الفصل 5: زورق محفور على شاطئ البحر
لم يستطع شي مينغ التأكد، فآثر أن يضع تلك الفكرة جانبًا في الوقت الحالي
سوف يُنجِز المهام التي أسندها له النظام واحدة تلو الأخرى
قمع الشكوك في قلبه وبدأ يراقب ما حوله
لم تكن الساحل سوى رمال وشعاب صخرية، بلا أي كائنات حية، حتى الأصداف غير موجودة؛ وبالقرب غابة كثيفة خضراء يانعة تحجب الرؤية تمامًا، ولا بد من التوغّل في الداخل لالتقاط أي معلومات عن باطن الجزيرة
كانت جزيرة تبدو عادية جدًا، ومع ذلك يعتريها شيء من الغرابة
لكن بالنسبة للآخرين، بدا كل ما على اليابسة جديدًا ومثيرًا
غير أن هذا الجِدّة كبحتها مخاوف المجهول؛ فالعبيد الذين نزلوا إلى الجزيرة راحوا يتبادلون النظرات، وظلوا في أماكنهم، لا يرغب أحد في أن يكون أول من يخطو إلى المنطقة المجهولة
“لا تقفوا شاردين هنا، لا تنسوا أن منظار القبطان ما يزال موجَّهًا إليكم! إنهم يراقبون كل حركة لكم”
ذكّرهم شي مينغ، وكان أول من سار نحو داخل الجزيرة
لمّا رأى الآخرون ذلك، وتذكّروا أساليب القبطان الحديدية، تفرّقوا على مضض كل اثنين أو ثلاثة
…
سلك شي مينغ طريقًا جانبيًا ولم يتوغّل في أعماق الجزيرة
لم يكن من الحكمة الاستكشافُ بطيش في هذه اللحظة؛ فقد كان بحاجة إلى تجربة مهارته الجديدة “عين الاستخبارات” في منطقة بعيدة عن المراقبة
بوجود الاستخبارات يمكنه وضع خطة استكشاف موجّهة
بالنسبة للمرتزقة، تكون الاستخبارات أثمن من الذهب؛ فبعض التضحيات غير الضرورية سببها الدقيق هو نقص المعلومات
“أيها النظام، اجلب الاستخبارات”
“بيب~ بيب~”
“جاري تجميع الاستخبارات”
“بحثٌ جارٍ. تأكيد الإحداثيات التفصيلية للمضيف… تمّ العثور، يجري تلخيص الاستخبارات… تمَّ توليد الاستخبارات: على بعد 1,341 مترًا قُدُمًا على الساحل توجد زورق محفور تاريخي مدفون. قد تكتشف منه بعض الأسرار المدفونة”
زورق محفور؟
أكان أحدهم قد وطِئ هذه الجزيرة من قبل حقًا؟
بمجرّد زورق محفور؟
كان شي مينغ يشق طريقه بين الشعاب، يراقب بعناية ويبقى متيقظًا على امتداد الساحل، ويُلقي بالًا أيضًا إلى الشاطئ
ولم يَطُل الأمر حتى عثر على شيء
فحقًا، غير بعيد عن خط الساحل، وبين الشعاب، كان ثَمّة زورق محفور صغير جانح
بدا الزورق كأنه موجود هناك منذ زمنٍ طويلٍ جدًا، وقد دُفن أكثر من نصفه في الرمال، غير أن مادته كانت مميّزة فلم تظهر عليه علاماتُ تعفّن
لكن من عمق دفنه والقِشرة الملحية العالقة به يتّضح أنه مكث هنا سنواتٍ عدة على الأقل، وربما أكثر
قبض شي مينغ بيدٍ على حافة القارب الخشبي، وجذبه ليُخرجه
ما يزال صالحًا للاستعمال
لكن بحدود الاستعمال فحسب؛ أمّا محاولة الهروب بهذا الزورق المحفور والانجراف في المحيط الذي لا ينتهي فكانت مستحيلة بوضوح
سيكون موتًا محتومًا
بحث شي مينغ بدقة فأبصر فجأة صندوقًا خشبيًا صغيرًا داخل مقصورة الزورق الخشبي
وبفضل مادة الصندوق الفريدة لم تنَل منه رياحُ البحر وبيئتُه الرطبة إلا قليلًا
فتح شي مينغ الصندوق الخشبي بخبرة
تابع دائمًا من المصدر الأصلي: موقع مركز الروايات. مكتبة بلا إعلانات وقراءتك معنا تضمن استمرار الترجمة.
في داخله قلمٌ ودفتر ملاحظات
كان القلم حبرًا عاديًا، وأما الدفتر فملمسه كجلد الغنم
فتح شي مينغ الدفتر
ولحسن الحظ كانت العُلبة الخشبية محكمة العزل؛ فبعد سنوات بهتت الكتابة في الدفتر في معظمها، لكنها بقيت مقروءة
كُتبت الملاحظات باللغة الأشدّ ألفةً لدى شي مينغ
ومع ذلك فبالنسبة إليه لا بأس بأي لغة؛ فقد كان يجيد سبع لغات، وما لم تكن اللغةُ نادرةً من بلد صغير ناءٍ فبوسعه فهمها
ينبغي للمرتزق أن يتحلّى بصفاتٍ أساسية
وإتقانُ لغاتٍ متعددة هو الصفة الأكثر أساسية
قلّب صفحات الدفتر
“5 أبريل، هذا يومُنا السادس والستون عالقين في الفيضان. الطعام في معهد الأبحاث يوشك أن ينفد، وما زال الفيضان لم ينحسر
الجميع متشائمون جدًا
تاريخيًا لم يُسجَّل فيضانٌ بهذه الشدة قط
إنها كارثة إنسانية”
“9 مايو، هطلت أمطارٌ غزيرة أخرى، وظهر قوس قزح بالفعل
يُذكر في «كتاب مكرّم» غربي يُدعى «التكوين» أنه عندما انحسر الفيضان قيل: عندما أجلب الغيوم على الأرض ويظهر قوس قزح في السحاب. فأين قوس قزح هذه الكارثة؟”
…
“13 يونيو، لا حكّام سماويين في هذا العالم، والبشر أوشكوا أن يصبحوا حُكّام أنفسهم، وقد بدأ البشرُ في صناعة «سُفن نجاة»
وليس ذلك فحسب، بل إن هيئاتٍ قومية أخرى شرعت أيضًا في خطط بناء سفن على نطاق واسع
ههه، لم تُطلق البشرية «خطة الأرض المتجولة»، لكنها أطلقت «خطة الأرض المتجولة» فعلًا
أهذا نكتةٌ باردة طريفة؟”
…
قلب شي مينغ الصفحات بسرعة
كان صاحب هذا الدفتر باحثًا في معهدٍ بحثي ويبدو أنه كان يشغل منصبًا رفيعًا
وقد شهد عصر الفيضان المُهلك للعالم، وسجّل في ملاحظاته كفاح البشر وخلاصهم أثناء الكارثة
تصفّح شي مينغ الدفتر على عَجَل وبصورة إجمالية
ولوقتٍ طويل بعد ذلك ظلّ صاحب الدفتر يدوّن اضطرابات العصر وتحولاته
غاصت القارات تدريجيًا، وأطلقت البشرية حقًا «خطة الأرض المتجولة»، وسمّت جميع سفن الملاذ «السفينة المتجولة»
ومن الجدير بالذكر أن هذا الباحث ذكر تحديدًا أنه تم بناء 100,001 سفينة متجولة في أنحاء العالم
كان هذا حدًا أقصى، ولن يزداد عدد السفن المتجولة مستقبلًا، بل سيتناقص بسبب البِلى والتلف
100,001 سفينة؟
ألهذا العدد دلالةٌ خاصة؟
وبشأن ذلك لم يستطع شي مينغ إلا أن يخمّن أن بناء السفينة المتجولة ربما استخدم موردًا نادرًا غير قابل للتجديد
“2 سبتمبر، لم يتبقَّ من يابسة الأرض إلا أقل من العُشر؛ وأُجبِر البشر على دخول عصر الترحال
ولحسن الحظ ما تزال تقنية الراديو عبر الأقمار الصناعية تُبقي البشر على صلةٍ متينة، لنستطيع العمل معًا ونحول دون ضياع الحضارة
أما السفينة المتجولة فبفضل تقنية [محجوبة] أمكنها تلبيةُ الاحتياجات الأساسية للبشر مؤقتًا”
“تقنية الراديو عبر الأقمار الصناعية؟ يبدو أنه لا وجود لهذه التقنية الآن؛ فقد سقطت الأقمار الصناعية، ولم يعُد ممكنًا لسفنٍ متجولة مختلفة أن تتواصل إلا عبر موجات الراديو العادية، وبمدًى محدود جدًا”
“وما هذه التقنية [المحجوبة]؟ أتُرى هذا الجزء مُغطّى؟”
تابع شي مينغ التقليب
“7 أكتوبر، تسرّبت شائعةٌ أن محاربًا بعدما قتل وحشًا بحريًا واغتسل بدمه حاز قدرةً عجيبة
لقد ورث قوة الوحش البحري، ومع ذلك ظلّ يحتفظ بإنسانيته على نحوٍ حسن، كما اكتسب قُدراتٍ خارقة
هذا ليس غيرَ علمي فحسب، بل لا يُصدَّق البتة
إن تأكّدت الوقائع فلن تبقى الفيزياء فحسب، بل الأحياء أيضًا لن تبقى”
“9 ديسمبر، مزيدٌ فأكثر من البشر بدؤوا يعتزمون صيد الوحوش البحرية، ولكن كم واحدًا سينجح؟”
“3 يناير، بدّلت اتجاه أبحاثي
الإيقاظ، كم يبدو جذّابًا”
…
“2 مايو، لا أستطيع الجلوس مكتوف اليدين
سمعتُ أن وحشًا بحريًا يُشتبه في كونه «السلحفاة السوداء» عُثر عليه قرب إحداثياتٍ معيّنة
قد تكون هذه فرصتي الأخيرة
أحضرتُ سلاحي الذي طوّرتُه بنفسي وطاردتُه على متن سفينة متجولة…
«السلحفاة السوداء»، ذاك وحش سماوي أسطوري
إن استطعتُ الاغتسال بدمه فسأستيقظُ يقينًا على الأقل على قدرةٍ من الرتبة A”