الفصل 2: كعكة القبطان
خرج شي مينغ من الغرفة المعتمة المتداعية، وذراعاه ممسوكـتان من اثنين من رجال الأمن
كان خارج الغرفة المظلمة قاع مقصورة السفينة، وفوقه أربعة طوابق، كل طابق مقسّم إلى مناطق كبيرة وصغيرة. كان الطابق السفلي مخصّصًا للعبيد، بينما كانت الطوابق الأخرى لموارد السفينة والطواقم
رغم أن المقصورة كانت ما تزال قاتمة، فإن الرؤية كانت أفضل كثيرًا مقارنة بالغرفة المظلمة. كانت أشعة الضوء تتسلّل من نوافذ صغيرة، فأحسّ شي مينغ كأنه وُلد من جديد حقًا
سنحت له أيضًا فرصة لتفقّد جسده الحالي
لم تكن على جسده ندوب أو إصابات، وكانت أطرافه السفلية منسّقة الحركة، ولا علل خفية لديه. كان يرتدي في أسفل جسده سروال عمل خشنًا للعبيد، وفوقه رداءً خشنًا. ولعلّهم وفّروا القماش، إذ لم تكن للأعلى أكمام مخيّطة أصلًا، بل بدا ككيس قُصّت منه فتحتان، يُستعمل لباسًا للعبيد
وبعد أن فحص نفسه، نظر شي مينغ إلى ما حوله
كان أفرادٌ يتفقدون المقصورة بين حين وآخر، والحراسة مشدّدة
في ظل هذه الظروف، كان الهرب مستحيلًا. وفوق ذلك، كانت السفينة تمخر عباب البحر بلا مكانٍ للفرار، لذا لم يكن أمامه إلا الذهاب لرؤية ما يُسمّى بالقبطان والتصرّف على ضوء ذلك
لوى مستيقظان ذراعَيْه. حدّق أحدهما في ذراعه اليمنى وقال: «أوه، لم ألاحظ من قبل، لديك حتى وشوم على ذراعك، هه؟ يبدو أنك كنتَ شخصًا ميسورًا وذو ذوق. كيف انتهى بك الحال عبدًا؟»
وشوم؟
أدار شي مينغ رأسه لينظر إلى ذراعه اليمنى التي كان يمسكها المستيقظ
حقًا، من راحة يده حتى كامل ذراعه، كانت أنماط قرمزية غريبة تمتد صعودًا إلى نهاية ذراعه اليمنى، كأنها دم طازج يتدفّق
هذا؟ ذُهل شي مينغ
لم تكن تلك وشومًا، بل دمُه الذي سال في حياته السابقة قبيل موته
فبصفته مرتزقًا دوليًا، كان قد قبل مهمة نقل أثرٍ قديم هو «قلادة عين العظيم». كانت مكافأة المهمة 50,000 جنيه إسترليني. وما بدا مهمة عادية تحوّل أثناء التنفيذ إلى مطاردة مشبعة بالقوة النارية، وانتهى الأمر بفشل شي مينغ. وقبل موته انفجرت القلادة في يده اليمنى، وارتدّ الدم صعودًا على ذراعه، كأن له روحًا، حتى وصل إلى صدره الأيسر
والآن، تحوّلت تلك الدماء إلى نقوش حمراء؟
وكبح شي مينغ، وهو مقيّد، رغبته في التحقّق أكثر. واقتاده المستيقظان عبر الدرج بين طوابق السفينة. وبعد مسيرٍ طويل، بلغوا أخيرًا خارج غرفة فاخرة الزخرفة
«طَرق طَرق طَرق»
«ادخلوا»
«يا قبطان، هذا العبد الذي ارتكب جريمة قتل»
«أوه؟ كم واحدًا قتل؟»
كان القبطان جالسًا إلى طاولة، ممسكًا قلما شفافًا، يكتب بجنون على ورقة دون أن يرفع رأسه، كأنه يدوّن أمرًا مجهولًا
«واحد»
شرح المستيقظ باختصار ما حدث، وفق الإجراءات
همهم القبطان بلا انفعال بعد سماع التقرير
«عبدٌ يظل عبدًا. أن يتسبّب بموتٍ من أجل نصف قطعة خبز على البخار، يا للسخف». رفع رأسه، وحدّق في شي مينغ بنظرة عابرة، ثم واصل الكتابة. «جسده متين إلى حد لا بأس به، يُعدّ من الدرجة الممتازة بين العبيد. كان في الأصل يحتاج فقط إلى عقوبة ثم إنزاله إلى عبدٍ من رتبة أدنى، لكن لسوء حظه مزاجي اليوم سيّئ. أعدموه. اثقبوا جثته ببضع طعناتٍ إضافية وألقوها في البحر كطُعم، لعلها تجذب بعض 【الأسماك النَّهِمة للدم】»
«حاضر»
«اللعنة على هذا العجوز. لا يلتزم بالقواعد أصلًا»
في عالمٍ كارثي، قد تُحدَّد مصائر القابعين في القاع بخلجة خاطرٍ من بعض الأشخاص
وما إن خرجت كلمة «حاضر» حتى تخلّص شي مينغ بمهارة من القيد غير المحكم. تحرّك خطوةً جانبية، ووجد بسهولة موضعه خلف أحد المستيقظين. ضربة بالكوع، وخنق، وتجريد من السلاح—ثلاث حركات في انسيابٍ واحد—فأفقدت أحدهما الوعي بنجاح. ثم استخدم العصا الخشبية التي جرّدها ليهوي بضربة ثقيلة على عنق المستيقظ الآخر. في لمح البصر كان رجلا الأمن على الأرض
هذه مهارة صقلها عبر سنوات طويلة
وعلى الفور، رمى العصا الخشبية في يده نحو رأس القبطان
كان هناك حرس خارج الباب؛ الفرار الآن انتحار. كانت الفرصة الوحيدة هي السيطرة على هذا القبطان المزعوم ليظفر ببارقة أمل
لقد أكسبته حياةُ المرتزقة حدّةَ حكمٍ وتكيّفِ فهد. كان قادرًا في زمنٍ قصير جدًا، وبمنتهى العقلانية، على ابتكار أنسب استراتيجيةٍ للتعامل مع الأزمة الراهنة
أن يبقى واقفًا ينتظر الموت؟ مستحيل
وبفضل القوة المختزنة ودقته المعتادة، كان من المؤكد أن تصيب العصا الرأس وتسبب دوارًا. لكن خلافًا لتوقعه، اكتفى القبطان الجالس بمقعده بأن مال برأسه قليلًا فتفادى العصا المسرعة نحوه
«مثير للاهتمام»
لمع في عيني القبطان بريقٌ لعوب
«عبدٌ بلا قدرة استيقاظ، ومع ذلك لياقته البدنية وسرعة ردّه ممتازتان، بل تفوقان بكثير هؤلاء المستيقظين العاجزين. يبدو أن آلية التزكية في السفينة التائهة لا تزال بحاجة إلى تحسين كبير»
نهض القبطان، وفي خطوتين فقط صار قبالة شي مينغ
«لسوء حظك أنك صادفتني أنا، المستيقظ. حتى لو أصابتني ضربتك قبل قليل، لما كانت لك أي فرصة»
حدّق طويلًا في شي مينغ، ثم وجّه لكمةً واحدةً ثقيلة جعلت شي مينغ يطير للخلف ويرتطم مباشرةً بالجدار
«جسدك لا بأس به. لكن عليك أن تفهم، البشر والمستيقظون نوعان مختلفان»
نهض شي مينغ وهو يلهث. وبعد تلك اللكمة وارتطامه العنيف بالجدار، لم يشعر على نحوٍ غريب بأي انزعاج. بل أحسّ بدمه يغلي في داخله، وقوةً غريبة تتدفّق من ذراعه اليمنى. كانت النقوش الحمراء الآن حارّة لافحة، كأنها تكوي بشرته، لكنها تمنحه أيضًا قوّةً جياشة
【اكتشاف تلقّي المضيف ضربةً شديدة، يجري استرجاع النظام… 10%…】
【تم تفعيل ذراع القوة. بإمكان ذراع القوة زيادة قوة المضيف مؤقتًا بمقدار 10 مرات، لمدة 3 دقائق، مع فترة انتظار 30 دقيقة】
【■■■■، غير مفعّلة】
【■■■■، غير مفعّلة】
ابتهج شي مينغ
خدعة داعمة؟
هل يمنح استرجاع 10% هذه القوة؟ 10 مرات؟ لقد شعر الآن بقوةٍ هائلة
جمع قوته خفيةً، يستعد لتوجيه لكمة شرسة إلى القبطان حين يقترب، ليقاتل من أجل خيط أمل
للأسف، لم يقترب القبطان. بل سحب كرسيًا وجلس أمام شي مينغ بكل أريحية
كأنه تنين عملاق يطلّ على نملة تحت قدميه
«أنت محظوظ جدًا. فقد قضى أكثر من عشرةٍ من فريق الاستكشاف في العاصفة، والسفينة التائهة بحاجةٍ الآن إلى أفراد. وأنا بطبعي غير تقليدي في التوظيف»
«مقارنةً بهؤلاء المستيقظين عديمي الجدوى، لياقتك البدنية، وقدرتك على ردّ الفعل، ومهاراتك القتالية فعلًا جيدة. وحتى مع أنك باغتتني، ما زال بوسعي منحك فرصة نجاة. إن أدّيتَ بما يرضيني، أستطيع حتى أن أرفع مكانتك، من عبد إلى فردٍ في الطاقم، أو حتى مستيقظٍ مثلي. كل ذلك ممكن»
«ما دمتَ قادرًا على إظهار قيمتك»
أوه؟
أراد هذا القبطان استمالته فعلًا؟ وكان يرسم له صورًا كبيرة؟ رغم أنه باغته قبل قليل؟
أ意 بسبب ثقته القوية بنفسه؟
أم لديه أوراقٌ أخرى ووسائلُ تحكّم؟
لم يكن النظام قد استعاد كامل طاقته بعد، وتوجيه ضربة الآن ليس مضمون النجاح. وبصرف النظر عمّا يدور في ذهن القبطان، لم يكن أمامه إلا مجاراته مؤقتًا، فذلك سيجنّب صدامًا عنيفًا الآن
ما دام ينجو أولًا، فبوسعه التخطيط لاحقًا على مهل
«مستيقظ؟» اغتنم الفرصة ليسأل
«لا يمكن إلّا لمن اغتسل بدماء كائناتٍ قوية أن يُحتمل أن يستيقظ على قدراتٍ خاصة. المستيقظون نادرون في هذا العالم، وأنا واحدٌ منهم»
«وكيف أُظهر قيمتي؟» رفع شي مينغ رأسه وهو يلهث، مظهِرًا حالة عجزٍ تامٍّ من الضرب
«ههه، بالطبع عبر جلب مزيدٍ من الموارد لي»
أشعل القبطان سيجارة وأخذ يدخّن برضا، غيرَ مكترثٍ بما حدث للتو
«لقد انقضت العاصفة للتو، والسفينة التائهة تبحر الآن بأقصى سرعة نحو جزيرة صغيرة محدّدة حديثًا في الجنوب الغربي. من المتوقّع أن نصل إلى الإحداثيات بعد ساعةٍ بقليل. أنوي تشكيل فرقةٍ من العبيد للنزول أولًا إلى الجزيرة للاستكشاف، والبحث عن موارد محتملة، وفحص أي أخطار مرتبطة. أنت رشيق ولديك أساسٌ جيد من المهارات. إن أنجزتَ هذه المهمة، أستطيع أن أرتّب لك لقب قائد فرقة العبيد»
«لكن إن عجزتَ عن إظهار قيمتك، فستُحاسَب على جريمة القتل»
رمق القبطانُ شي مينغ بنظرة
«لا تفكّر بالفرار. فجميع المسجّلين على متن السفينة التائهة، بمن فيهم أنا، زُرعت في أجسادهم شرائح من قِبل السفينة التائهة. والقبطان، بصفته صاحب صلاحيات الإدارة، لا يحتاج إلا إلى تشغيل لوحة التحكّم. وحتى لو كنتَ مستيقظًا، فلن تكون لديك أي قدرةٍ على المقاومة»
«هذا هو المنطق الأساسي المضبوط في البرنامج حين صُنعت كل السفن التائهة في العالم. كل ذلك من أجل 【الوحدة】 لبني البشر الباقين»
قال القبطان مبتسمًا نصف ابتسامة، وكأن في كلماته نفَسَ امتعاض
«شرائح؟»
شعر شي مينغ بقشعريرة على ظهره؛ أهناك أمرٌ كهذا حقًا؟
وهل زُرعت في كل من على جميع السفن التائهة؟ بمن فيهم القبطان نفسه؟
من أجل الوحدة؟ بل من أجل التحكّم
هل وافق أولئك المديرون والمستكشفون على ذلك؟
وهل لدى أولئك الكبار، قمم السلطة في العالم، الشرائح ذاتها؟
وقبل أن يُعمل فكره في صدقية تلك الكلمات، سمع صوت القبطان الخالي من الانفعال—
«أتوافق؟»
وعندها تحديدًا، عاد تنبيه النظام ليظهر أمام عيني شي مينغ
【بيب】
【اكتشاف تعرّض المضيف لتهديد… أتمِم مهمة النظام للمبتدئين لإزالة الشريحة المزروعة من جسد المضيف والحصول على مكافأة المبتدئ】
【النظام يخطّط مهمةً للمضيف…】
【الزمن التقديري: 3 ساعات…】