246
الفصل 246: الرحيل إلى اليابان
في الليل، استيقظ إيثان وخرج من غرفته.
بمجرد أن خرج، نادته آنا قائلة:
“تعال يا بُني، واغسل وجهك، لقد أعددت لك الطعام.”
كان إيثان يبدو متوتراً أمامهم، ولما رأت آنا ملامحه القلقة، اقتربت منه وأجلسته على كرسي.
قالت له:
“إيثان، نحتاج إلى التحدث معك. هل تفضّل أن تأكل أولاً أم بعد الحديث؟”
أجابها إيثان:
“سآكل لاحقاً.”
أومأت آنا برأسها وجلست على كرسي مقابل له.
قالت بهدوء:
“نحن نرغب في تبنّيك يا إيثان.”
ظهرت على وجه إيثان ملامح دهشة صافية جعلت آنا تُوقن أن تلك المفاجأة كانت حقيقية وصادقة.
تابعت آنا قائلة:
“كان لنا ابن في مثل عمرك… لكن على أي حال، هل ستكون مستعداً لأن تعتبرنا عائلتك؟”
توقفت آنا بعد أن أنهت كلامها.
الجميع كان ينتظر إجابة إيثان.
نظر إيثان مباشرة في عينيها وقال:
“أنتِ تعرفين وضعي.”
ثم التفت نحو إيرينا وأردف:
“ولديكِ ابنة أيضاً. لماذا تخاطرون بحياتكم من أجلي؟ هل يستحق الأمر أن تُعرّضوا عائلتكم للخطر من أجل شخص مثلي لتجعلوه جزءاً من عائلتكم الجميلة؟”
اكتفت آنا بنظرة حازمة دون أن تقول شيئاً.
سألها إيثان:
“هل يمكنني أن أناديكِ أمي؟”
ظنت آنا أن إيثان سيرفض عرضها، لكن عندما سمعت سؤاله، امتلأت عيناها بالدموع، هذه المرة من شدّة الفرح.
قفزت إيرينا من مكانها من السعادة.
وفجأة، ظهر ألبرت خلف إيثان.
تظاهر إيثان وكأنه لم يره، لكنه شعر برعبٍ شديد.
ابتسم له ألبرت وقال:
“إن كانت هي أمك، فأنا إذن والدك. وجدّك يستريح في الغرفة، وتلك هي أختك إيرينا.
لكن لدينا الكثير لنتحدث عنه. أنصحك أن تُنهي طعامك أولاً.”
نظر إيثان إلى آنا، فأجابته بنظرة مطمئنة.
أومأ برأسه ونظر إلى ألبرت قائلاً:
“حسنٌ يا أبي.”
ضحك ألبرت بصوت عالٍ عند سماعه ذلك، وغمره شعور بالسعادة لا يعرف سببه.
اقتربت إيرينا من إيثان وهمست له بلطف:
“أنا إيرينا، أخوك… أختك الصغيرة.”
ابتسم لها إيثان قائلاً:
“مرحباً، إيرينا.”
ثم بدأ بتناول طعامه.
بعد العشاء، اجتمع أفراد العائلة حول الطاولة المستديرة.
هناك، أخبروه عن ماضيهم، لكنهم تجنّبوا ذكر الجزء المتعلق بكونهم مزارعين للطاقة (ممارسي الزراعة الروحية).
فذلك الأمر لن يجلب لإيثان سوى الخطر مستقبلاً.
تفاجأ إيثان عندما علم أنهم عائلة ثرية جداً، لكنها الآن تهرب من أعدائها.
بعد انتهاء الاجتماع، عاد إيثان إلى غرفته لينام.
كان مستلقياً على سريره يفكر في أنه سيصبح حاكماً في الظل، يحتاج إلى سمعةٍ تهزّ الأكوان يوماً ما، لكنه سيبقي هويته سريّة.
الحاكم الذي لا يُرى في النور، ذاك النوع من الوجود… سيكون الأمر ممتعاً.
بعد ثلاثة أيام،
بدأ إيثان يتحدث معهم أكثر فأكثر، وأصبح أكثر راحةً بينهم.
كما التقى بالرجل المسن في تلك الفترة.
كانوا يعيشون في هذا المنزل تحت الأرض طيلة الأيام الثلاثة دون أن يخرجوا.
كانوا ينتظرون شيئاً — أقنعة وجه تساعدهم على تغيير ملامحهم بدرجة معينة، لعلّها تمنحهم فرصة لتجنّب الملاحقة.
لكن تلك الأقنعة لم تكن مضمونة النجاح الكامل، ومع ذلك لم يكن أمامهم خيار آخر.
لم يخبروا إيثان بشيء من ذلك، لكنه سمعهم بالصدفة.
كان إيرل قد نظّم الأمر منذ فترة طويلة؛ إذ وُضعت الأقنعة في مكانٍ محدد في ناميبيا، وكانوا سيذهبون لجلبها والرحيل بعدها.
والآن صار إيثان معهم، وهو الآخر لديه أعداء.
وربما تلك العصابة التي تطارده كانت مدعومة من مزارع للطاقة، من يدري؟
لذا فكّر إيرل في التواصل مع الرجل ليصنع قناعاً إضافياً لإيثان.
لكنهم لم يعلموا أن الرجل الذي يعتمدون عليه قد خانهم بالفعل.
فالمكان الذي كان يُفترض أن تُسلَّم فيه الأقنعة، تم الكشف عنه لأعدائهم.
مئات من مزارعي الطاقة كانوا ينتظرون هناك لنصب كمين لهم.
وجد إيثان هذا الانتظار مملاً، فقال في نفسه:
لم لا أصنع خمسة أقنعة بنفسي تكون أقوى من أي قناع على الأرض وأجعلهم يستخدمونها؟
لكن المشكلة كانت: كيف سيسلّمها لعائلته دون أن يضطرّ إلى التلاعب بذاكرتهم؟
في ذلك اليوم، تواصل إيرل مع ذلك الرجل، فأخبره أنه صنع خمسة أقنعة من قبل، أحدها لشخصٍ آخر، وسيعطيهم إياها، ويمكنهم استلامها غداً.
نقل إيرل الخبر السعيد لعائلته، وكانت إيرينا أكثرهم فرحاً، فقد سئمت البقاء في هذا المكان الذي بات أشبه بسجن.
لكن في تلك اللحظة، تلقى إيرل مكالمة هاتفية من الرجل نفسه، يقول فيها إنه وضع الأقنعة بالفعل في المكان المتفق عليه نظراً لمدى استعجالهم.
كانت تلك المكالمة من إيثان نفسه؛ إذ علم أن المعلومات قد تسرّبت، فذلك الرجل أفشى موقعهم.
مزارعو الطاقة كانوا يستخدمون هواتف مشفرة، ولا يمكن الاطلاع على سجلاتهم الخاصة إلا إذا خان أحدهم الآخر.
شعر إيرل بشيء غريب تجاه المكالمة، لكنه لم يكن يملك خياراً آخر.
كان عليه أن يرحل.
خرج الخمسة من المنزل وصعدوا إلى السطح، وكان الليل قد حلّ.
بدأوا التحرك نحو المكان — شجرة تقع وسط غابة في ناميبيا، وكانت الرحلة تستغرق قرابة ساعتين سيراً على الأقدام.
حمل ألبرت إيرينا على ظهره كي يتحركوا بسرعة أكبر، ثم تذكروا أن إيثان إنسان عادي.
عرض إيرل ظهره على إيثان ليحمله.
لم يتردد إيثان، فذلك العجوز هو جده في النهاية،
ولم يحمله على ظهره في صغره، فليفعلها الآن.
انطلقوا بسرعة فائقة،
لكن إيثان كان يعلم أن المكان محاط بمئات الأعداء المختبئين.
زفر باستهزاء، ثم رفع يده و بفرقعة أصابعه.
في لحظة واحدة، قُتل جميع الـ146 شخصاً المختبئين في مواقع مختلفة.
شُقّت حناجرهم بسكاكين حادة في ومضة عين، ولم يُتح لأيٍّ منهم أن يرمش حتى.
الآن صار بإمكان عائلته مغادرة المكان بسلام.
كان يعلم أيضاً أنه لا وجود لأقنعة هناك، فذلك الرجل خدعهم.
عادةً، لا ينقضّ مزارع الطاقة قسمه، لكن ربما أجبرته الظروف.
لم يهتم إيثان، فقد صنع بنفسه خمسة أقنعة من الطراز الأعلى، قادرة على إخفاء الهوية حتى أمام مزارع من المستوى 16.
عندما اقتربوا من الشجرة، أنزل إيرل إيثان وذهب ليتفقد جوف الشجرة،
فوجد هناك صندوقاً كما توقّع.
كان بداخله خمسة أقنعة.
غمره شعور بالحماسة، ورغم شعوره بأن شيئاً غير متوقع قد يحدث، إلا أن شيئاً لم يحصل.
ثم شرحت آنا لإيثان أن هذا القناع معجزة تكنولوجية ستمكّنهم من إخفاء هويتهم.
أومأ إيثان برأسه، فهو يعرف جيداً من صنعها.
بعد ارتداء الأقنعة، اختاروا الوجوه التي صمموها بأنفسهم — وجوهاً يابانية.
وفي لحظة، ظهر خمسة يابانيين في أماكنهم.
كان الأمر غريباً… فالدقة كانت مذهلة إلى حد أن ملامح أجسادهم نفسها تغيّرت.
قال ألبرت مذهولاً:
“يا للعجب!”
وأومأ إيرل بدوره بانبهار.
لقد حان وقت الرحيل.
كان عليهم استخدام غواصتهم الخاصة للهرب — تلك الغواصة الفريدة التي صُنعت خصيصاً لعائلتهم.