الفصل:319
- الرئيسية
- رواية سادة الشتاء ابدأ بالاستخبارات اليومية
- الفصل:319 - الفصل 319: جاسوس نقابة الصحن الفضي
في مدينة المدّ الأحمر، وعلى ساحةٍ تجارية تعجّ بالحركة بعد الظهيرة، اصطفّت الأكشاك الخشبية وتدلّت عليها رايات ملوّنة
اختلط عبق اللحم المطهو على مهل بدفء الخبز المخبوز وألوان الديباج الجنوبي الزاهية، فصنع ضوضاءً مثل سوقٍ في العاصمة الإمبراطورية
وسط الزحام تزاحم تاجران من الجنوب يتبادلان الحديث
قال التاجر العجوز وهو يربّت على قربة الخمر عند خاصرته وعيناه مملوءتان بالدهشة هذه الريح الشمالية باردة، لكن هذه المدينة… إنها أزحم مما رأيته عند البوابة الشرقية للعاصمة الإمبراطورية
من كان يظن كنتُ أحسب الإقليم الشمالي قد انتهى منذ زمن، وبعد كارثتين كبيرتين توالت الشائعات في الإمبراطورية أن ما بقي هنا سوى عظام، ولم أتوقع أن أجد مكانًا كهذا قادرًا على إعالة هذا العدد من الناس
داعب التاجر السمين لحيته وصوته يفيض تأثرًا
كانا قادمين بقافلتين من مقاطعة الجنوب الغربي في الإمبراطورية، ولأنهما من بلدٍ واحد قرّبا أكشاكهما وجلسا يتبادلان أطراف الحديث بين حينٍ وآخر وتترقرق الدموع في الأعين
على كشكهما بضع لفائف حريرٍ جنوبي لا يزال لمعانها يخطف البصر في الريح الباردة
توقّف المارّة يتفحّصون، ويُخرج بعضهم نقود الفضة للتفاهم على السعر
خلفهما كان مساعدٌ نحيل يرتّب القماش بصمتٍ دون أن يتدخّل، يراقب كل شيء بعينٍ باردة أنا أقول لك إن أردت التجارة حقًا فهذا المكان أفضل حتى من مدينة الرمح الجليدي، فهناك يُقنّن حتى القمح، أما هنا فالناس يملكون فائض مالٍ ويجرؤون على شراء بضاعتنا
خفض التاجر السمين صوته وهو يهتزّ بضحكةٍ بطنية أجل، الحبوب أصلب العملات
أومأ التاجر العجوز وهو يطالع الزحام، ولم يملك إلا أن يتنهّد إنه لأمر غريب أن يحوي الإقليم الشمالي مكانًا كهذا
خفتت أحاديثهما وحلّ الليل، وراحت الأضواء في ساحة مدينة المدّ الأحمر التجارية تنطفئ تباعًا
طُويت الأكشاك واحدًا تلو الآخر، وخمدت النداءات في البعيد، ولم يبقَ إلا قرعُ أحذية الفرسان في الدوريات
أنهى التاجران كذلك حزم لفائف الحرير الأخيرة ووضعاها في صناديق خشبية ولفّاها بإحكام بقماشٍ سميك، ثم تودّعا وتفرّقت ظلالهما مع الحشود
لم يختر التاجر السمين ورجاله حانةً صاخبة، بل انعطفوا إلى زقاقٍ هادئ متجهين إلى مسكنٍ قصيّ
كانت هذه مساكن جماعية بناها المدّ الأحمر في أيامه الأولى، وما لم يُهدم منها خُصّص للتجار العابرين من سائر الجهات، لأن الأجرة زهيدة
أُغلق الباب الخشبي الثقيل، وأُضرمت الشموع، فتبدّل الجوّ فجأةً تبدّلًا تامًا
فالتاجر السمين الذي كان قبل قليل يوزّع الابتسامات ويتصبّب عرقًا كفّ عن الضحك فجأة، وانكمش جسده، وبدا عليه الاحترام بل شيءٌ من المهابة
قال يا سيدي، إن مدينة المدّ الأحمر مختلفة تمامًا عن عموم الإقليم الشمالي
وهو يتكلم لم يجرؤ على التحديق مباشرةً في المساعد النحيل
رفع الرجل الهادئ النحيل، الذي ظلّ صامتًا طوال اليوم، رأسه أخيرًا بحقّ
أظهرت لهب الشمعة وجهًا صارمًا، وحاجبين وعينين كالسيوف، يشيان بحدةٍ تبعث على الرهبة وتمنعك من إمعان النظر
اسمه أنطوني، وهو ضابطٌ رفيع في نقابة الصحن الفضي باتحاد الزمرد
وقد أُنيطت به حاليًا كل شؤون الإقليم الشمالي للإمبراطورية
فقد مات سلفه، كالان، ميتةً غامضة قبل عامين أثناء عمليةٍ ما
لكن النقابة لم تتخلَّ عن هذه الأرض، بسبب ما يُشاع عن عروق معادن هائلة مطمورة تحت الصقيع
فإن تمكنوا من السيطرة على المناجم غير المطوّرة في الإقليم الشمالي الإمبراطوري أمكنهم مجابهة نقابة الزمرد، بل وإعادة رسم خريطة النفوذ داخل الاتحاد
ولذلك اقتضى الأمر إرسال أنطوني ليدير المكان فهو معروفٌ بدقته، فأُوعز إليه أن يتسلّم فوضى كالان
انحنى الجاسوس السمين وشرع يهمس بتقارير عمّا علمه في المدّ الأحمر
لقد اختبأتُ في مدينة المدّ الأحمر أكثر من عام، ودخلتها تاجرًا بعد وباء الحشرات، غير أن المدينة صارت أعجب فأعجب، فحظائر الغلال ممتلئة على نحوٍ لا يُصدَّق، والعامة يملكون فائضًا يشترون به الحرير، كأنها صورةٌ خادعة
أنطوني كان يصغي دون أن يتكلم، ويومئ أحيانًا إيماءةً خفيفة
فاللسان الزلِق يُغرق السفينة، والحذر طبعُه؛ وحتى التابع القديم لا يُؤمَن تمامًا
ولم يحتج أنطوني أكثر من يومٍ من الملاحظة في مدينة المدّ الأحمر ليقتفي الخيط
شوارع منضبطة، وأمنٌ صارم، وحساباتُ مخازنٍ معلنة، وكل حلقةٍ موضوعة بدقةٍ في موضعها
لم يكن هذا أبدًا حظًا طيبًا يهبط من فراغ، بل نتيجة يدٍ قويةٍ منسّقة وراء الستار
وأصل الأمر هو سيدُ المدّ الأحمر الكبير لويس كما يسميه العامة
وقبل أن يصل أنطوني كان قد راجع معلومات لويس
إنه أكثر أبناء أسرة كالفين خفوتًا، قُذف إلى الشمال كقطعةٍ مستهلَكة لفتح أرضٍ جديدة
ومع ذلك حقّق في سنواتٍ قليلة منجزاتٍ متكررة، ولعب أدوارًا مهمّة في وباء الحشرات وهجمات البرابرة
ونال تقدير الدوق العجوز إدموند حتى اتخذه صهرًا، ثم سلّمه قبل وفاته الحكم الفعلي للإقليم الشمالي
همس أنطوني في قلبه لا يجوز التقليل من شأن شخصيةٍ كهذه
وكان لديه أصلًا مهمّة سرية أخرى في هذه الرحلة
هي الاتصال بقطعةٍ رفيعة الرتبة مزروعةٍ في الإمبراطورية
غير أن الوضع الآن في مدينة المدّ الأحمر أعقد كثيرًا من المتوقع، وأي تحرّكٍ متهوّر قد يفضح أمره
الحذر أولًا وآخرًا هذا شعاره الوحيد في الرحلة
فآثر أنطوني قرارًا خفيًا تأجيل التواصل مع تلك القطعة حتى ينتقل إلى مكانٍ أبعد ويغتنم الفرصة
أما هدفه الرئيس هذه المرّة فهو كشف سرّ سيد المدّ الأحمر
خفَت تقرير تابعه تدريجيًا، ولم يبقَ في الغرفة سوى فرقعة لهب الشمعة
أصغى أنطوني بصمت، بلا تعبير، حتى سكت الآخر تمامًا، ثم تكلّم ببطء
فهمتُ كل شيء كان صوته منخفضًا خاليًا من الانفعال
توقّف لحظةً كأنه يتأمل، ثم أضاف بإيجاز غدًا سأستكشف أماكن أخرى، وأنتم تابعوا كالمعتاد ولا تُظهِروا خللًا، الآن اذهبوا إلى الراحة مبكرًا
وما إن أنهى الكلام حتى استدار ودخل الغرفة الداخلية دون أن يزيد كلمة
ساد الصمت من جديد، ولم يبقَ سوى همهمة موافقةٍ من التابع وعرقٌ باردٌ يتجمّع على جبينه، حتى إنه لم يجرؤ أن يتنفس بصوتٍ مسموع
وفي عمق الليل كانت شمعة البيت المتهالك تتراقص، فيما أنطوني لم يغمض له جفن
وقد تناثرت على الطاولة رزمةُ أوراقٍ سميكة، فيها فتاتُ معلوماتٍ دوّنها سابقًا جاسوسٌ متنكرٌ في ثوب تاجر أسعار غلال المدّ الأحمر، وتخصيصات الشحن، ومسارات دوريات الفرسان
وقد علّم على كل شيءٍ وشرحه بعناية
خطر له خاطرٌ بارد الحسابات العلنية للغلال، وإشارات العقود الواضحة… هذا النظام أشدُّ إحكامًا من أنظمة نبلاء العاصمة الإمبراطورية، واستهدافه لن يكون هينًا
وما إن همّ باستنباط طريقةٍ لغرس جاسوسٍ جديد حتى اخترق قلبه فجأةً إحساسٌ غريبٌ بالقتل، كأن شفرةً حادّة لامسته
رفع أنطوني رأسه فجأة وانقبضت حدقتاه
وبحكم أنه فارسٌ متميّز دقّ حدسه ناقوس الخطر في لحظة
وفي اللحظة التالية دوّى انفجار
تهشّم الجدار الخشبي وتناثر الغبار، وركِلت الباب فسقط مزمجرًا على الجدار الحجري
وانحرف نصف البيت بعنفٍ تحت وقع الصدمة، وهطل الغبار هطلًا
انقبض قلب أنطوني بقوة، لكن جسده سبق فكره فأشعل طاقةَ قتاله في الحال
اشتعلت حوله نيرانٌ فضّية، وتألّق جسده ومضى خاطفًا إلى ركن الغرفة
وعلى الجانب الآخر انفتح خزان الحديد في الركن، وخرج منه في آنٍ ثلاثة فرسانٍ عمالقة بذرعٍ سوداء
صوت احتكاك الدروع الثقيل كان ينضح بردًا، وعُيونهم خاوية لكن أجسادهم تبثّ رهبةً مخيفة
كل واحدٍ منهم دميةُ قتالٍ بمستوى الفارس المتقدم، عُدّلت بجرعات النقابة ونُقوشها
ثم ظهر بعدها مباشرةً أكثر من عشرة حرّاسٍ بدرعٍ رمادية أضعف قليلًا، وعيونهم كذلك بلا روح، لكن حركتهم متطابقة كأنهم دمى
زمجر أنطوني اخترقوا
وعلى وقع الزئير تقدّمت دمى القتال بخطوةٍ واحدة، واندفعت طاقةٌ فضية، فكأن ريحًا عاتية هبّت في الغرفة
لكن العدو كان أسرع مما ظنّ
فمن خلال الجدران المحطّمة قفزت فجأةً بضعةُ ظلال، طاقة قتالهم تتّقد أزرق لامعًا في الظلام
الهالة حادّة راسخة لا تعرف الرحمة
برد قلب أنطوني فجأة
كلهم فوق مرتبة الفارس المتقدم
اختلط الضوء الأزرق بالنيران الفضية في لمحة واندلع القتال بغتة
هبط مهاجمٌ بعنف، وشقّ الهواء نصلٌ طويل
رفعت دمية القتال السوداء سيفها العظيم لصدّ الضربة، وفي طرفة عين دوّى صليل الحديد وتساقطت الشرر
لكن ما لبث أن شقّ حدُّ طاقة القتال الزرقاء درع الدمية السوداء
وانفجر صدر الفارس المعدَّل الموصوف بكنز النقابة مع الفولاذ، وسقط أرضًا يتلوّى ويتحطّم
ماذا حدقَت عينا أنطوني فجأة
وقبل أن يستوعب، كان مهاجمٌ آخر قد اندفع كالشبح بين الحرّاس ذوي الدروع الرمادية
لمعت النصال كالبرق وشقّت طاقة القتال الزرقاء الهواء، وجلبت معها غَمامَ دمٍ وفتاتَ معدن
هجم الحرّاس الرماديون معًا لكنّهم تلاشى جمعُهم في لحظات، واحمرّ الحجر بدمائهم
وفي ثوانٍ معدودات صارت الغرفة كلها جحيمًا
قبض أنطوني على أسنانه وزمجر، وتدفّقت طاقة القتال، ثم اندفع كنيزكٍ فضي يمزّق فجوةً عنوةً محاولًا الإفلات من نافذةٍ جانبية
غير أن ضغطًا كالطود هبط عليه بغتة
وأمامه ظلٌّ أزرق آخر، يشقّ الليل نصلٌ يطلق صفيرًا قارسًا
استطاع أن يصدّ بالكاد، لكنه أحسّ بذراعه ترجف وعظامه توشك أن تتفتت
وفي اللحظة التالية رُكلت ركبته اليسرى ركلاً غاشمًا واندحر أرضًا
آه
أفرز الألم العنيف عرقًا باردًا على جسده، لكن وعيه قُمِعَ بالقوة
عربد وهو يشتعل صدرُه بطاقةٍ فضية، غير أنها سُحقت حالًا تحت طوقٍ من هالاتٍ زرقاء
ثم التصق نصلٌ بعنقه، وانطبقت في اللحظة نفسها سلاسلُ عدةٌ وأوثقته بشدة
لهث أنطوني بشدّة وصدره يعلو ويهبط
انتهى الأمر
عمّ اليأس قلبه تمامًا
كيف انكشف أمري أكان بخيانةٍ من تابع التاجر السمين أم بطعنةٍ سريةٍ من جاسوسٍ أرسلته العاصمة الإمبراطورية أم أن أراضي المدّ الأحمر كانت تراقبني أصلًا
تخالجت الأسئلة رأسه، لكنه لم يعرف جوابًا قط
فقد لم يتركوا له فرصةً للكلام، وهوت الضربة الأخيرة الثقيلة على مؤخر رقبته، وأظلمت الدنيا في عينيه
هوى جسد أنطوني أرضًا وتلاشت طاقته الفضية دخانًا في ليلٍ بارد
ساد السكون من جديد، ولم يبقَ سوى عوارض خشبٍ مكسورة تتمايل بلطف
أعاد الفارس المتقدّم بالدروع الزرقاء قائدهم سيفه إلى غمده ببطء، ونزع قناع الحديد عن وجهه، فكشف عن ملامح صارمة
إنه فيران، قائد فرسان الحديد البارد
تقدّم وانحنى قليلًا وقال بنبرةٍ لامسها شيءٌ من الارتياح تقريرًا يا سيدي، أُنجزت المهمة
وتوقّف لحظةً ومسح ببصره الأسير المُغشى عليه على الأرض ثم أضاف ببعض الحرج لكن أحد رجالي لم يقدّر قوته فكسر ساقه
رفع لويس ذقنه وهو يراقب القتال منذ البداية وقد ارتسمت ابتسامة على وجهه، فيما بقيت عيناه هادئتين كعادته
هزّ رأسه بارتياح لا بأس ما دام قادرًا على الكلام
ابتسم فيران ابتسامةً عريضة أما التحقيق فاتركه لنا أيضًا، ففرساننا أمهر المحققين في الإقليم الشمالي
رفع لويس حاجبًا وابتسم كأنما يتنهد كما هو متوقع من أقوى فرسان الشمال، حتى هذه الخدمة ضمن الحزمة
انحنى فيران مبتسمًا وأمر رجاله بجرّ أنطوني والمأسورين الآخرين
وكان المشهد برمته ضمن توقعات لويس
إذ عرف منذ زمنٍ عبر منظومة التقارير اليومية أن جاسوسًا من نقابة الصحن الفضي يختبئ في هذه المدينة
ولم يفضح أمره بل ألقى الصنارة صابرًا حتى يصعد السمك الكبير بنفسه
وها قد سقط أنطوني، المسؤول عن شؤون الشمال، في قبضتهم، وهو يحمل مهمةً سرية غير منتهية
مثالي تمتم لويس والبسمة على شفتيه حين يصل ضيوف العاصمة الإمبراطورية بعد أيام سأريهم هدية الترحيب الخاصة بالمدّ الأحمر
حول البيت المتهالك أطلّ كثيرٌ من السكان الذين أيقظهم الضجيج، وتعالت همساتهم
أيمسكون لصوصًا
انظروا، الفرسان هناك سيد الإقليم أيضًا
تعرّف بعضهم على القامة الطويلة فهتفوا، فشدّوا انتباه المزيد
ازدحم الزقاق في الليل بالمتفرجين وتجمّعت هتافاتهم
سيدي
السيد لويس
لوّحوا بأيديهم واشتعلت هتافاتهم حماسًا، وامتلأت العيون احترامًا
فنادراً ما يرى الناس السيد هذه الأيام إلا في قاعة الإدارة
أمام هذا الجمع المفاجئ رفع لويس يده قليلًا وقال برفق تفرّقوا، الأمر مجردُ إمساكٍ ببعض الأشرار، لا داعي للذعر، عودوا باكرًا واستريحوا مبكرًا
ثم اعتلى صهوة جواده ورفرفت عباءته، وقاد رجاله مبتعدًا
كان زمهرير الشتاء يعوي، وامتدّ الركب مسافاتٍ طويلة
دارت عرباتٌ مزخرفة بنقوشٍ سوداء وذهبية على الطريق الجبلي الوعر ببطء، واصطفّ الفرسان أمامها وخلفها في مربعاتٍ تُظهر مهابة الإمبراطورية
غطّى الثلج الثقيل الطريق الرسمي، وكانت حوافر الخيل كثيرًا ما تغور فيه، وأنفاس دوابّ الجرّ تلهث كالثيران
وحين تنزلق عجلة يترجّل الخدم للدفع فتتوحّل سيقانهم بالوحل والثلج
داخل العربة الفسيحة كمّم سِمير فمه وأنفه بمنديل، وهو يقطّب جبينه وينظر عبر النافذة
في البعيد خرائب مكلّلة بالثلج وجدرانٌ مهدّمة، وتبدو أحيانًا أوتادٌ خشبية محترقة هنا وهناك قرًى دمّرها وباء الحشرات والحرب يا له من مكان بائس تمتم شاكيًا بصوتٍ خافت وعيناه تمجّان المكان وتضيقان ضجرًا
لم يُبقوني في العاصمة الإمبراطورية، بل بعثوني إلى الإقليم الشمالي—مفتشًا خاصًا قالتها ساخرًا أشبه بالنفي
تبادل الخدم النظرات ولم يجرؤوا على الرد
كان ينبغي أصلًا أن تُعقد مراسم المنح في العاصمة الإمبراطورية أو على الأقل في مدينةٍ ممثلة
لكن الإمبراطور مفقود، والإقليم الشمالي خراب، ومدينة الرمح الجليدي لم تُرمّم كليًا بعد، فلم يكن إلا خيارٌ أدنى وهو إقامتها في المدّ الأحمر
تعاظم استياء سِمير الإقليم الشمالي مُتهدّم إلى هذا الحد، وعليّ أن أُرابط هنا دائمًا مدينة الرمح الجليدي تلك القلعة نصف المهدّمة ستكون مقرّي لسنواتٍ قادمة
لكن الحقيقة أن هذا التكليف السيئ لم يُفرض عليه، بل تطوّع له بنفسه