الفصل 13
الفصل 13: تائه نصف العمر، بلا معلّم مستنير
أكل شي مينغ تلك الوجبة برضا كبير؛ كانت على الأرجح أول وجبة «طبيعية» يتناولها منذ وُلد من جديد في هذا العالم، وكانت أفضل بكثير من الأرغفة اليابسة القاسية أو البسكويت المضغوط
إن صار قبطانًا في المستقبل، فحتّمًا ستتحسّن وجباته أكثر
للأسف، كانت الخيبة الوحيدة أنه عندما مدّ يده إلى علبة اللحم البقري للمرة الثالثة، وجدها فارغة بالفعل
لم تبقَ قطعة لحم واحدة، بل مرق كثيف فقط، وبالنظر جانبًا، كان الأصلع بجواره يأكل والزيت يقطر من فمه، وخدّاه منتفخان كالبالونات
على الأرجح كان شبحًا جائعًا مُتقمّصًا
بعد تلك الوجبة الدسمة، انقضت الدقائق الثلاثون المخصّصة للاستعداد، فزاد الملاح الدفع
أبحرت السفينة التائهة سريعًا نحو الجزيرة الجديدة، وشاهد شي مينغ وهو واقف على السطح سرعة السفينة للمرة الأولى — كانت أسرع بكثير من القارب الصغير الذي كان ينقلهم جيئة وذهابًا إلى الجزيرة الصغيرة
لم يكن يعرف ما الذي يزوّدها بالطاقة
لقد استحقّت سمعتها كواحدة من سفن التيه 100,001 المبنية بأحدث تقنيات العالم، كمسعى يائس شامل
قبل النزول إلى الجزيرة، كان القبطان قد قسّم معظم الطاقم بعقلانية إلى ثلاثة فرق
أولًا، فريق الصيد
كان فريق الصيد بقيادة القبطان شخصيًا، ومعه الضابط الأول تريم نائبًا، إضافة إلى 15 عضوًا من فريق الاستكشاف، والمرشد ذو الندبة
سيمضون إلى أقصى غرب الجزيرة كما وصف ذو الندبة، يرتدون الأقنعة الواقية، ويستخدمون قنابل الغاز لصيد ما يُسمّى «ملكة العثة»
ثانيًا، فريق الاستكشاف
ظلّ فريق الاستكشاف بقيادة القائد البرج الحديدي، ويضم معظم أعضاء الفريق بإجمالي 20 فردًا، إضافة إلى شي مينغ الذي رسم خريطة توزيع المواد
كانت مهمتهم القيام بالأعمال اليدوية، وجمع المواد من الجزيرة ونقلها، ولا سيما الفواكه والمعادن والأخشاب، وهي مؤن أساسية للسفينة التائهة
وكان من المهم أن يتحرّك فريق الاستكشاف على نحو متخفٍّ وألّا يتسبّب في اضطرابات كبيرة
ثالثًا، فريق الإمداد
تألّف من خمسة من فريق الاستكشاف، وأفراد الطاقم الباقين على السفينة التائهة، وبقية العبيد، وكانت مسؤوليتهم الأساسية تأمين الخدمات اللوجستية، ومنع الطوارئ، وحراسة المعسكر القاعدي
توزّعت المهام بين الفرق الثلاثة، وبمجرد أن رست السفينة التائهة، انشغلوا سريعًا كأنهم نمل عامل
قال القائد البرج الحديدي وهو ينظر إلى خريطة توزيع المواد في يده ويسأل شي مينغ: هذه الخريطة التي رسمتها ممتازة فعلًا، التخطيط واضح، هل درست أي مهارات متعلقة برسم الخرائط
القائد، إنما أفهم القليل فقط
قال شي مينغ بتواضع
لا مزاح، فالرسم وتحليل الخرائط كانا ضمن مهاراته الأساسية
كثيرًا ما احتاج المرتزقة إلى استنتاج معلومات مهمة لمهمة ما اعتمادًا على خريطة تالفة أو غير واضحة يقدّمها ربّ العمل
ومع كثرة ما رأى وتعلّم، أتقن ذلك طبيعيًا
هذا المنجم هو الأقرب، وهو هدفنا الأول
نعم
كان شي مينغ متعجّبًا أيضًا في البداية: كيف يمكن أن توجد خامات على ظهر هذه الجزيرة السلحفاة، وهل هي جزيرة حقًا؟ لاحقًا، حين مرّ ثانية ودرس المكان طويلًا، أدرك أن الموضع ما زال جرحًا على ظهر السلحفاة السوداء، وأن سوائل جسدها تتسرّب من الجرح وتتفاعل مع التربة لتكوّن نوعًا من البلورات
لم يكن يعرف ما الذي عانته السلحفاة السوداء قبل أن تغفو، لتُغطّى بكل هذه الجراح
أمّا ما إذا كانت تلك البلورات تصلح كخام، فلم يجزم
لكن هذا كله لم يكن يهمّه؛ ما يهمّه هو كيف ينفصل ويتحرّك منفردًا
حسَب الوقت، وبعد سير يقارب 32 دقيقة، رأى شي مينغ والبرج الحديدي البلورات السوداء الداكنة تلمع من بعيد
أسرعا في الخطى
وتبعهم أعضاء فريق الاستكشاف عن كثب
ما هذا؟ بلورة دم
إنها فعلًا بلورة دم لقد أصبح الحصاد هذه المرّة ضخمًا
اقترب البرج الحديدي من مكمن الخام، وما إن نظر نظرة خاطفة حتى تعرّف إلى ماهية هذه البلورات الداكنة، فغمرته الفرحة
كانت هذه بلورات تتكوّن من دماء وحوش بحرية قوية، نادرة للغاية، وندرتها تضاهي دم جوهر الوحوش البحرية
سعر بلورة دم واحدة يمكن أن يبلغ 100 عملة بحرية
وعدد 300 عملة بحرية يكفي لشراء عبد بالغ؛ بلورة بحجم كفّ تساوي ثلث قيمة الأصلع تقريبًا
ممتاز ربما سيكون حصادنا أعظم حتى من حصاد القبطان
نظر البرج الحديدي إلى بلورات الدم المتلألئة أمامه، وكتم حماسه الداخلي، وأصدر أمر الحفر
بعد نحو ثلاثين دقيقة، امتلأت السلال الخيزرانية الخمس عشرة التي يحملها فريق الاستكشاف
غدت بلورات الدم البرّاقة أشد بريقًا من الذهب، تتلألأ بوهج فاتن تحت ضوء الشمس
أنتم الأربعة عشر، تعالوا معي لحمل بلورات الدم إلى السفينة التائهة
والبقية، تابعوا الحفر
شي مينغ، ابقَ هنا عندما أعود من هذه الرحلة، سأرفع طلبًا إلى القبطان لضمّك رسميًا إلى فريق الاستكشاف
سأبذل قصارى جهدي
تصرّف شي مينغ بولاء استثنائي
وبدت في عينيه امتنان وفرحة عظيمان لما اعتبره «نعمة الاعتراف» من القائد
وكاد أن يقول: تاه مينغ نصف عمره دون أن يلقى معلّمًا مستنيرًا، ولن يخيّب القبطان لكنّه خشي ألّا يفهم القائد المراد
فمن الطبيعي في عصر التيه ألّا يعرف الناس بعض النكات الرائجة
لم يتطلّب استخراج بلورات الدم أيديًا كثيرة، لكن نقلها فعل ذلك؛ فسلال الخام الخمس عشرة احتاجت خمسة عشر حاملًا
غادر أربعة عشر عضوًا مع القائد البرج الحديدي، وكلّ منهم يحمل سلة خام على ظهره، وعادوا نحو السفينة التائهة
في هذه اللحظة، لم يبق في مكمن الخام سوى سبعة من أفراد الطاقم
واصل شي مينغ الحفر في صمت
وبعد نحو عشرين دقيقة من مغادرة المجموعة، باغت الجميع فجأة، واستلّ السيف الأفقي — وهو سلاح بارد كافأه به النظام — وأسقط اثنين من أفراد فريق الاستكشاف إلى جانبه بضربة واحدة
ثم بدّل سلاحه، وأخرج مسدسًا طراز 92 بي-2037 مزوّدًا بكاتم صوت
ما إن أمسك المسدس حتى شعر كأنه عاد إلى جسده ودوره في حياته السابقة
كانت الطلقات دقيقة وقاتلة
لم يكن هذا وقت الرحمة
لم يُضع الكثير من الوقت، فاستخرج الطلقات المشوّهة من أجساد أفراد الفريق، وجمع على عجل كومة بلورات الدم المُستخرَجة، ثم اندفع نحو الشقّ العميق داخل الجزيرة
كان وقته محدودًا؛ عليه أن يبلغ الشقّ في جزيرة السلحفاة قبل عودة القبطان، وأن يفجّر القنبلة، ويوقظ تلك العثث النائمة
إن وقع أي طارئ أثناء العملية، فستغدو مساحة الخطأ لديه ضئيلة للغاية
ولحسن الحظ، وبسبب معرفته الدقيقة بالطريق، بلغ شي مينغ الشقّ بعد تسع عشرة دقيقة
كان شديد الحساسية للوقت؛ فعندما يركّز كليًا، تبلغ دقته في حساب الزمن حدًّا يقارب ساعة إيقاف
وبتقدير الوقت وسرعة فريق الاستكشاف، ينبغي أن يكون الفريق الحامل لسلال بلورات الدم قد وصل لتوّه إلى السفينة التائهة وبدأ التفريغ
أخرج من مخزون النظام قارورة «غبار التمويه» التي أعطاه إيّاها الأصلع، وفتح غطاء القارورة، وطلى جسده بالمادة المسحوقة
ولدرء الطوارئ، كان قد أعدّ كذلك حفرة محفورة سلفًا يمكنها تجنّب هجمات «العثّات الظمأى للدم»، مع غطاء من غصن شجرة متين فوق الحفرة
وبعد أن أكمل التجهيزات، أخرج مفجّر القنبلة، وضغط برفق زر التفجير الأحمر
دوّي
انفجرت قنبلة الموت المحتوم داخل الشقّ