ما إن أنهت حديثها حتى استدارت تشين روشوانغ، بجسدها المتقد المشتعل كهبّة ريح، وغادرت بلا أدنى تردّد، لتختفي في مدخل قاعة تدريب الفنون القتالية في لحظة، تاركةً وراءها قاعة تغلي بطلابٍ مفعمين بالانفعال.
لم يدم الصمت سوى لحظة واحدة!
“هوووش—!”
انفجرت القاعة بأكملها!
“《سر تقنية تقسية الجلد》! إنها حقًا تقنية حقيقية للزراعة القتالية! لقد حصلت عليها أخيرًا!” قال أحدهم وهو يمسك بالكتيّب الرقيق بيدين مرتجفتين من شدّة الحماسة، كأنّه يعانق كنزًا لا يُقدّر بثمن.
“رائع! من اليوم فصاعدًا، سأصبح أنا أيضًا واحدًا من ممارسي الفنون القتالية!”
“هاهاها! سأعود حالًا للبدء بالتدريب! شهر كامل لبلوغ إنجاز تقسية الجلد الصغرى؟ سأحققها في عشرة أيام! لا، سبعة أيام تكفيني!”
وفي عيون لا حصر لها، اشتعل لهيب الأمل، وكل منهم يتوق لأن يجد مكانًا يجلس فيه متربعًا ليحرك طاقته ودمه. فرصة تغيير المصير كانت ماثلة أمام أعينهم!
غير أنّ صوتًا حادّ النبرة شقّ هذا الجو المتّقد:
“لا تحتفلوا مبكرًا! ما فائدة التقنية وحدها؟ من دون موارد مساعدة، أنتم تحلمون إن ظننتم أنكم ستصلون لإنجاز تقسية الجلد الصغرى خلال شهر!”
كان المتكلم شابًا نحيلًا بعينين ماكرتين.
وما إن خرجت كلماته حتى بدا كأن دلواً من الماء المثلّج قد صُبّ على رؤوس الحاضرين. تجمّدت ابتسامات النشوة على وجوه كثيرة.
“إنه… إنه محقّ،” تمتم أحدهم. “تقسية الجسد والجلد تحتاج لدعم من الدم والطاقة. الاعتماد على التدريب الذاتي فقط بطيء للغاية. سمعت أن أبناء العائلات يستخدمون أحواضًا دوائية من أعشاب نادرة، ولهذا يتقدّمون بسرعة…”
“أحواض دوائية؟ كم سيكون ثمنها؟ من أين لنا القدرة على دفعه؟”
“انتهى الأمر… بلا موارد لن نبلغ الإنجاز في شهر. هل سنُستبعَد حقًا؟”
الأمل الذي توهّج للتو خبا ثانية تحت قسوة الواقع. امتلأت القاعة بوجوه شاحبة بالقلق واليأس، وترددت الأنفاس المثقلة في الجو.
عندها فقط، ارتسمت على شفتي الشاب الماكر ابتسامة ذات مغزى، ورفع صوته قائلًا:
“التقنيات نادرة، والموارد… أندر! لكن، هيه هيه، تصادف أن لديّ بعض المعارف، وحصلت على دفعة من مسحوق تقسية الجسد للمساعدة في تقسية الجلد. ورغم أنه لا يضاهي أحواض العائلات الكبرى السرية، فإنه يسرّع التدريب بنسبة تفوق الثلاثين بالمئة! من يريد؟”
في لحظة، تركزت الأنظار كلها عليه!
“مسحوق تقسية الجسد؟ أهو حقيقي؟”
“قل لنا بسرعة! كم ثمن الكيس؟” سأل طالب متحمّس.
رفع الشاب الماكر يده، مشيرًا بخمسة أصابع وهو يلوّح بها بفخر: “لا أكثر ولا أقل… خمسمائة رصيد اتحادي للكيس! يكفي لثلاثة أيام فقط!”
“خمسمائة؟!”
“هيس—!”
شهقات صدمة دوّت في المكان. خمسمائة رصيد اتحادي؟! بالنسبة إلى معظم هؤلاء الطلاب من أصول متواضعة، كان هذا يعادل نفقات شهر كامل! فكيف يُنفَق في ثلاثة أيام فقط؟
“غالي جدًّا!” صرخ أحدهم دون وعي.
ابتسم الشاب الماكر بازدراء: “غالي؟ الموارد القتالية بطبيعتها باهظة! هذا هو السعر الأخوي! إن فاتتكم الفرصة، فلن يكون هذا السعر لاحقًا! من لا يرغب في استثمار مبلغ كهذا ليصير فنانًا قتاليًا… عن أي مستقبل يتحدث أصلًا؟”
كانت كلماته قاسية لكنها صائبة. ساد الصمت مجددًا، وتعاقبت على الوجوه ملامح التردّد. أجل، مقارنة بفوائد أن تصبح فنانًا قتاليًا، لم يعد المبلغ كبيرًا…
“سأشتري!” قال طالب بملامح حاسمة، قاطعًا تردده وهو يجز على أسنانه: “أعطني ثلاثة أكياس!”
“وأنا أريد كيسين!”
وما إن تقدّم أحدهم حتى تبعه آخرون. رغم الألم، لم يجدوا بدًّا من اغتنام فرصة تغيير مصيرهم.
ازداد بريق ابتسامة الشاب الماكر وهو ينشغل بتصريف بضاعته.
أمّا دونغفانغ يوي مينغ فظلّ يراقب بهدوء بارد. الموارد؟ ربما يحتاجها هو أيضًا، لكن ليس الآن! فقد كان وعيه غارقًا في أعماق لوح نظامه:
【الشخصية: دونغفانغ يوي مينغ】 【المستوى: بشري (يكسب نقطة واحدة يوميًا)】 【تقنية الزراعة: لا يوجد】 【الفنون القتالية: لا يوجد】 【النقاط: 1000】
اللوح بسيط وواضح، ورقم “1000” يتلألأ بطمأنينة!
“《سر تقنية تقسية الجلد》…” اشتعل قلبه حماسة. “عليّ أن أعود فورًا وأحفظ محتوى التقنية عن ظهر قلب. حالما يظهر اسمها في لوح النظام… أضيف النقاط!”
أي موارد؟ أي أحواض دوائية؟ أمام غشّي السماوي في إضافة النقاط، كلها مجرّد سُحب عابرة!
لم يشأ أن يمكث لحظة أخرى. أمسك بالكتيّب، وهمّ بالخروج من القاعة الصاخبة.
لكن ما إن نهض حتى نهضت من مقعد قريب شابة ذات حضور مغاير. كانت ترتدي زيًا أزرق فاتحًا أنيقًا، بشرتها ناصعة، وملامحها رقيقة مهيبة، وعيناها اللامعتان تحملان بطبيعتهما نفَسًا من النبل.
وربما لاحظت حركته المتعجلة، أو ربما أثار صمته السابق انتباهها، فالتفتت إليه بصوت صافٍ يحمل فضولًا رقيقًا: “زميلي… ألا تنوي شراء مسحوق تقسية الجسد؟ من دون موارد مساعدة، سيكون التدريب عسيرًا.”
رغم الضجيج حولهما، بدا صوتها واضحًا تمامًا.
توقف يوي مينغ، ثم التفت إليها مبتسمًا بمرارة: “شكرًا لاهتمامك، لكن لا مال لدي.” رفع كتفيه بهدوء وأضاف: “أنا يتيم. بالكاد جمعت رسوم الدراسة من مساعدات الإغاثة. الآن، جيبي فارغ تمامًا.”
أُخذت الفتاة قليلًا، ولم تكن تتوقع صراحته. حدّقت فيه لحظة بعينيها الجميلتين، ثم اكتفت بهزّة رأس رقيقة، وغادرت بخطى هادئة، كزهرة لوتس بيضاء تمشي على الماء.
لم يُعر يوي مينغ الأمر اهتمامًا، فهم مجرّد غرباء. أخذ نفسًا عميقًا ليكبح توقه للقوة، وهمّ بالخروج.
“بوم!”
اصطدمت كتفه فجأة بقوة هائلة!
فقد توازنه قليلًا، ثم استقام سريعًا ليرى شابًا ضخم البنية، مفتول العضلات كجبال صغيرة، يحدّق به بنظرة عدائية، يتحدّاه بوقاحة واضحة.
“أيها الفتى، ألا تنظر أمامك وأنت تمشي؟”
تصاعد الغضب من أعماق يوي مينغ إلى رأسه في لحظة! لقد رأى بوضوح… ذلك الضخم تعمّد الاصطدام به!
“أنت—” اشتعلت عيناه بغضب لا يُكبح.
لكن العملاق اكتفى بنظرة ازدراء وسخرية لاذعة، كأنه يرى حشرة تافهة.
“هس—أليس ذاك… غاو هو، وحش عائلة غاو؟!”
“يا إلهي، كيف تورّط معه؟!”
“سمعت أنّ عائلة غاو من أعرق عائلات الفنون القتالية في المدينة. بدأ غاو هو تقسية الجسد منذ طفولته، ويُقال إنه بلغ الإنجاز الصغرى في تقسية الجلد فعلًا!”
عرف الحاضرون هويته فورًا، وانخفضت الهمسات في القاعة. امتلأت نظراتهم تجاه يوي مينغ بالشفقة… وبعض الشماتة.
فخصمه ليس عاديًا؛ قوّته وخلفيته تفوقان هؤلاء المبتدئين كثيرًا.
في داخله، ضحك غاو هو بازدراء. لماذا؟ كيف تجرؤ تلك الآنسة لين تشينغياو، التي هي كجنية سماوية، على محادثة هذا الفقير عديم النفع؟! كان يعتبرها ملكًا خاصًا له، فكيف يسمح لغيره حتى بكلمة معها؟!
“ماذا؟” رفع ذقنه متكبّرًا، ينظر ليوي مينغ من علياء أنفه، وصوته استفزازي: “من نظرة عينيك، يبدو أن عندك اعتراضًا كبيرًا؟”
شدّ يوي مينغ قبضتيه، وأصدرت مفاصله طقطقة واضحة. اندفعت الدماء في عروقه بسرعة، والإهانة لم يسبق أن شعر بها بهذا العمق!
“لا تتسرّع يا أخي!”
“اصبر لحظة، وتمرّ العاصفة! لا يمكننا استفزاز عائلة غاو!”
“إنه يستفزك عمدًا، لا تنجرّ وراءه!”
وصلت الهمسات إلى سمعه كطنين بعوض، مذكّرةً إيّاه بواقع الفارق بينهما.
فازدادت ابتسامة غاو هو سخرية، وكأن النصر بيده. مدّ يده الضخمة وصفع كتف يوي مينغ بقوة تحمل إهانة واضحة: “افهمها يا فتى! من الآن فصاعدًا، في أكاديمية الفنون القتالية، انكمش وامشِ ذليلًا! وإلا ستندم!”
تحمّل؟
انقبض قلب يوي مينغ فجأة!
منذ أن جاء إلى هذا العالم، ضاق ذرعًا بالضعف والمهانة! الآن وقد نال فرصة لتغيير مصيره، أيسمح لنفسه أن ينحني في يومه الأول؟ أن يتسوّل ككلب؟!
لا! أبدًا!
تجمّد غضبه في صدره كالصخر، لكنه أدرك أنّ مواجهة الآن ستعني هزيمة محتومة. ومع ذلك… لم يكن ليسمح بابتلاع هذه الإهانة!
رفع رأسه فجأة، وبريق قتال متّقد يملأ عينيه، ثم واجه غاو هو مباشرة، ناطقًا بوضوح، كلماته جليّة وصلت للجميع:
