8
الفصل 8: لا رجعة بعد الآن!
كان ليون مستعداً للانطلاق قريباً. ارتدى ملابس تضمن له أكبر قدر من المرونة. أقسم لنفسه أن الوقوع في الأسر سيكون آخر ما قد يحدث له، وأنه حين يعود ستكون الحبة في يده — مهما كلّف الأمر.
تهيأ للمغادرة، لكنه عند وصوله إلى الباب توقّف فجأة. وكأنه آلة، استدار بسرعة وسار نحو غرفة أمه ليلقي نظرة أخيرة. هكذا ستظل ذكريات أمه وأخته حاضرة في ذهنه — إن حدث له شيء.
آه…
دخل الغرفة، وبرغم أنّ الليل قد حلّ، إلا أن ضوء القمر كان يضيء كل شيء في الداخل. كان البريق الفضي يتسلل عبر النافذة المفتوحة قليلاً، لينثر وهجاً ناعماً على أرجاء المكان، كافياً لرؤية كل شيء بوضوح.
أزاح القناع قليلاً، وألقى نظرة على وجه أمه.
كانت بشرتها شاحبة، وبرغم أن ملامحها بدت هادئة للوهلة الأولى، إلا أن هناك شيئاً… فارغاً خلف ذلك الوجه. شيئاً لا يلحظه سواه. وراء هذا السكون، وراء هذا الصمت — كانت تتألم.
لقد بدأت معاناتها منذ اليوم الذي مات فيه زوجها.
كانت عيناها شاخصتين إلى الأمام، لا ترمش، لا تتحرك — متجمّدة كالحجر. شعرها الأزرق الطويل كان يتحرك أحياناً مع هبات الريح، تسقط بعض خصلاته على وجهها، ثم تتحرك مجدداً. كانت مستلقية بلا حراك. أحياناً تبكي — لكن ليس بكاءً يشبه بكاء الناس. لا نشيج. لا ارتجاف. لا عويل. فقط دموع… تنزلق في صمت على خديها. ثم تأتي اللحظات التي تتمتم فيها بكلمات تحت أنفاسها، غير مفهومة، مبهمة، وكأنها سجينة داخل عقلها.
منذ أن مرضت قبل نحو شهر، تولى ليون دور رجل المنزل. كان عليه أن يتحمل كل شيء في سن صغيرة. مقارنة بالفتيان الآخرين، كان أقوى، أذكى… وأكثر نضجاً.
كان يعمل أعمالاً متفرقة ليكسب المال. لكن مثل هذه الأعمال لم تكن سهلة المنال. ففي هذا العالم، يمكن للسحر أن يعتني بمعظم الأمور. والمنازل — على عكس تلك الهشة الموجودة على الأرض — كانت هياكل متينة، مشيدة لتدوم، يتم بناؤها في أقل من أسبوع بمساعدة الحرفيين المهرة والسحر.
ألقى نظرة أخرى على وجهها، وزفر.
البكاء لم يكن خياراً. هو ليس طفلاً، وليس بكّاءً. الدموع لن تُصلح شيئاً. هو الآن رجل البيت، ويجب أن يتصرف على هذا النحو.
سبب كل هذا كان الإمبراطور.
وقد أقسم ليون أنه مهما كلّف الأمر، سيدفع الإمبراطور ثمن كل ما حدث. لكن لتحقيق ذلك، عليه أن يصبح أقوى. وبسرعة.
بعد أن تأمل والدته قليلاً، حوّل نظره نحو أخته.
كانت تبدو هادئة للغاية، متكوّرة بجانب أمها. وجهها كان يحمل نعومة ساكنة، تلك النعومة التي لا يملكها إلا الأطفال الأبرياء. لقد ورثت شعر أمها الأزرق، بينما ورث ليون شعر أبيه الفضي.
رؤية وجهيهما شدّت عزيمته أكثر. لم يكن بوسعه أن يموت. موته لن يُصلح شيئاً — بل سيحطم عالمهما الهش أصلاً. عليه أن يعيش. عليه أن ينجح.
حتى لو كلّفه ذلك كل شيء آخر.
طبع على جبين كلٍّ منهما قبلة خفيفة.
«لا تقلقي يا أمي، لا تقلقي يا أختي… أخوكما الكبير سيعود قبل أن تلاحظا… سأبقى حيّاً.»
تمتم بها بصوت منخفض، لكن بصدق. حتى لو لم يسمعاه، لم تكن الكلمات لهما — بل له هو نفسه.
ومع ذلك، كان شعور بالقلق ينخر في داخله. شيء ما لم يكن على ما يرام.
خرج بهدوء قدر استطاعته، حريصاً ألا يوقظهما.
ما هذا الشعور؟
شيء عميق في داخله تحرّك. قلق يهدد بابتلاعه. لقد استعد لهذا اليوم منذ وقت طويل — لا مجال للتراجع. أياً كان ما ينتظره، سيواجهه وجهاً لوجه.
هل هذا لأنّها المرة الأولى التي أحاول فيها سرقة شيء بهذه الطريقة؟
حاول أن يجد تفسيراً. لكن جزءاً آخر منه كان يصرخ — هذا ليس مجرد توتر. هناك أمر أكبر يحدث. أكبر مما يراه. أكبر مما يفهمه.
غرائزه لم تخنه من قبل. وهي الآن تخبره — الليلة ستسوء الأمور.
لكن لم يكن بوسعه الانتظار. ليس وأمه مريضة ومحطّمة. لم يتمكن حتى من إدخالها المستشفى — فالتكلفة كانت بعيدة عن متناوله. الطعام والملابس أرهقته أصلاً. لهذا كان عليه أن يفعل هذا، مهما حدث.
ما أسوأ ما يمكن أن يحدث؟
لم يُخبر أحداً — حتى أخته. فكيف لهم أن يعرفوا؟ ومع ذلك، في أعماقه كان يشعر أنها تعرف. تلك المرأة. أليكس.
لم يستطع طرد الفكرة.
حتى لو كانت تعرف أنني أرغب به بشدة إلى حد السرقة… كيف ستعرف اليوم أو الساعة بالضبط؟ إلا إذا كان لديها نوع من التحف التي تُمكّنها من رؤية المستقبل أو شيء من هذا القبيل…
همس ليون لنفسه وهو يتحرك بصمت عبر الغابة.
ورغم أنّها تُسمى غابة، إلا أن كل الأخطار الحقيقية قد أُزيلت منذ زمن بعيد على يد المزارعين الروحيين. وبذلك أصبح كل من في القرية آمناً من التهديدات الداخلية، ويمكنهم تركيز اهتمامهم على الخارج، حيث لا تزال الوحوش تتربص.
كل ما تبقى في هذه الغابة الآن هو حيوانات غير متحوّلة — أرانب، فئران، بوم… أشياء معتادة. أما الوحوش المتحوّلة فكانت تُقضى عليها فوراً. لحمها وأجزاؤها كانت ثمينة ويمكن بيعها بسعر جيد.
كان ليون قد أجرى بحثه بالفعل. كان يعلم أن أليكس لا تتاجر ليلاً.
وصل سريعاً إلى متجر الخيمياء، بعد أن مرّ على بعض القرويين المتأخرين.
لكن هناك شيء كان… خاطئاً.
الشارع الذي يقع فيه المتجر كان خالياً.
لا أثر لروح واحدة.
كان الجو… غير طبيعي. كأن الهواء يحبس أنفاسه.
ما الذي يحدث؟
حتى في الليل، كان يوجد عادة نحو عشرين بالمئة من حشود النهار. لكن الآن… لا شيء.
مع ذلك، لم يتردد. بدأ بكسر النافذة — ببطء، بحذر، محاولاً إحداث أقل قدر ممكن من الضوضاء.
[طنين!]
[يا سيّدي، كان عليك أن ترفع مستواك قبل أن تأتي إلى هنا.]
تباً! ماذا الآن؟ يا لي من أحمق!
عند سماع كلمات النظام، شعر ليون برغبة في صفع نفسه ألف مرة.
لقد اندفع بسرعة كبيرة، ونسي الأساسيات — القوة.
لم يدخل أي زنزانة. لم يأخذ الوقت الكافي لرفع مستواه. لم يكن أحمقاً، بل كان يفتقر إلى المعلومات، وفي لحظة التوتر واليأس لإنقاذ أمه بأسرع ما يمكن، لم يسأل النظام الأسئلة الضرورية التي كان ينبغي أن يسألها.
لكن بما أن النظام ذكر الأمر الآن، حتى لو كان في منتصف العملية، قد يكون هناك أمل لو ساء الوضع. الوضع كان مريباً جداً…
لا يمكنه المخاطرة. إن كان هناك أي معلومة قد تساعده في هذه العملية، فالسؤال الآن هو أفضل طريقة للتعامل مع كل شيء… وبينما لا يستطيع التراجع دون فعل شيء، بالمعلومة قد يتمكن من الموازنة.