74
الفصل 74: ليون ضد الأورك (2)
لكن الوقت كان قد فات.
آخر ما رآه القائد كان خنجر ليون يلمع وهو يشق طريقه نحو حنجرته.
وقبل أن يتمكّن من رفع فأسه، اخترق النصل.
دارت الدنيا من حوله، ورأسه لم يعد متصلاً بجسده.
سقط الرأس على الأرض بارتطام ثقيل، وعيناه ما تزالان متسعتين بالذهول، قبل أن يغمره السواد.
وقف الجسد المترنّح لحظة واحدة، ثم انهار بثقل على التراب.
تجمّد الأورك الباقون في صدمة، وجوههم مرتسمة عليها علامات الرعب.
لكن ما زاد خوفهم لم يكن موت قائدهم، بل ما تلا ذلك—إذ بدأ الجسد يتفكك إلى بكسلات مضيئة.
شيء لم يرَوه من قبل.
لقد قتلوا مخلوقات لا تُحصى طوال حياتهم، لكن لم يختفِ واحد منها بهذا الشكل. كان ذلك جديداً… مخيفاً… عصياً على الفهم.
وكل هذا بسبب ذاك الكائن الغريب—ليون.
ابتلعوا ريقهم بصعوبة. غرائزهم كانت تصرخ: اهربوا!
لكنهم أورك.
والأورك لا يهربون. كبرياؤهم أعظم من حياتهم. كانوا يفضلون الموت على الفرار.
ومع زئير دوّى في السافانا، اندفعوا نحو ليون، قلوبهم تغلي بالغضب.
وجوههم المشوّهة ازداد تشوّهاً، تفيض كراهية لم يرَ ليون مثلها من قبل.
حين هاجمهم أول مرة، ظنّوه مجرد مخلوق تافه يتجرأ على عضة العمالقة.
الجُرح السطحي الذي ألحقه بأحدهم كان أقرب إلى الإهانة.
وحين طار بعيداً، استسلموا وتركوه. فهم لا يملكون أجنحة.
ظنّوه قد هرب.
لكنهم لم يتوقعوا أن يعود ليرتمي فوقهم بنية القتل، ويقطع رأس قائدهم.
الآن، كبرياؤهم لا يرضى إلا بدمه.
أما ليون، فابتسم ببرود.
رغم أن هؤلاء المخلوقات أعلى منه بأربع مستويات، إلا أنه ما زال يملك الأفضلية: سرعة أرقى، ذكاء أرقى.
ولم يكن ليستغلها عبثاً.
انتشر الأورك في دائرة تحيط به، فؤوسهم مرفوعة.
ابتسم ليون بخبث:
“على الأقل تفهمون فكرة الأعداد… لكنكم نسيتم شيئاً واحداً.”
وما إن انطلقت فؤوسهم، حتى فعّل “اندفاع المانا”، فقذف جسده ثلاث أمتار في الهواء قبل أن يلتف ويسقط خلف أحدهم.
لكن الأورك كان يتوقع ذلك، فاستدار بفأسه نحو ليون.
تراجع ليون بسرعة، متفادياً الضربة الثقيلة، ثم اندفع للأمام بخفة البرق.
اخترق خنجره الجسد، وهذه المرة كان الجرح أعمق.
ركّز ليون على ذاك الأورك وحده، متجاهلاً ضربات الخمسة الآخرين، يتفاداها بجسده المرن كالأفعى، بينما يمطر فريسته بطعنات متواصلة.
جرحٌ فوق جرح، حتى غدا جسد الوحش ينزف بغزارة، وقوته تتضاءل.
اندفع الأورك بكل ما تبقى له من قوة، مدركاً أن إن لم ينهِ القتال سريعاً، فسيموت.
لكن حركات ليون كانت سلسة، تتلوّى بين الضربات، وخناجره ترد بقطعٍ في كل مرة.
حتى أطلق الأورك زئيراً أخيراً قبل أن يسقط على التراب، روحه تغادره.
تنفّس ليون ببطء، عينيه مثبتتين على الجثة.
“اثنان انتهيا… بقي خمسة.”
لم يتفاجأ حين لم يسقط شيء من جثة الأورك. كان يتوقع ذلك تماماً.
لكن رغم توقّعه، أحزنه أن يعرف أن القطع النقدية والأدوات لن تتساقط بعد الآن. الأرض الفارغة حول البكسلات المتلاشية كانت إهانة باردة.
أدار ظهره للجثة، وواصل معركته مع الباقين.
الأورك كانوا أشداء، أجسادهم صلبة كالحديد، وحتى مع سرعته المتفوّقة، كان إيصال ضرر فعلي لهم صعباً.
ركّز على واحد، يُبقيه أمامه، بينما يتفادى الأربعة الآخرين مستعيناً بحدسه وخبرته.
مواجهة خمسة دفعة واحدة كانت جحيماً—خصوصاً أنهم أورك مخضرمون، جلودهم سميكة، وأذرعهم طويلة، وفؤوسهم قادرة على تحطيم الصخور.
ولم يكن ليون يملك طاقة لا نهائية. علم أن مواصلة الرقص بينهم بلا تقليص عددهم ستؤدي إلى إنهاكه… ثم ضربة واحدة نظيفة كفيلة بإنهائه.
ضغط على أسنانه بعناد، وواصل.
مهما حدث، لا يمكنه أن يموت هنا. إن مات الآن، فكل ما فعله حتى الآن سيضيع هباءً.
زفر بقوة، واندفع في الهجوم.
في تلك اللحظة، هاجم أحد الأورك بفأسه بسرعة مذهلة وببراعة متقنة. بالكاد انزلق ليون بعيداً عن المسار الرئيسي للضربة.
لكن حافة الفأس خدشت ساقه، ممزقة جلده، تاركة خطاً محترقاً ملتهباً عبر ساقه.
تأجج الألم. لكنه سحق رغبته في الصراخ.
بالنسبة لمن بلغ المستوى 21، لم يعد هذا الألم شيئاً. يمكنه تحمّله.
مقارنة بعذابات “صحوة النظام”، كان هذا لعب أطفال.
لكن الإصابة المفاجئة كانت صفعة قاسية؛ لقد ظنّ أنه تفادى الضربة تماماً… لكنه لم يفعل.
الجروح بدأت تتراكم—خدوش صغيرة، شقوق سطحية، لسعات حارقة بالعشرات تنهك أنفاسه وتركيزه.
ومع أن إصاباته تتزايد، كان الأورك ينزفون بدورهم. وإن ببطء.
حتى سنحت فرصة. الأورك الأكثر إصابة بالغ في اندفاعه—فأسه هبط أدنى من اللازم.
خنجر ليون البلوري لمع، وشق صدره، ناصباً قلبه هدفاً.
أطلق الأورك أنيناً أجش، وعيناه ارتجفتا نحو رفاقه بنظرة حائرة، تكاد تكون بشرية… ثم هوى جثةً هامدة.
فما إن رأى الأربعة الباقون ذلك، حتى انفجروا بزئير غاضب، حناجرهم متشققة، وعيونهم محمّرة.
في البداية، ظنّوا ليون مجرد مخلوق ضعيف من جنس واهن، محظوظ في أحسن الأحوال، نال من قائدهم بالصدفة.
لكن ثلاثة من إخوتهم قد ماتوا الآن.
لم يعد الأمر مزحة.
إن لم يأخذوه على محمل الجد، سيكونون هم التاليين.
ما هزّ كبرياءهم أكثر هو أنه كان يستخدم خنجراً صغيراً غير مهيب، ومع ذلك يفتك بهم ببطء.
وكلما قاتلوا بعنف أكبر، تأقلم هو أسرع.
لقد ظلّوا يتقاتلون قرابة ساعة كاملة، وليون بدأ يقترب من حدود طاقته.
كان عليه أن ينهي المعركة الآن. لكن مهما بحث في ذهنه، لم يجد طريقة مثالية لإنهائها.
ما أرعبه أكثر هو صمودهم الوحشي.
من معرفته بأورك “هارث”، حتى أضعفهم يمكنه القتال بأقصى طاقته لساعات دون توقف.
قد لا يدركون ذلك، لكن ليون يعرف الحقيقة: إن طال القتال، فسوف يسحقونه بالاستنزاف.
زمجر ودفع المانا عبر مساراته بسرعة مضاعفة.
في المستوى 21، بات تحكمه أنقى مما كان عليه في المستوى 15—دورات أوضح، قنوات أضيق، واستعادة أسرع.
خزان طاقته أعمق. شريط حياته أثخن.
أغرق خنجره البلوري بالمزيد من المانا حتى بدأ يطنّ بخفة، فيما هو يدرس إيقاع حركاتهم بعين صياد يقرأ المدّ والجزر.
الأورك مباشرو الأسلوب. أنماطهم ليست دقيقة—إنما قوة ملفوفة بالاندفاع.
لم يجرّب قراءة كهذه من قبل، لكن اليأس يفتح أبواباً جديدة.
الفؤوس مخيفة، نعم… لكنها محدودة. تُسحق وتُقطع، لكنها لا تناور.
وبفضل قوتهم الهائلة، كانوا يلوّحون بها بلا جهد. وهذه الصفة وحدها كانت كافية لتجعلهم يخرجون منتصرين في عشرات المعارك. ضربة واحدة، وربما اثنتان، تكفي لتحطيم الخصوم.
لكن تلك البساطة ولّدت غروراً… عادة التسيّد.
على عكس العفاريت، لم يتعاملوا معه بحذر حتى عند رؤيتهم إنساناً لأول مرة.
ولو كانوا حذرين، لما قتل قائدهم بتلك السرعة.
غرورهم هو الذي فتح الباب.
لكن الآن، ذاك الغرور تلاشى. الآن يقاتلون كجلادين—حركات منضبطة، خطوات محسوبة، بلا أخطاء واضحة.
ومع ذلك، تقنيات الفأس أضيق مجالاً من السيف أو الخنجر.
والمسار الضيق يمكن نصبه في فخ.
انزلق ليون داخل قوس ضربة، وغرس خنجره في فخذ أحد الأورك.
اخترق النصل الجلد، فالعضلات، حتى لامس العظم.
عوى الأورك وسقط على ركبته، متكئاً على فأسه. الدم تدفّق بغزارة على ساقه.
ارتسمت ابتسامة شريرة على شفتي ليون:
“بهذا الجرح، لن تتحرك كما يجب… وحين أجد الفرصة، سأُنهيك.”
قبض الأورك على جرحه وزمجر—غضب، وألم، وخوف مختلط معاً.
ثم وكأن شرارة أخيرة أُشعلت فيه، اندفع بجنون أعمى.
لقد علم أنه هالك، لكنه أراد جرّ ليون معه.
وفي تهوّره، نسي شيئاً: أن ليون يستطيع الطيران.
قذف فأسه كلوح حديد دوّار، ثم اندفع خلفه بسرعة هائلة.
صرخت غرائز ليون.
فعّل “اندفاع المانا”، وقفز عالياً، والفأس يخترق الفراغ الذي كان واقفاً فيه لحظة مضت.
زفر ببرود، وعيناه تلمعان، فيما الأورك المصاب يحدّق به مذهولاً غير قادر على استيعاب ما يراه.
“نسيت أنني أستطيع الطيران، أليس كذلك؟” ابتسامته تحولت إلى قسوة.
هبط بسرعة. خنجره قبّل عنق الأورك وغاص عميقاً.
صوت هشيم انكسر تحت اللحم.
اندفع الدم ساخناً عبر ذراعه. عينا الأورك اتسعتا غضباً ورعباً، يترنح وهو يحتضر، يحاول التلويح بفأسه.
لكن ليون لم يمنحه فرصة. انحنى بخفة، متفادياً ضربة أخرى بالكاد، وأنهى حياة الوحش بضربة نظيفة.