذاك أقرأ كتابًا، ولا أذكر منذ متى لم أقرأ كتابًا غير كتاب عسكري
أتعلّم في هذا الوقت المتأخر
تأكد أنك تتابع هذه الرواية عبر موقع مركز الروايات، المكتبة العربية الأكبر والأفضل بلا إعلانات، وبوجودك معنا تدعم المترجمين لتقديم المزيد.
أومأ هِيولتشون دوما وأجاب
إنه ذكي، فتعليمه ممتع جدًا
أليس هو من دخل هوانغتشونغاك أول الصف
وجلس هِيولتشون دوما على كرسي عند النافذة وسأل
لكن لمَ جاء شخصٌ كان ينبغي أن ينفّذ عملية كبرى إلى هنا
قلتُ لك، أليس كذلك، حين أفكر في أزمةٍ في حياتي لا يخطر في بالي إلا شيوخي
الأمر ليس يسيرًا، أليس كذلك
إنه حصين، وهو متّحدُ الولاء لأخيه، كأن تقول إنه مثل العلاقة بيني وبين الشيخ
إذًا جرعة من جنسن الثلج ستحلّ المشكلة، أليس كذلك
تنفستُ كأنني لم أسمع
الأمر ليس يسيرًا
فابتسم هِيولتشون دوما وحكى لي عن الماضي
لقد شربتُ الخمر يومًا مع مابول في حانة بونغريو، وسألتُ مابول حينها السؤال نفسه، أليس يسيرًا
وماذا كان
أجاب مابول أيضًا كما أجبتَ أنت، ليس يسيرًا، ومضحك أنكما تقولان لي أمامي إنه ليس يسيرًا
تخيلتُ الرجلين وهما يشربان
لا بدّ أنّه وقتٌ كئيب للغاية لمابول، وانظر إلى أنه شرب الخمر مع هِيولتشون دوما
فوراء ذاك الوجه الحازم الذي أراه، كابوسُ مابول مكتومٌ وهو يعترف لهِيولتشون دوما بأن الأمر ليس يسيرًا
كرّرتُ مرة أخرى وأنا مسنودٌ إلى النافذة أنظر إلى القمر
ليس يسيرًا حقًا
وأدرك من جديد أنه لا شيء أصعب من نيل قلب إنسان، وقد يكون الأمر أسهل الآن بخبرتي مع شتى المازونز، لكن العلاقات الإنسانية تبقى دائمًا صعبة كأنها المرة الأولى
قال هِيولتشون دوما ونحن نرفع بصرنا إلى القمر معًا
إنه أمر أن تصير وارث الشيطان السماوي، فكيف يكون يسيرًا
كانت كلمات هِيولتشون دوما عزاءً
ثم قال فجأة
يا موغوك
فارتعتُ لحظة، كانت أول مرة يناديني باسمي
حدّقتُ فيه وقلبُي يرتجف، وكان هِيولتشون دوما ما يزال يرفع نظره إلى القمر ويتحدث بهدوء
أعرف أنك تعبتَ كثيرًا حتى الآن لتحوز قلوب شيوخنا، فإن تعبتَ فبوسعك أن تستريح
نظرتُ إلى هِيولتشون دوما بعاطفة كبيرة، فذلك الذي كان يغمزني بعينٍ رافضة أصبح الآن ملاذي
ماذا سأفعل بدونك، كنتُ أهمُّ أن أمازحه، فإذا باللوح يسبقني
لن تقدر أن تعيش من دوني
نظر إليّ هِيولتشون دوما مبتسمًا، فابتسمتُ بدوري ابتسامة مشرقة
شكرًا على كلماتك، سأستريح أنا أيضًا
وكان ذلك عندها تمامًا، إذ خطَر لي خاطر، ماذا لو لم يكن يسيرًا عليّ ولم يكن يسيرًا على مابول أيضًا
آه، بقدر ما الأمر عسيرٌ عليّ، لابدّ أنه عسيرٌ على مابول أيضًا، صحيح، هو لا يُظهر شيئًا للخارج، لكنني متأكد أن شعور مابول بالعجلة مساوٍ لعجَلتي
في الوضع الحالي أفضل ما يمكن لمابول فعله أن يُقنعني، وربّما لذلك وافق اليوم على تناول الطعام معي طائعًا
لقد كنتُ على عَجل، والآن ليس وقت الدفع بقوة، بل وقت الجذب ببطء في اتجاهي
كانت تلك اللحظة التي رُسم فيها أخيرًا أول تفصيل لخطة العملية الذهبية الكبرى