الفصل 19: صيفنا هذا
قفزت إيان حين سمعت أنني قتلت الحاكم الشرير، ولم يهمّها كيف أمكنني قتله
«لماذا فعلتَ أمرًا خطيرًا كهذا»
كانت غاضبة حقًا لأن في كلامها كلمة «فعل»، ولم تدرك حتى أنها قالتها
«مات أخي الأصغر، فهل سيظلّ العجوز في هيولتشوندُما ساكنًا»
«لذا تدرّب جيدًا رجاءً حتى لا يقدر أحد على لمسي»
«حتى لو تمرّنتَ 30 عامًا فلن تقدر على صده»
«حينها تكونين أنتِ الرابحة، لأنه سيكون قد ماتَ شَيخوخة»
تنهدت إيان على ردّي اللامبالي
«منذ اللحظة التي تغيّرتَ فيها حقًا… صارَت حياتي أصعب بمرتين»
«هاها، إذن ستنقصين وزنًا وهذا حسن»
«يا سيّدي الشاب»
لم تكن إيان وحدها، فالطائفة كلّها ضجّت بالأخبار
كان الأثر مختلفًا بذاته عن خبر مقتل تلميذ هيولتشوندُما على يدي
شعرتُ بالتغيّر حتى وأنا في طريقي إلى قاعة تشونما بدعوةٍ من أبي
نظراتهم إليّ تغيّرت
كثيرون كانوا يتوقعون أن يكون الخليفة هو الأخ الأكبر، لكن الأمور بدأت تتبدل الآن
حين فزت في مباراة البيمو ابتهج الناس، وصار الصيد أمنيةً تحققت فغدا حديث الساعة، وحين قتلتُ تلميذ هيولتشوندُما اندهشوا من جرأتي
والآن قد قُتل الحاكم الشرير
قالت إيان إن الجميع حين يلتقون لا يتحدثون إلا عني، ارتفعت شعبيتي فجأة لأن الكل كان يكره ماجون الذي أثار مشكلات كثيرة كأنه شخص عادي
بل إن بعض المحاربين جاؤوا يحيّونني
وبالطبع لم يقل أحد صراحة «رائع» أو «أحسنت»، لأنهم خافوا تبعات هيولتشوندُما
كل ما فعلوه أنهم اقتربوا منّي صامتين، وعانقوني وأرسلوا إليّ نظرات توقير، وشعرتُ بالدعم في تلك العيون، ومَن جاءوا يحيّونني بهذه الطريقة كانوا ممّن يريدونني خليفة لهم
تلقّيت تحياتهم واحدًا واحدًا ومضيت إلى قاعة تشونما
في قاعة الشيطان السماوي كان أبي، والقائد العام سيما مينغ، وهيولتشوندُما سيف السماء الدموية بانتظاري
حيّيتُ أبي وسيما مينغ أولًا، ثم حيّيتُ هيولتشوندُما
«مرّ وقت يا عجوز»
«كيف حالك يا سيد لي»
على الرغم من جسامة موقف مقتل أخيه الأصغر، كان هيولتشوندُما هادئًا
لم يبقَ أثر لصلاة التفرّد الغريبة التي أبداها هيولتشوندُما حين زارني آنفًا، فلن يجرؤ أن يُظهر مثل تلك الصلاة أمام أبي
«كيف حدث هذا أصلًا»
«دوّنتُ كل شيء في التقرير»
«أريد أن أسمع من لي غونجا مباشرة»
مع أنه أمام أبي، قال هيولتشوندُما ما أراد بقلبٍ هادئ، ولعل أبي وسيما مينغ رأيا أن ذاك من حقّ شيطانٍ متعطّش، فلم يتدخلا وتركاه يتصرف
«خلال التحقيق كشفنا جريمةً جسيمة لأخي، وحاول قتلي أثناء القبض عليه… أعتذر منك»
«لا بأس، إن كان أخوك مذنبًا فيجب أن يُعاقَب، لكن ما لا أفهمه: رغم أنه تافه، فليس أحمق لدرجة أن يهجم على لي غونجا بعد أن تكشّفت جريمته بوضوح»
يُفترض أنه استسلم طائعًا ثم طلب النجدة من أخيه الأكبر
وقد منعتُ أنا ذلك مسبقًا
«لا أعلم لِمَ فعل ذلك، ربما لم يحتمل أن يمسك به شابٌّ مثلي»
حدّق بي هيولتشوندُما لحظة ثم تكلّم ثانية
«رأيتُ الجثة قبل أن آتي إلى هنا، سمعتُ أنك طعنتَه بضربة واحدة»
«نعم»
لم أدخل في تفاصيل القتال، فالإطالة في ظرفٍ غير مواتٍ تورث هفوات وثغرات، والأفضل الآن أن أدع لهيولتشوندُما حيّز التخمين
ولم يقدر أن يسأل عن تفاصيل القتال وأبي يراقب، سواء طُعن في الظهر أو في باطن القدم، فالإيمان بأن المقتول كان أحمق وغبيًّا يقع في صلب طريقنا الشيطاني
«مهارة لي غونجا القتالية أروع مما ظننت»
«لعلني أفدتُ من أبي، وقد تحمّستُ، والحاكم الشرير لعلّه لم يُخرج كل ما عنده»
«لعلّ الأمر كذلك»
شكرني هيولتشوندُما بابتسامةٍ وادعة
«شكرًا لصدقك، بفضلك صار قلبي أهدأ»
«على الرحب»
لا بد أن غضبه بلغ ذروته بعد موت تلميذه، وكذلك موت أخيه الأصغر، لقد صرنا أعداء حدّ الفولاذ، ومع ذلك لم يُبدِ هيولتشوندُما ذرة غضب، وكانت لحظة رأيتُ فيها مدى إتقانه لكبح العاطفة
وقبل أن يغادر قاعة الشيطان السماوي نظر هيولتشوندُما إلى أبي
حين جاءني أول مرة قال مرتين إنه سيأتي إلى أبي برأسي، وكان ذلك يعني أنه واثق من علاقته بأبي
فهل لا ينبغي لهيولتشوندُما أن يقول شيئًا كهذا الآن
— يا سيدي، أتفعل بي هذا؟ إن كنتَ ستقبض على أخي فكان يجب أن تدعوني أولًا ونحلّها، ما أشد أسفي
لكن لم يبدُ أي ندم في عيني هيولتشوندُما، وكانت نظرة أبي إليه كعادتها
«علينا الاستعداد للجنازة، اذهب واسترح»
«شكرًا على عنايتك يا قائد»
انحنى هيولتشوندُما بأدب ثم استدار، ولم يرمقني حتى بطرف عين وهو يمشي على السجادة الحمراء
وحين انسحب تكلّم سيما مينغ أخيرًا
«شكرًا على جهدك، لأن الأدلة التي جمعها لي غونجا كانت متينة، انتهت القضية بلا مشاكل، هل أصابك أذى في موضع ما»
«شكرًا لاهتمامك، أنا بخير»
لا بد أن لدى سيما مينغ أسئلة كثيرة حول هذه النتيجة غير المتوقعة، لكنه لم يسألني، ولأنه غالبًا أبي هو من أوكل إليّ التحقيق، فهو يرى في النهاية أنه شأنٌ بيني وبينه
«منح القائد مكافأة لمن أسهم إسهامًا كبيرًا»
وجاء أحد شياطين قاعة تشونما بصندوقٍ خشبي طويل، وقدرتُ من خطواته المتأنية مدى قيمة ما بداخله
وحين فتحت الغطاء المحفور بزخرفةٍ أنيقة فاخرة، كان في داخله سيف
دهشتُ حين رأيتُ أنه سيف سِحريّ مظلم، إنه ثاني أثمن سيف بعد سيف الشيطان السماوي
«وهب القائد لي غونجا سيفًا سحريًا مظلمًا»
غمرني السرور فابتسمتُ بسطوع، وأطلقتُ مزحةً بلا سبب من شدة الفرح الذي لم أقدر على كتمه
«إن كنتم ستعطونني، فأعطوني سيف زهرةٍ بيضاء نبيلًا يوافق طبعي»
قال أبي بوجهٍ لا يمكن أن يكون جادًا أكثر
«السيف الذي يوافقك هو سيف سحري مظلم»
«أنت لا تعرف ابنك كثيرًا، ما رأيك أنتَ يا سيف»
سحبتُ السيف السحري المظلم ببطء
وسرى بردٌ لاذع من نصله فغمر القاعة، ولم أحقن قوة داخلية، لذا جاءت الهالة خالصةً من السيف
عرفتُ لحظة سحبه أنه سيفي، سيف يلائمني غاية الملاءمة
«ألا تبدو هذه الجائزة أكبر مما أستحق»
فأجاب سيما مينغ عن تواضعي نيابةً عن أبي
«ليست مفرطة، كانت مشكلة الحاكم الشرير أعصى مسائل طائفتنا»
«وقد حمّلتم تلك المعضلة لي»
«لم أتوقع أن تحسمها بهذه النظافة»
اندهش سيما مينغ مرة أخرى وسأل أبي
«هل توقعتَ هذا يا قائد»
هزّ أبي رأسه
«كنتُ أرجو السلامة إن لم يمت وهو يثير الضجيج»
وأنا أعلم أن الأمر ليس كذلك
على الأرجح أرسلتني لأنك وثقت بي، ولأنك تعلم أنني أحرزتُ فلاحًا كبيرًا في أسلوب سيف بيشون، ومنذ أخذتني من سوتشيون-دونغ إلى حبة ما جونغ-دان، فقد صدّقتَ أنني لن أُهزَم بسهولة، أما مآلُ مقتل الحاكم الشرير فلم يكن في الحسبان
وأعلم أيضًا لماذا وضع أبي سيفه جانبًا، إنه ما يقوله لهيولتشوندُما
— أنا آخذ الفضل، فلا تعبث بابني في هذا الأمر على الأقل
إنه تحذير صامت، ولا يُعقل أن هيولتشوندُما النبيه لا يفهم ما يعنيه ذلك
«شكرًا لك يا أبي»
رفعت السيف وأبنتُ امتناني كما ينبغي، وغادرت قاعة تشونما
وفي طريقي عائدًا إلى مقرّي ناداني أحدهم
«الشمس لطيفة يا لي غونجا، لنجلس قليلًا»
كان هيولتشوندُما جالسًا في الساحة الخالية أمام الحديقة المزهرة
أجل، لا سبيل أن يرحل هذا العجوز ببساطة
مشيت ببطء وجلستُ أمامه، وكانت عيناه تتركّزان على السيف السحري المظلم المعلّق على خصري، وشعرتُ بأنه يطبِق أضراسه، ولعله حقدٌ عميق، لكنه لا يجرؤ أن يفعل بي شيئًا
«يبدو أن الصيف سيكون حارًا على غير العادة»
وما إن أنهيتُ كلامي حتى صرخ هيولتشوندُما
«أيها الغلام الأحمق، كيف تجرؤ أن تغتال أخي وتقتله، اليوم أمزّق جسدك وأنثره على قبره»
اجتاحت الطاقة الشيطانية المنبعثة من نصل السماء الدموية المكان، فذبلت أزهار الحديقة في لحظة، أين كانت تختبئ هذه الطاقة في ذاك الجسد الهزيل
حاولتُ أن أحافظ على هدوئي وأنا أرفع قوتي الداخلية لأقاوم تلك الهالة
وفي اللحظة التالية تلاشت الهالة كأنها كذبة، وابتسم هيولتشوندُما قائلًا
«كان ينبغي أن أقول هذا أصلًا، أليس كذلك»
وحاول أن يطعن خاصرتي مجددًا بطرف مقبض السيف
لكنني هذه المرة صددتُ المقبض المتوغّل براحة كفّي وصرخت
«أيها العجوز الملعون الذي أثقله عمره، كيف تجرؤ أن تعبث بانضباط طائفتنا وتسعى لمصلحتك الخاصة، إن تقدّمتَ ذودًا عن أخيك الفاسد سأكسر جسدك الهزيل كأنّه غصن»
وأضافتُ بابتسامة ساخرة
«ولو حدث ذلك لقلتُ هذا أيضًا، أليس كذلك»
وقف هيولتشوندُما مبهوتًا لحظة ثم انفجر ضاحكًا
«هاهاهاها»
تعالت ضحكته حتى إن الشياطين الواقفين للحراسة عن بُعد نظروا نحونا
ثم توقّف فجأة عن الضحك، واستوت ملامحه كأنه لم يبتسم قط، وكانت انفعالاته تتبدّل بلا انقطاع
«ومع ذلك، ألم يكن عليك أن تنظُر إلى وجهي»
«كان يمكن إنهاء الأمر بطريقة حسنة، حاولتُ أن أختمه باستقالتك من منصبك، لكنك بعدما تجاوزت الحدود مضيتَ بعيدًا جدًّا، لا، لم تكن هناك حدود أصلًا»
هزّ هيولتشوندُما رأسه، إنها مسألة أخي، فكيف لا أعلم بها، ولستُ ممّن لا يهتمّ بسياسة الطائفة
«ماجون، كنتَ تعرف بانحراف أخي، أليس كذلك»
«كنتُ أعلم»
«لماذا تركتَه»
«لم تسمع لي، وإن كنتَ تعلم، فأنا أيضًا لستُ نظيفًا كثيرًا»
دهشتُ لصدق هيولتشوندُما وهو يتحدث عن علاقته بأخيه الأصغر
«يجب أن تحذر في مثل هذه اللحظات»
هيولتشوندُما عاطفي بوضوح، لكنه يعرف كيف يستعمل عاطفته
«بصراحة، حين سمعت خبر موت أخي شعرتُ بالارتياح، فلن يسدّ طريقي بعد الآن»
«أتفهّم هذا الشعور»
فتح هيولتشوندُما عينَيه الصغيرتين المشقوقتين على اتساعهما، وكأنه يسأل: حقًا، أأنت كذلك
«سيكون الأمر أشبه بسماع خبر موت أخي، سأشعر بالارتياح لأني لن أضطرّ أن أفعلها بنفسي»
تلاقت نظراتنا في الهواء، ورأيتُ النار تعود إلى عينيه
ماذا يرى في عينيّ، وماذا أرى فيه
لم أقدر أن أعرف ما الذي يفكر فيه هيولتشوندُما
بغضّ النظر عن ارتياحه الذي قاله، قد يدبّر لقتلي لأنني عدوّ قتل أخاه، أو ربما طوَت الرياحُ ما مضى
لا ندم عندي
إن لم أنجُ من صراعكم أنتم البالمازون فسأُقتَل بأسلحة النار على أي حال إن كنتُ بهذا المستوى فقط، عليّ أن أدوسكم برفق وأمضي، هكذا تُعاش الحياة
رفع هيولتشوندُما رأسه إلى السماء وتلقّى التحية التي بدأتُ بها
«نعم، سيكون عامًا حارًا»
قال هيولتشوندُما إن الجو حار بالفعل ولوّح لنفسه برفق بنصل ميولتشون دايدو العريض
وثابتٌ عندي أمر واحد: أن الشمس لن تكون السبب الوحيد لحرارتنا هذا الصيف
ظلّلتُ جبيني بكفّي ورفعتُ بصري إلى السماء معه
«لحُسن الحظ، أنا لا أسخن»