الفصل 43
الفصل 43: السفينة الغارقة في بحر الضياع
كانت الساعة 11:45 ليلًا
مرّت 15 دقيقة منذ أن أصدر شي مينغ أمر العودة على المسار الأصلي
كان الموجّه، وهو يتحكم باتجاه السفينة التائهة، يحدّق بلا رمشة في الطريق المخطّط، وطبقة رقيقة من العرق تتشكّل على جبينه
كان متوترًا
لقد اتّبع أوامر القبطان بوضوح وعاد بالطريق نفسه الذي جاؤوا منه
منطقيًا، كان ينبغي أن يغادروا منطقة التركّز الشاذّ لأحجار البلور البحري ويعودوا إلى مياه طبيعية بعد نحو 10 دقائق من الإبحار
لكن السفينة التائهة ظلت تُبحر بأقصى سرعة طوال 15 دقيقة، ومع ذلك ظلّت داخل المنطقة الشاذّة، كأنها ضاعت، بل وربما توغّلت أعمق
وفوق ذلك ارتفعت طبقة من الضباب فوق سطح البحر
والضباب يزداد كثافة
كان هذا جنونًا
تركيز طاقة البلور البحري: 345%
لقد ارتفع مجددًا
نحن بوضوح نعود أدراجنا، فلماذا يزداد التركيز أكثر فأكثر
لم يُبدِ شي مينغ أي سرور؛ فكل أمر غير طبيعي نذير مشكلة. ثم إن الطاقم اتّبع أوامره بالعودة على المسار نفسه، فكيف حدث هذا الوضع. لم تتضرر أجهزة الملاحة، وحتى سجل الرحلة يُظهر أن كل شيء طبيعي
قبطان، يبدو أننا توغّلنا أعمق. كأن شيئًا ما يعبث باتجاه السفينة
قطّب شي مينغ حاجبيه
هل هو وحش بحري
لم ينم إلا قليلًا حتى واجه هذا الوضع الغريب
هل صادفتم حالة مشابهة من قبل
لا
تجمّع أفراد الطاقم يتناقشون عن الحلول. وافترض بعض القدامى من ذوي الخبرة أن تركّز طاقة البلور البحري هنا يتداخل مع المجال المغناطيسي، فيُحدث انحرافًا في مسار السفينة التائهة فتذهب أعمق
في عصر التيه لا وجود لنظام تحديد المواقع، ولا شبكة، ولا أبراج إشارة
ولحل هذه المشكلة لا بد من انتظار طلوع الشمس وتلاشي الضباب، ثم الاعتماد على أبدائيّ الطرق لمغادرة المنطقة
فورًا: اكبحوا الموج، أوقفوا الإبحار، الجميع على تأهّب مستوى 1، استعدّوا لهجوم وحش بحري
أصدر شي مينغ الأمر
خرج من غرفة القيادة إلى السطح الخارجي
كان منتصف الليل يقترب، ولفحة الليل جعلت السطح باردًا قليلًا. الضباب المنتشر فوق البحر كان يزداد كثافة تدريجيًا، وصار الهواء البارد يلسع مع كل نفس
مشى إلى حافة السفينة التائهة وحدّق في البحر الهادئ
بعد يومين من تناول سمك السلمون المرقط الأزرق اكتسب رؤية ليلية جيدة. كان سطح البحر وتحته الآن عميقين معتمين بلا أي شذوذ ظاهر
لكن السفينة لا تستطيع الخروج؛ تدور جيئة وذهابًا داخل الضباب
كأنها وحش محاصر فقد إحساسه بالاتجاه
ربما فقط حين تشرق الشمس وتبدّد ضباب الليل تستطيع السفينة التائهة أن تستدل بالشمس لتغادر هذا المكان
لكن شي مينغ لم يكن لديه صبر لينتظر الفجر حقًا. إن كبح الموج في منطقة بحرية غريبة كهذه يملؤه قلقًا. فإن كان ثمّة وحش بحري قوي من فئة B أو حتى فئة A يختبئ تحت هذا المحيط، وفي طقس كهذا يلفّه الضباب، فلن يكون واثقًا من التعامل معه منفردًا
حتى لو قدِر على الفوز، ستتعرّض السفينة لخسائر فادحة
ما إن دقّت منتصف الليل حتى شرع يستخدم «عين الذكاء»
نظام، احصل على المعلومات
بيب بيب
يُجرى تجميع المعلومات
جارٍ البحث. تأكيد الإحداثيات التفصيلية للمستضيف… تم العثور، يُلخّص الذكاء…
بيب بيب
بيب بيب
بيب بيب
ازداد وجه شي مينغ صرامة
…
تهانينا لقد حصلت على ذكاء نادر فئة A: بحر الضياع
جرى توليد المعلومات
ذكاء فئة A
كلما ارتفعت درجة الذكاء زادت قيمته، وتعاظمت المكاسب الممكنة. في الظروف العادية كان شي مينغ ليحتفل
لكن في وضع غريب كهذا، فئة A تعني خطرًا من فئة A، وليس مما يُحتفل به
فضلًا عن أن الاسم «بحر الضياع» لا يوحي بخير
كان تقرير الذكاء طويلًا. قرأ شي مينغ كل كلمة بعناية، ووجهه يزداد برودة
خلاصة القول إن بحر الضياع منطقة بحرية يسهل الضياع فيها للغاية
إنه مقبرة مخلوق بحري يُدعى «قنديل الضباب»
قبل 20 عامًا كانوا لا يزالون عِرقًا قويًا؛ وقد تطوّر أقواهم إلى فئة A حتى قارب أن يكون جبّارًا في البحر. ولسوء الحظ طاردتهم سفينة التيه الذهبية «هوانغشي» التي كانت تقوم بدورية في هذه المنطقة البحرية
كانت «هوانغشي» تتبع مباشرة سفينة التيه بدرجة الملك «المنارة»، وتُعرف بأقوى سفينة ذهبية
احتوت السفينة على أسلحة وتجهيزات وغنائم ومقتنيات لا تُحصى، وكانت حقًا لؤلؤة من عصر التقنية وواحدًا من مفاخر أمريكا
كانت المعركة حينها ضارية إلى حد استثنائي؛ أُبيدت كل قناديل الضباب، لكن الثمن الذي دفعته «هوانغشي» كان أعظم—فقد قُتل على متنها مُستيقظان من فئة A، وسقطت هذه اللؤلؤة من عصر التقنية في هذا البحر المُلبّد بالضباب، وغاب موضعها عن الأنظار
استشاطت «المنارة» غضبًا وحاولت انتشال «هوانغشي» الغارقة، لكنها وجدتها عصيّة على التتبع كليًا
وقبل أن تغرق «هوانغشي» لم تُرسِل حتى إحداثياتها
عشرات ملايين الدولارات من الجوائز على مدى عقد لم تُجدِ نفعًا
وفي النهاية تُرك الأمر بلا حل
ومن ثم انتشرت أسطورة «بحر الضياع» فوق البحر. كان يُقال إن من استطاع العثور على تلك المنطقة فله أن يجد سفينة التيه الغارقة ويحظى بالكنوز الهائلة على متنها التي تحسّر على فقدها حتى «المنارة»
لسوء الحظ لم يستطع أحد الوصول إلى تلك المنطقة قط
أو ربما كرّروا مصير «هوانغشي»، غرقوا في الضباب ولم يفلتوا أبدًا
…
رغم هياج الريح والمطر، تُصاد الأسماك الأثمن
ما دام قد بلغ هذه الإحداثيات، فهذا يعني أن بينه وبين «هوانغشي» الغارقة صلة
إنها المعروفة بأنها السفينة الذهبية الأولى في العالم
سيكون كذبًا لو قال إن نفسه لم تطمح
يكفي مجرد اكتشاف موضع الحطام وبيع الذكاء إلى «المنارة» ليجلب ثمنًا كبيرًا. فضلًا عن إمكانية الهبوط بمعدات الغوص إلى موقع الحطام واستخراج كنوز هائلة، والاغتناء بين ليلة وضحاها
لكن شي مينغ كان يعلم أن الفرصة تأتي غالبًا مقرونة بالخطر
خلال العقد الماضي حاولت سفن تيه بمستويات شتى العثور على موضع «هوانغشي» دون جدوى
وفوق ذلك ذكر التقرير أن قدرًا كبيرًا من دم قناديل الضباب امتزج بطاقة البحر في هذه المنطقة، ما جعل البحر محاطًا بالضباب على الدوام ومجاله المغناطيسي مشوّشًا—
إن دم مخلوق البحر من فئة A «قنديل الضباب» جعل المجال المغناطيسي في هذه المنطقة مضطربًا ومحاطًا بالضباب، ومن العسير مغادرتها. والكائنات البرّية التي تستنشق كثيرًا من الضباب عرضة بشدة للنعاس. يستطيع الإنسان العادي الصمود نحو 24 ساعة، بينما قد يصمد المستيقظون مدة أطول تبعًا لفروق بنيتهم
الآن وقد عرف بوجود كنز هنا فقد عقد العزم على نيله
لكن الناس العاديين سيغيبون عن الوعي بعد 24 ساعة في الضباب
والمهمة الملحّة الآن أن يُخرج السفينة التائهة من هنا أولًا
فإن نام كل من على ظهرها، لقدر وحش بحري من فئة D على إبادة هذه السفينة تمامًا وإغراقها لتصبح جزءًا من الكنز
أطلق شي مينغ ذهنه يفكّر في سبل الخروج من المأزق
أو، عند الضرورة القصوى، يستخدم وضع الغطس في القارب الذهبي ليغطس إلى قاع البحر ويجد حلًا