73
الفصل 73: ليون ضد الأورك
كانت استجابة ليون سريعة. لمعان مخالبه الفولاذية شقّ الهواء وهو يذبح بلا رحمة—حلقٌ مشقوق، وصدرٌ مثقوب. سقطت أجسادهم الثقيلة على التراب.
تجاوزهم بخطوات ثابتة، واتجه نحو جثمان الملك الذي بدأ يتفكك إلى بكسلات متلاشية. ومن حزامه، استخرج خنجرين بلوريين متطابقين.
وفي اللحظة نفسها، سقط كيسان ثقيلان برنين معدني—وزن العملات الذهبية لا يخفى.
انحنى ليون والتقطهما، ابتسامة جانبية ترتسم على شفتيه.
لم يبقَ سوى الحشد.
كان القرويون قد تجمّعوا بالفعل في ساحة السوق، ينتظرون ملكهم.
مثالي.
بعد دقائق، وقف شاب في السابعة عشرة تقريباً، طويل القامة قوي البنية، في وسط السوق. في كل يد خنجر بلوري يلمع بضوء شرس، وابتسامته ملتوية كابتسامة شرير.
قال بصوت بارد يسمع في الساحة كلها: “أعلم أنكم أبرياء… لكن للأسف، أحتاج إلى قتلكم كي أرتقي.”
وحين انتهى الذبح، كان ليون واقفاً وسط جثث العشرات من العفاريت التي تتلاشى ببطء. الأرض غارقة بالدماء، والهواء مثقل برائحة الموت.
تنفّس بعمق وهو يقول: “هاه! المستوى 20 أخيراً… كل ما تبقى هو صيد بعض مخلوقات الغابة كي أصعد أكثر.”
لم يستسلم العفاريت للذبح بهدوء؛ كثير منهم هجموا بأسلحتهم البدائية ومخالبهم، وبعضهم فرّ مذعوراً. لكن لم ينجُ أحد.
وبين الجثث، اكتشف ليون الحقيقة.
كان ملك العفاريت هو الزعيم الفعلي للزنزانة.
لكن كان هناك آخر أيضاً—عفريت قوي مختبئ بين القرويين. وما إن قتله ليون حتى كشف النظام هويته: زعيم القرية، الرجل الثاني بعد الملك.
لم يكن ليون يعرف ذلك حتى تلك اللحظة. مفاجأة أخرى… وقتل آخر.
ترك القرية خلفه، ودخل الغابة مجدداً.
انطلق في الصيد بلا هوادة.
بعض الوحوش كان مألوفاً، تذكّره بوطنه القديم. لكن بعضها الآخر كان غريباً، كائنات غريبة الشكل. ومن أعجبها “الوحول الحيّة”—مخلوقات جيلاتينية لزجة تزحف على الأرض.
لكنها أثبتت أنها الأخطر. فقد كان وحلها ساماً وقابلاً للتآكل، يحرق السلاح واللحم على حد سواء.
وحين أنهى صيده، كان جسده مغطى بالجروح، وعضلاته تصرخ من الألم بعد قتال لا يحصى.
هوى على الأرض متعباً، ثم أخرج إكسيراً. بقطرة واحدة فقط، انتشر الدفء في جسده، جروحُه تُغلق، ألمه يتلاشى، وقوته تعود.
زفر بارتياح طويل… لكن الراحة لم تدم.
إذ ظهر إشعار مألوف أمام عينيه:
┏━━━━━━━━━༻❁༺━━━━━━━━━┓ لديك 30 ثانية لمغادرة هذه الزنزانة!
الوقت: 30 ثانية ┗━━━━━━━━━༻❁༺━━━━━━━━━┛
مسح ليون الغابة بعينيه بلهفة حتى رآه—دوّامة متلألئة على بُعد.
تمتم ساخطاً وهو ينهض: “لم يُتح لي حتى أن أرى مكافأة اغتيال ملك العفاريت… اللعنة.”
اندفع راكضاً نحوها وقفز.
واختفى العالم كله في ظلام حالك.
وحين عادت الرؤية، وجد ليون نفسه في مكان مختلف تماماً.
تأمّل ما حوله بحذر.
أرض تمتد كسافانا بلا نهاية. أعشاب طويلة تتمايل مع الرياح الجافة، شجيرات متناثرة، وأشجار وحيدة تقف تحت شمس لا ترحم.
الحرارة خانقة، تكاد تسحق أنفاسه.
حتى بقوة جسده كإنسان متفوّق، انهمر العرق على جسده، وصدره يعلو ويهبط بثقل.
أول ما فعله أن زحف إلى ظلّ شجرة.
زمجر بانفعال: “وما هذا الآن!؟ اللعنة على كل شيء!”
كان هذا المكان يستنزف صبره.
لكن فجأة تجمّد.
أصوات.
همسات غريبة. وقع خطوات ثقيلة تخترق الأعشاب.
توتّر جسده فوراً. انخفض وسط شجيرة، متخفياً.
ومن بين الأعشاب العالية، راقب.
لم يطل الأمر حتى ظهروا—سبعة مخلوقات بشرية غريبة، يسيرون في صف، يتحدثون بصوت مرتفع متعجرف.
بشرتهم رمادية، أجسادهم ضخمة وعضلية، وجوههم مشوّهة بملامح خنزيرية، أنياب سفلية بارزة كأنياب الخنزير البري. شعر خشن يغطي أجسادهم، وقاماتهم منحنية، بدائية.
لكن واحداً منهم كان مختلفاً—أكبر وأقوى، وأذناه مدببتان مثل ذئب، أقرب لشكل إلفي.
كانوا بحجم البشر تقريباً، لكن أوسع وأثقل، طولهم بين ستة أقدام وستة ونصف، ووزنهم يتجاوز 200 باوند بسهولة.
تضيّقت عينا ليون، قبضته تنغلق غضباً مكبوتاً.
“ماذا!? عليّ أن أقاتل الأورك الآن!؟”
شعر ليون بالانزعاج، لكنه لم يفكّر كثيراً.
ففي موطنه القديم “هارث”، كان الأورك من الكائنات الغريبة المتحوّرة التي ظهرت من الشقوق والزنزانات غير المستقرة.
وكانوا مشهورين ومرهوبين لأجل شيء واحد—قوتهم المجرّدة.
الأورك لم يكونوا كائنات يُستهان بها، وكان ليون متيقناً أن لديهم قرية مثلما كان للعفاريت في الزنزانة السابقة.
ومن بين ملايين الأجناس العاقلة المنتشرة في الكون، كان الأورك من القلائل الذين حملوا شخصية مباشرة ووحشية.
يعتمدون على القوة الغاشمة في كل شيء: حرب، بقاء، أو حتى خلافات يومية.
متغطرسون ومتكبّرون، يرون الآخرين دوماً أقل شأناً. دماؤهم حامية، يعشقون الحرب ويعدّونها أفضل ساحة لإخضاع الخصوم.
نادراً ما تجد أورك لا يستشيط غضباً بسهولة.
لكن مقابل هذا التهوّر، صُنِعوا وحوشاً مهيبة. فقوتهم تحتلّ مراتب متقدمة بين أول خمسين جنساً بشريّ الشكل في الكون.
وهناك أجناس مشابهة: جنس المينوتور، وثيران الطغاة، وكثير من الكائنات ذات الهيئة الثورية. حتى التنانين تشترك معهم في بعض الصفات، وإن كانت أقل تهوّراً، وأكثر تحكّماً رغم كبريائها.
معظم الأورك يفضّلون الفؤوس، ويزدَرون الخناجر. فالشفرة الصغيرة لا تبدو مهيبة بما يكفي. أورك يحمل خنجراً أمر نادر جداً.
…
بينما كان ليون يراقب بصمت من بين الشجيرات، واصل الأورك سيرهم، يتحدثون بصوت عالٍ، بلا مبالاة، وأصواتهم الغليظة تتردّد في السافانا.
زفر ليون بهدوء قبل أن يتبعهم، حذراً ألا يُصدر صوتاً.
ومن اتجاه سيرهم، قرر أن هذه فرصته المثالية. فلو كان محظوظاً، ربما تكون قريتهم في ذلك الطريق. لكن أولاً… عليه أن يتعامل مع هؤلاء هنا والآن.
باندفاع خاطف، نفّذ هجوماً مباغتاً. استهدف أضعف الأورك في مؤخرة الصف، غارساً خنجره البلوري بنيّة القتل بضربة واحدة.
لكن لدهشته، لم يخلف الطعن سوى جرح سطحي.
اتّسعت عيناه. الجرح ضحل، الدم يسيل ببطء، لكنه بعيد عن أن يكون قاتلاً.
التفت الأورك ببطء. كانوا شبه عراة، أسمالهم بالكاد تغطي أسفل أجسادهم. أقواهم بدا مميزاً بعصابة رأس بدائية مشدودة على جبينه، تضفي عليه هيبة إضافية.
لكن ما أقلق ليون لم يكن مظهرهم—بل صلابتهُم.
على مضض، واجه الحقيقة، فيما نافذة النظام انبثقت أمامه:
┏━━━━━━༻❁༺━━━━━━┓ أورك عادي
المستوى: 24 النقاط الحيوية: 1890
─────⋅☾ الإحصاءات ☽⋅─────• القوة: 344 التحمّل: 258 السرعة: 172 الدفاع: 325 الذكاء: 26 ┗━━━━━━༻❁༺━━━━━━┛
رغم أن ذكاءهم مثير للشفقة، إلا أن الأرقام وحدها جعلت صدر ليون ينقبض.
قوتهم، تحمّلهم، ودفاعهم وحدها تعوّض عن بطئهم وغبائهم، وتجعلهم خصوماً مرعبين.
اشتعلت أعين الأورك الصغيرة بالغضب، ولوّحوا بفؤوسهم الضخمة.
تمتم ليون بين أنفاسه وهو يتراجع بخفة، متفادياً ضربة سحقت المكان الذي كان يقف فيه: “ما الذي أفعله؟… أأهرب؟ أم أواجههم وجهاً لوجه؟”
زمجر الأورك غاضبين من مراوغته.
فكّر ليون سريعاً، ثم أدرك الحقيقة.
الهرب بلا فائدة. سيصطدم بهم لاحقاً إن هاجم قريتهم—لكن حينها سيواجه عدداً أكبر.
لا. الأفضل أن ينهي أمرهم هنا.
عضّ على أسنانه، وعيناه تلمعان بوميض بارد. كان يريد أيضاً أن يتفقد مكافآت الزنزانة السابقة.
اتخذ قراره. سيستغل الجاذبية والطيران لصالحه.
أطلق المانا في جسده مفعّلاً “الطيران بالمانا”. ارتفع عن الأرض بسلاسة، مذهلاً الأورك في الأسفل.
صرخوا بوحشية، يلعنونه بلغتهم الغليظة، مقتنعين أنه يفرّ. لوّحوا بفؤوسهم ساخرين، يقذفونه بالشتائم.
لكن ليون لم يكن يهرب.
في ومضة، غيّر اتجاهه واندفع للأمام، جسده يُقذف كالسهم بفعل “اندفاع المانا”، سرعته تتضاعف وهو يوجه نفسه مباشرة نحو القائد.
ابتسامته اتسعت.
“غرورك سيكون نهايتك. ظننتم أن الجرح السطحي لأضعفكم هو أقصى ما أستطيع؟… سأريكم العكس. هذه ستكون آخر دروسكم في الحياة.”
التفت القائد أخيراً عند صرخات رجاله الملحّة—