70
الفصل 70: قرية العفاريت (2)
بعد أن أخذ نفساً عميقاً، ألقى ليون نظره نحو القرية من أعالي الشجرة.
كان على ارتفاع يزيد عن عشرين متراً، وكان بمقدوره أن يتسلق أعلى إن لزم الأمر، لذا كان واثقاً من قدرته على جمع ما يكفي من المعلومات.
ليون لم يكن بشرياً عادياً—فكل جزء في جسده تعزز مع كل مستوى ارتقاه. لذا، ورغم أن كل ما تحته كان يجب أن يبدو صغيراً وبعيداً من ذلك الارتفاع، فإن بصره الحاد مكّنه من رؤية التفاصيل وكأنها أمامه مباشرة.
وأول ما لفت نظره كان قصر الملك. كان أكبر من جميع البيوت الأخرى ومبنيّاً من مواد أقوى. جدرانه من الخيزران السميك، أما سقفه فمصنوع من ورقة نبات لم يرَ مثلها من قبل. ومن سماكة سطحها وصلابتها، أدرك ليون أنها قادرة على تحمّل أعنف الأمطار. كانت تشبه ورقة الموز، لكنها أكثر كثافة وصلابة، بحيث يستحيل تمزيقها بسهولة.
وبسبب ذلك، كانت مثالية لتغطية الأسطح في بيئة بدائية. أعجب ليون بذكاء العفاريت. وأدرك أن خصومه هذه المرة لم يكونوا مجرد وحوش غبية مثل الذئاب المتحولة، تلك التي ما تزال في بدايات تطورها نحو هيئة المستذئبين، بل عفاريت حقيقية وصلت بالفعل إلى شكلها الشبيه بالبشر وتمتلك قدراً ملحوظاً من الذكاء.
صحيح أن ذكاءهم لا يرقى إلى البشر، لكنه أبعد ما يكون عن السذاجة.
هؤلاء كائنات ماكرة وشريرة—أكثر دهاءً من أي شيء واجهه من قبل. ومن معرفته القديمة، كان يدرك أن العفاريت أيضاً شديدة الشهوة، على استعداد لفعل أي شيء لإرضاء رغباتها.
قبض ليون قبضته بقوة. كان يعلم منذ البداية أن الأمر لن يكون سهلاً—بل بعيداً عن السهولة.
حول نظره عن قصر ملك العفاريت واستمر في مسح القرية بعينيه.
رجال ونساء من العفاريت يتجولون بحرية. كانت القرية تمتد بعرض يقارب 300 متراً وبطول 200 متر. صغيرة مقارنة بتجمعات البشر، لكنها بالنسبة لمهمة تسلل خطيرة مثل مهمته، كانت كبيرة بما يكفي لتثير صداعاً.
وفي وسط القرية تقريباً، لمح ما بدا سوقاً صغيراً.
(يبدو أن هذه العفاريت متحضرة قليلاً… فلديها حتى تجارة. مما أرى، هي تستعمل البرونز والفضة. أما الذهب، فلم أره بعد… لكني واثق أن الملك يملك بعض القطع الذهبية. ها… كيف سيكون شعوري لو نهبتهم جميعاً؟) فكّر ليون بحلم يقظة.
لم يستطع كبح نفسه. فقد عاش الفقر طوال حياته، وحتى قبل حصوله على النظام—أي قبل 31 ساعة فقط—كان الحصول على قطعة برونزية واحدة أشبه بالمستحيل. لذا كانت فكرة الثروة تشعل شهيته بلا حدود.
وعند طرف القرية، وجد حقولاً زراعية، ولاحظ وجود مزرعة أصغر داخل أسوار قصر الملك. هناك، كان العفاريت يزرعون محاصيل لم يرَ مثلها من قبل.
لكن نباتاً بعينه لفت انتباهه—يحمل ثماراً تشبه التوت في عالمه.
في تلك اللحظة، زمجر بطنه بصوت عالٍ، مذكراً إياه أنه لم يأكل منذ أكثر من 26 ساعة.
رغم رغبته في النزول وتذوق تلك الثمار، عرف أن الوقت لم يحن بعد. كان عليه أن ينجز المهمة أولاً، وأن ينجزها بإتقان كامل.
وهنا لاحظ شيئاً… وألهمته فكرة.
فكرة جوهرية لمهمته الحالية.
بجانب السوق، كان هناك بناء بسيط من أعمدة خشبية مربوطة بعيدان، وسقف مغطى بالورقة السميكة الشبيهة بورقة الموز. هيكل بسيط: أربعة أعمدة مثبتة في الأرض لتشكيل قاعدة مربعة، وأربعة أخرى ترفع السقف، موفرةً غطاءً لبامبو ضخم في الوسط. كان لهذا البامبو فتحة صغيرة، وإلى جانبه عود رفيع وصلب.
عرف ليون على الفور ما الغرض منه.
لم يكن ذلك البامبو مجرد زينة—بل كان طبلاً. بضرب العصا على البامبو المجوف، يستطيع العفاريت إصدار صوت مدوٍ يتردد في أرجاء القرية كلها. إنه نداء—وسيلة لجمع الجميع بسرعة.
ارتسمت ابتسامة على وجه ليون. لقد وجد الحيلة. سيستعمله لخداعهم. فقط بمثل هذا التشتيت يمكنه التسلل وقتل الملك بأمان.
وبينما خطته تتشكل في ذهنه، استعد ليون للتحرك.
قفز من الشجرة—لا بتهور، بل بحذر مدروس، متقدماً نحو أبعد الأغصان قبل أن يرمي بنفسه، متجنباً السقوط عبر الأغصان والأوراق بطريقة مربكة.
(يا لها من معاناة! عليّ المرور بكل هذا فقط بسبب عفريت واحد! …لكن بالنظر إلى المكافآت، الأمر يستحق!!!)
التسلق ببطء كان سيهدر وقته، وهو يعلم أن سقوطاً من أكثر من عشرين متراً لن يحطم ساقيه. جسده صار أقوى بكثير من ذلك.
وأثناء نزوله، اخترق الهواء جسده بعنف، لينثر شعره الفضي في كل اتجاه.
الأرض اقتربت بسرعة. وعندما هبط، كان الاصطدام عنيفاً، حتى أنه أرسل ارتجافاً عبر جسده، لكن عظامه المقواة امتصت الصدمة.
“آه!!” تألم وهو يترنح قليلاً محاولاً استعادة توازنه.
تقلّب معدته بشدة، وشعر بغثيان يكاد يجبره على التقيؤ. لكن قبل أن يركز على ذلك، التقط سمعه صوتاً خافتاً. همسات.
بقوة غريزية كبح شعوره بالغثيان، واستدار فجأة نحو مصدر الصوت.
لكن—
(…)
ساد الصمت. حتى خرير الأوراق فوقه اختفى فجأة.
“تبا! ظننت أنني سمعت شيئاً!” تمتم ليون، والشك يعلو صوته.
(هل كانت فعلاً همسات… أم مجرد صوت الريح بين الأوراق؟) حك ذقنه متجهماً.
فجأة—
ووش!!!
صرخت غرائزه—خطر محدق من الخلف—وفي الوقت نفسه التقط إحساساً بشيء يخترق الهواء بسرعة عالية.
تفادى فوراً، وإذا به سهم.
(هل هذه طريقتهم الرسمية في استقبالي كلما التقينا؟) ابتسم بسخرية. فقد عرف صاحب السهم فور رؤيته يشق الهواء.
وبعد مراوغته، مسح محيطه بعينيه، لكن لم يكن هناك أحد.
(همم… هل يلعبون الغميضة؟ آسف، لكني لست في المزاج!)
بدأ عمداً بالتوجه نحو القرية.
كان يعلم أن ذلك سيجبرهم على الخروج. كانوا يختبئون بانتظار الفرصة للهجوم عليه غفلة.
لكن ليون لم يكن ليهدر طاقته في البحث عنهم بين مخابئهم.
(إن لم تحاولوا منعي من تدمير قريتكم، فلستم جديرين بأن تُدعَوا عفاريت. لكنني واثق أنكم وطنيون كفاية. لن تسمحوا لي بالمرور والتخريب هكذا، أليس كذلك؟) ارتسمت ابتسامة شيطانية على وجهه بخطته الماكرة.
لم يدرك أنه صار يفكر تماماً مثل أحقر الأشرار.
كانت خطواته بطيئة متعمدة، ومخالبه تتحرك مع كل خطوة—رسالة صامتة لأي عيون خفية أنه لم يأتِ بسلام.
وفجأة، انطلق سهم آخر صافراً نحو جانبه، لكن هذه المرة لوّح ليون بسلاح مخالبه. ومع صرير معدني حاد، قطع الفولاذ السهم إلى أربعة أجزاء.
عندما تسلق الشجرة سابقاً، كان قد أعاد شفرات مخالبه الفولاذية إلى أغمادها. وكانت الأغماد جزءاً من القفاز فوق كفيه، ما جعله يتسلق بسهولة.
لكن عندما يرغب في استعمالها، يكفيه أن يقبض يده. فتنبثق الشفرات فوراً، مرافَقة بضجيج رهيب—صوت حديد على حديد—يكفي لبعث الرعب في نفوس السامعين.
واصل ليون سيره نحو القرية، متوقعاً رد فعل من صيادي العفاريت.
وجاء الرد.
انطلق سهم آخر نحوه، مصوَّباً إلى ظهره بنيّة قاتلة ليخترق عميقاً ويعجزه. دون أن يلتفت حتى، اتبع ليون غرائزه ولوّح بسلاحه خلفه.
التقت مخالبه الفولاذية بالسهم في منتصف مساره، ممزقة إياه إلى شظايا. فالخشب لا يمكن أن يقاوم الفولاذ. ومهما بلغت صلابة السهم، فلن يتفوق على مخالبه.
“%#$@@$-$”
وبعيد انشطار السهم، عادت تلك الهمسات الغامضة إلى مسامعه.
كان يعلم أنهم يخططون له، لكن ليون لم يكترث. كان واثقاً من قدرته على التعامل معهم—حتى إن هاجموه بأعداد كبيرة.
واصل تقدمه. لكن قبل أن يخطو خطوة أخرى نحو القرية، انفجر ثلاثة عشر عفريتاً دفعة واحدة من مخابئهم، محيطين به من كل جانب.