85
الفصل 85: هل هُزم ليون؟
اشتدّت قبضات المحاربين على أسلحتهم حتى ابيضّت مفاصلهم. أمر ملكهم أجبرهم على التقدّم، لكنه منحهم في الوقت ذاته ما كانوا يتوقون إليه—منفذاً لغضبهم.
دخلوا الساحة كجسدٍ واحد، أسلحتهم تلمع في ضوء الشمس المحتضر، والغبار يدوّي من حولهم كعاصفةٍ تهدر حول هيئاتهم العملاقة.
كانت أفكارهم مشتعلة برغبةٍ واحدة: تحطيم هذا البشري، إذلاله، ومشاهدته يتوسّل.
ابتسم ليون باستهزاء وهو يدير خنجرَيه بلامبالاة، وقفته مرتخية عن عمد، وابتسامته المستفزّة تحمل سخريةً وتحدياً لهم أن يضربوه.
قال بصوتٍ دوّى في أرجاء الساحة:
«هيا إذن… كلكم معاً. لنُضفِ بعض المتعة على الأمر.»
اشتعلت أعين الأورك باللون الأحمر غضباً.
ثم، ومع زئيرٍ هزّ الأرض، اندفع الجنرالات الستة دفعةً واحدة، تتهاوى قوتهم الموحّدة كأنها انهيار جليدي.
أما ليون، بابتسامة مجنون، فقد ثبت نفسه لمواجهة العاصفة.
في البداية، كان الأمر بالغ الصعوبة على ليون.
مواجهة سبعة جنرالات أورك أقوياء وحده لم يكن شيئاً هيّناً. كل ثانية، كل ضربة، كل تفادٍ كان أشبه بلمسةٍ من الموت. ضغطهم الموحّد كان خانقاً، أسلحتهم الثقيلة تهوي مثل صخورٍ ضخمة من جبل. الهواء كان يرتجف مع كل ضربة، والأرض تتشقق تحت وقع خطواتهم، والغبار يتصاعد في موجات كأن الأرض نفسها ترتجف خوفاً من قوتهم.
جسد ليون كان يصرخ ألماً؛ ذراعاه ترتجفان مع كل تصادم بين خنجرَيه وفؤوسهم أو سيوفهم. ساقاه تؤلمانه مع كل التفافةٍ أو دوران، قوة الضربات ترسل صدماتٍ تخترق عظامه. ومع ذلك، بقيت عيناه حادتين، لا تلينان.
كان ذلك جحيماً… لكن وسط هذا الجحيم، بدأ ليون يتأقلم.
كلما طال القتال، ازدادت حركاته سلاسة، وردود فعله حِدّة، وغرائزه، المشحوذة باليأس، ارتفعت لمجاراة وحشيتهم. في البداية كان بالكاد ينجو، يفلت من ضرباتٍ قاتلة بفارق شعرة. لكن مع مرور الدقائق، بدأ يتنبأ بخطواتهم—ليس بعينيه فقط، بل بجسده كله.
حتى من دون النظر، كان ليون يستشعر الخطر من خلفه؛ جلده يقشعرّ، قلبه يدق ناقوس الخطر، وجسده يتحرّك تلقائياً—ينخفض، يتدحرج، يلتف—قبل أن ينقسم نصفين بفأس.
كان يقاتل كمحاربٍ خاض حروباً لا تُحصى، كمخضرمٍ يتذكر جسده ما قد ينساه عقله. مع كل خفقة قلبٍ تطرق ضلوعه، كان يتحرك أسرع، والخوف يتحول إلى دقةٍ قاتلة.
وببطء… بدأ يفرض سيطرته.
جروح طفيفة تنزف على ذراعَيه، كدمات تتفتح على جسده، لكنه ظلّ يبتسم. خنجرَاه يقطعان، يطعنان، ويصدّان بثقةٍ متزايدة. تعاليم “خنجر اللص الإلهي” تجري في عروقه، ضرباته غير متوقعة، وجسده يتمايل كطيف.
رغم الحصار، تمكّن من الصمود. تعادلٌ مستحيل… لكنه واقع.
زمجر الأورك غيظاً. أعينهم المتعجرفة اتسعت كل مرةٍ عجزت قوتهم المشتركة عن إخضاعه. أسلحتهم حفرت أخاديد في الأرض، لكن ليون كان يرقص بعيداً عن مداها، وأحياناً يعاقب تهوّرهم بقطعٍ ينثر دمهم الأخضر.
بالنسبة للجمهور، كان المشهد جنونياً. مئات من جنود الأورك ومدنييهم يشاهدون، هتافاتهم الغليظة تصدح عبر الساحة. في البداية سخروا منه، واثقين أن الجنرالات سيسحقون البشري سريعاً. لكن مع امتداد المعركة، خيّم الذهول على وجوههم.
سبعة جنرالات، فخرهم، أقوى محاربيهم… يتصدّى لهم فتى واحد.
كان ذلك مخزياً. كان إذلالاً.
وأثار غضبهم أكثر.
الجنرالات صرخوا أشدّ، وضرباتهم أثقل، وهجماتهم أشرس. صبّوا المزيد من كبريائهم وغضبهم في كل ضربة. لكن مهما اشتد الضغط، رفض ليون أن ينكسر.
(هذا هو الحد الذي كنت أنتظره…) فكّر ليون وهو يلهث. (حافة اليأس حيث أصبح أقوى).
لكن، حتى مع اتساع ابتسامته، لاحظ أمراً خطيراً.
توقف الجنرالات فجأة.
صدورهم تتردد أنفاسها الثقيلة، عيونهم المتوهجة مثبتة عليه، لكنهم لم يهجموا. بدلاً من ذلك، تضخمت عضلاتهم، عروقهم تنتفخ، والمانا تتدفق بعنف من أجسادهم.
تكاثف الهواء. الغبار ارتفع ليلف السماء مع تصاعد قوتهم.
ابتسامة ليون تزعزعت قليلاً. كان يعرف ما يحدث. لقد رآه من قبل في لوحة إحصاءاتهم.
┏━━━━━━༻❁༺━━━━━━┓
الأورك الطافر [رأس الجماعة السباعية — الجنرال حامِل الفأس]
LVL 29 — HP: 3300
•─────⋅☾ المهارات ☽⋅─────•
الغضب الميسور (المرتبة E): الدخول في حالة الغضب والخروج منها بإرادة. تزايد القوة. قد تستيقظ مهارات إضافية.
سيادة الفأس (سلبي): ذروة إتقان الفأس. قريب من تكوين “نية الفأس”. الضربات أقوى طبيعياً بنسبة +10%.
فخر الأورك الأسمى (سلالة دم): سلالة نادرة من المرتبة S. كلما جُرح كبرياؤهم، ازدادت طاقتهم البدنية والعقلية وقوتهم. قوتهم تتصاعد بلا نهاية في القتال.
┗━━━━━━༻❁༺━━━━━━┛
أرجع الجنرالات رؤوسهم للوراء وزأروا.
أعينهم أضاءت كالنور الأعمى. جلودهم شدّت كالصلب المشدود، وأجسادهم تفجّرت بقوة وحشية. الأرض ارتجفت تحت أقدامهم.
الجمهور انفجر بالهتاف من جديد، وشكوكه السابقة تلاشت وسط جنونٍ محموم. أخذوا يهتفون بأسماء جنرالاتهم، يقرعون الأسلحة على الدروع إيقاعاً.
شدّ ليون شفتيه. كان يشعر بالتغيّر. قوتهم قفزت فجأة—لم يعودوا عند المستوى 29. سلالتهم دفعتهم نحو وحوش بالمستوى 31 أو 32. والأسوأ، أنهم لن يتوقفوا عن الازدياد كلما طال القتال.
(إن واصلت التراجع… سأسحق.)
لم يجرؤ على مجابهة قوتهم مباشرة. لم يعد قادراً على الصدّ. أي ضربة الآن قد تحطم عظامه إن أخطأ لحظة. فصار كالريح مجدداً، يتنقّل بين ضرباتهم، تاركاً قوتهم تضرب الفراغ.
فؤوسهم وسيوفهم انغرست في الأرض، تشقّ صدوعاً ضخمة، لكن ليون كان قد اختفى بالفعل، وخناجره تتلألأ في هجوم مضاد.
(الآن!!)
اندفع نحو نقطة عمياء—خنجره يطعن مباشرةً في حلقٍ مكشوف.
لكن الجنرال استدار في اللحظة الأخيرة، فأسه يعترض بقوةٍ ساحقة. شرر تناثر. ارتدّ ليون إلى الخلف.
اتسعت حدقتاه. (إنهم يتأقلمون بسرعة أكبر. سلالتهم تجعلهم أكثر حدة كل ثانية. هذا ليس مجرد قوة… إنه نمو في الزمن الحقيقي).
أي رجلٍ عادي كان ليقع في اليأس. لكن ليون لم يفعل سوى أن ابتسم أوسع، كاشفاً أنيابه كوحش.
لأن هذا هو ما كان يتوق إليه.
كلما اقترب من الموت، ازدادت قوة تعاليم خنجره.
وفي تلك الليلة، وسط هذا الميدان الوحشي، وتحت هدير آلاف الأورك، أقسم ليون أنه سيخترق حدوده.
بدأت يداه تفقدان الإحساس، قبضته على الخنجر ترتجف قليلاً. العرق لسع عينيه، لكنه لم يملك وقتاً ليمسحه—غرائزه صرخت: خطر.
من يمينه، صفير نصلٍ يشق الهواء، صوته يخترق أذنيه. اندفع بجسده يساراً بكل ما تسمح به إحصائيّة سرعته، متفادياً بصعوبة قوس سيفٍ مشبع بالمانا. النصل اخترق الهواء بجواره بفارق سنتيمترات، قوة المانا تلهب جلده كريحٍ محترقة. لو تأخر نبض قلب واحد فقط، لشطر الضربة نصف جسده.
لم يحظَ بفرصةٍ ليلتقط أنفاسه. أورك آخر اندفع فوراً، سيفه يهوي بقطعٍ عمودي لا رحمة فيه.
(اللعنة!)
دار ليون مجدداً، يتدحرج على الأرض، ثم نهض سريعاً والغبار يتطاير حول حذائه. قلبه يدق بجنون في صدره. كل ضربة يطلقونها كانت تحمل نية قتل، رغم أن الأمر يُفترض أنه مجرد نزال. جسده يئن ألماً من كل موضع، رئتاه تحترقان، وشريط طاقته يتناقص أسرع مما يود الاعتراف به.
(لحسن حظي، هذا ليس قتال حياةٍ أو موت…) حاول ليون إقناع نفسه، لكن الابتسامة المريرة التي شدّت شفتيه فضحت قلّة عزاء هذه الفكرة. مسح العرق عن حاجبيه بظهر يده، الملح يلسع طرف عينيه.
لم يستطع إنكار الأمر: لو تسرّع في البداية، أو لو هاجم ملك الأورك بتهور عند مواجهتهم الأولى، لكان جثةً الآن. مجرد وخزةٍ من رمحه كانت كفيلة بإنهائه. والسبب الوحيد لبقائه حياً هو “السر”. المفتاح المزعوم للهروب من هذا السجن. الشيء الوحيد الذي يمنع ملك الأورك من أن يغرسه في الأرض كحشرة.
تفادى ليون ضربة أخرى، والعرق يتصبّب بغزارة حتى ابتلت ثيابه كلها، جسده يبدو غارقاً بالماء. عضلاته تئن، خطواته تتثاقل، أنفاسه متقطعة. جسده يصرخ مطالباً بالراحة، لكنه رفض التوقف.
(إن فكّرت في الأمر…) حدّث نفسه بمرارة وهو يراوغ مجدداً، (ذلك الملك الأورك لا بد أنه يكتم سيولاً من الغضب. لقد ذبحتُ قروياه من دون رحمة، وقطعت محاربيه كالبهائم، وحتى أذللتُ جنرالاته… لولا “السر”، لكنتُ ممزقاً منذ زمن).
وحينها—انزلقت قدمه.
تأخر خطوته لحظةً واحدة أكثر من اللازم. تأخر تفاديه نفساً واحداً.
شخخ!
«آآاااه!!!»
انغرس سيف أحد الأورك في يده، شاقّاً اللحم حتى بان العظم الأبيض تحت الجلد الممزق. الدم اندفع كنافورةٍ ساخنة وسريعة، يغطي ذراعه بالقرمزي. تدفق مع كل دقة قلبٍ يضرب صدره، يتساقط على التراب حتى اسودّت الأرض تحته.