72
الفصل 72: قرية العفاريت
ثم هوى أرضاً.
لقد أدّى السمّ مهمته.
ظهرت ثلاث إشعارات من النظام أمام عيني ليون، لكنه تجاهلها.
“حان الوقت لأحصل على الخناجر… ثم أُبيد هذه القرية بلا رحمة.”
تجمّد الحرّاس في أماكنهم، وقد أصابهم الرعب من انهيار ملكهم المفاجئ. لكن سرعان ما تحوّل الذهول إلى غضب حين وقعت أنظارهم على ظلّ ليون.
زمجروا وانقضّوا نحوه، وخناجرهم تلمع بالوحشية.
كانت خطته بسيطة: استخدام تلك الخناجر كسهام. فمع هذا السمّ، حتى جرح ضئيل يكفي للقضاء على الملك.
وحين أعدّ ثلاثة سهام، لم يتردّد لحظة.
الأول ألقاه مباشرة نحو عنق ملك العفاريت.
الثاني صوبه إلى الجهة الأخرى من رقبته.
أما الثالث فاستقرّ هدفه على ساقه.
انطلقت السهام كخيوط برق في الهواء، متجاوزة الحراس قبل أن يقدروا على ردّة فعل. وفي رمشة عين، اخترقت جسد الملك.
ترنّح الملك، وعيناه تمتلئان بالذعر. أمسك بأحد الأسهم، فانتزعه غاضباً، ثم نظر إليه. عندها اتّسعت عيناه فجأة.
لقد عرفه.
كان واحداً من الأسهم المسمومة التي أمر من قبل برميها والتخلّص منها.
تقلّصت ملامحه بغضب، وجال ببصره حول المكان، يبحث بحنق.
لكن لم يكن هناك شيء ليجده.
إذ كان ليون قد انخفض بالفعل داخل الظلال، يختفي عن الأنظار.
زمجر الملك وأطلق أوامر صارمة لحارسيه. ارتعد المحاربان ذوو البشرة الخضراء، لكنهما أطاعا، وانتشرا بحثاً عن القاتل.
غير أنّ الملك لم يمضِ بعيداً، حتى بدأ يتمايل ثانية. صار تنفّسه واهناً، وزبد أبيض يتصاعد من فمه.
. . .
كان ليون واقفاً على بقايا صيّادي العفاريت المتفككة، حين أطلق تنهيدة.
“قتال مجموعة من العفاريت أصعب مما توقّعت. إن لم أستطع التعامل مع هذا العدد القليل بإتقان، فكيف سأذبح القرية كلها؟”
تنفّس بعمق، وهو يستعيد ذكرى انهمار السهام عليه من كل اتجاه. يومها، لم يجد خياراً سوى أن يسحق جسده بالأرض ليتفادى الطعنات.
ومع ذلك، توقّع أحد العفاريت حركته تلك. شدّ قوسه ببطء، وتمكّن من إصابته. لم يكن السهم قد غاص عميقاً، إذ لم تكن قوة العفريت كافية لذلك، لكنه مع ذلك أوجعه.
دون تردّد، قبض ليون على السهم، قطع عوده بمخالبه الفولاذية، ثم سحب رأسه المعدني من جسده ببطء. سال الدم يغمر رأس السهم ويتساقط على التراب، لكنه تجاهل الألم كلياً.
كانت العملية مؤلمة، لكن لا تقارن بوحشية ما تحمّله أثناء “صحوة النظام”. ذلك العذاب لم يكن له مثيل.
فكّر في استخدام إكسير، لكنه هزّ رأسه. لا يمكن أن يبدّد مورداً ثميناً على جرح سطحي.
فصبر حتى أخمد الألم جانباً وتجاهله تماماً.
…
لكن فجأة، دوّى صوت أوراق تتحرّك، قاطعاً أفكاره. استدار بحدّة، فإذا عيناه تقعان على عفريتة أنثى. تجمّدت في مكانها، ورعبٌ غائر يكسو وجهها.
“همم…”
يبدو أنها لم تدرك بعد أنه رآها.
حدّقت فيه بعينين مذعورتين، ثم حاولت التسلّل عائدة إلى القرية.
لكن ليون لم يكن ليدعها تفلت. فقد علم أنّها إن وصلت لتنذر الآخرين، أو بلّغت الملك، فإن خطته كلها ستنهار.
في ومضة، اندفع بأقصى سرعة، ليقطع طريقها ويظهر أمامها فجأة.
تعثّرت وتوقّفت، ثم هوت على ركبتيها.
لقد شاهدت بعينيها كيف مزّق ليون الصيادين بلا رحمة، وعرفت أن لا أمل لها في مقاومته. لم يبقَ أمامها إلا أن تتوسّل الرحمة.
شبكت يديها وانحنت أرضاً. خمّن ليون أنها تصلّي.
“لا أعلم من هو حاكمك… لكني واثق أنه لن ينقذك الآن.”
مع هذه الفكرة، قبض قبضته، فاندفعت مخالبه الفولاذية. سدد ضربة سريعة إلى بطنها.
ضربة واحدة كانت كافية. سقط جسدها خامداً، وغادرتها الحياة.
بعد أن تأكّد من موتها، زفر ليون واستدار عائداً نحو القرية.
“هؤلاء الصيادون بائسون. لا كتب لديهم، حتى هذه الأنثى لا تحمل شيئاً. متى سأجد واحداً منهم غنياً؟” تمتم محبطاً.
…
تابع طريقه وهو يهمس لنفسه:
“لم أنتبه حتى أنّ المكان الذي قاتلت فيه الصيادين لم يكن سوى مدخل القرية، وهو الممرّ الواصل بالغابة.”
فعّل مهارة الإخفاء، وبدأ يتحرّك خفية، حريصاً ألا يجذب الأنظار.
كلّما اقترب منه عفريت، غاص في الظلال متوارياً، حتى يخلو الطريق. كرر الأمر مراراً حتى بلغ أخيراً البنية الخشبية المظلّلة.
“تفادي العفاريت أصعب مما تخيّلت. والآن… حان وقت تنفيذ خطتي العبقرية.” قالها وهو يزفر، متعباً.
رأى أمامه أداة بدائية: عصا غليظة بجانب قطعة ضخمة من البامبو المجوّف.
التقطها، وابتسم بمكر.
“حتى هؤلاء العفاريت أذكياء بطريقتهم. صنعوا طبلاً خشبياً من البامبو… لكن للأسف، سيكون سبب هلاكهم. بل في الحقيقة… لا، لست آسفاً على الإطلاق.”
رفع العصا وضرب البامبو.
دونغ!!!
دونغ!!!
…
دونغ!!!
دقّه سبع مرات متتالية.
“فلنأمل أن يكون إيقاعي قريباً بما يكفي من طريقتهم.”
ما إن انتهى، حتى انسحب مبتعداً عن البناء، واختبأ في زاوية بعيدة عن الساحة الرئيسية، يراقب ردود فعلهم.
نجحت الخدعة.
إذ ترك كل عفريت ما بيده وهرع إلى البنية المظللة. تجمعوا في الساحة، يتهامسون متسائلين عن سبب استدعائهم.
“إذن، كان حدسي صائباً. هذا الطبل يُستعمل لاستدعاء العفاريت لاجتماع عام كلما أراد الملك إعلان أمر مهم.”
انتظر حتى امتلأت الساحة، ثم انسحب بهدوء.
“كل ما عليّ فعله هو قتل الملك قبل أن يراني. إن كان وحده، فالأمر سهل. أما مع حراسه، فسيصعب كثيراً…”
ألقى نظرة على السهم المسموم الذي يحمله—ذلك الذي تخلّى عنه العفريت الرامي.
“حتى مع هذا السهم، لن يكون الأمر سهلاً… لكنه سيمنحني أفضلية.”
كان ليون قد تعمّد استدعاء القرويين إلى الساحة ليخلق فرصة مثالية للتسلّل إلى قصر الملك. فلو رآه عفريت يتجوّل علناً، لانتشر الهلع، وربما أبلغ الملك، وعندها تتلاشى فرصه.
“إذن هكذا يكون شعور القاتل المتخفّي؟” تمتم بابتسامة متجهّمة.
“التسلل إلى بيت أحدهم، وإنهاء حياته بضربة صامتة… الآن عرفت مدى صعوبة هذه المهنة.”
مستعيناً بالخريطة الذهنية التي رسمها من فوق الشجرة، شقّ طريقه بسهولة إلى قصر الملك. فقد حُفرت ملامح المكان في ذاكرته الحادّة.
أطلّ أمامه منزل الملك—أكبر وأقوى مبنى في القرية بأكملها.
انخفض ليون قرب الجدار، يضيّق عينيه.
مثل باقي البيوت، لم يكن له باب، بل فتحة بارتفاع 1.4 متر وعرض يتراوح بين 30 و50 سنتيمتراً—تكفي الملك للمرور براحة.
“تسفّه! حتى الملك لم يكلّفوه بباب حقيقي. توقّعت منهم بعض الذكاء على الأقل… لكن لا. رغم أن هذا المكان أكثر صلابة، فهو لا يختلف كثيراً عن بيوت القرويين.”
لكن شيئاً لم يكن طبيعياً.
الحراس.
فحين رآهم من فوق الشجرة آخر مرة، كان حارسان قويان يحرسون المدخل. أما الآن، فقد اختفوا.
“غريب… هل استدعاهم الطبل؟ أم أن هناك سبباً آخر؟”
أيّاً يكن، لم يتردّد.
“لا بأس. لن أدع هذا يعرقل مهمتي. حان الوقت لمعرفة إن كان الملك في الداخل.”
بحث عن فجوة بين ألواح الخشب. وكما توقّع، وجد أكثر من واحدة.
اقترب، وتلصّص عبرها—
فاتّسعت عيناه.
“الملك… ليس هنا!؟ لقد اختفى مع حراسه!؟”
في البداية شعر بالحيرة، لكنه سرعان ما رآه يخرج من منزل آخر، يتبعه الحارسان.
كانوا يسلكون الطريق المؤدي إلى السوق.
“همم… الآن بعد أن أصبح الحارسان بجانبه، سيصعب الأمر. عليّ أن أقتله بسرعة. فهم ذاهبون إلى الساحة ليتحققوا من مصدر النداء.”
بدأ ليون يتعقّبهم بخطوات بطيئة مدروسة، كظلّ لا يُسمع له أثر.
ومن أداته، أخرج الأسهم التي تخلّى عنها الرامي. ثم غمس رؤوسها الحادة في كيس السمّ الأحمر اللزج، حتى غطتها طبقة قاتلة تلمع بالموت.