32
الفصل 32: الثقة بغرائزه!
إصابته الأولى…
إصابته الثانية…
كلاهما من طيور.
طيور لعينـة!
كان يفترض أن يكون خصومه ذئاباً، أو وحوشاً بأسماء تُثير الرعب.
لكن لا. كانت مجرد طيور متحوّرة.
صحيح أنها أقوى بآلاف المرات من أبناء جنسها العاديين، لكن في أعماقه… لم يستطع تقبّل الأمر.
لا يستطيع.
أن يُصاب من طيور؟
هذا ببساطة… أمرٌ سخيف حدّ اللعنة.
من دون درعه المانوي الواقي، اخترقت مناقيرها الحادة جسده المقوّى، غارزةً حتى العظم.
مخالبها مزّقت جلده، شقّت ملابسه، وأظهرت لحماً أبيض مغطى الآن بالدم.
ملابسه صارت ممزقة، بالكاد متدلية على جسده.
يبدو كمتشرد بثياب بالية—لكنّه لم يكترث.
لا يوجد بشر آخرون في هذا الزنزانة.
فقط هو.
وهنا… لن تكون نهايته.
رغم الألم—بقي هادئاً.
ما زالت لديه فرصة.
وكان يؤمن بها.
تمسك بها بكل ما أوتي من عزيمة.
جسده مُغطى بالجروح والكدمات. ثيابه التي كانت داكنة تحولت إلى حمراء. الدم يسيل من شعره على جبينه.
وكل ما يشعر به… هو الألم.
ألم خام، لا يرحم، متغلغل حتى العظم.
لكن الغربان لم تتوقف.
تابعت هجومها بلا رحمة، لأنها أدركت—أنها فرصتها الوحيدة.
لقد أُبيدت عشائرها جميعاً على يد شخص واحد. شخص واحد فقط.
والآن، كانت تفرغ كل غضبها عليه.
تذكرت صرخات إخوتها، صوت العظام وهي تتحطم تحت قبضات ليون، الصرخات الأخيرة قبل الموت.
رأت ذلك كله في ذاكرتها، فزاد من سُعارها.
هذا الرجل…
شوكة في جسدها، يجب اقتلاعها قبل أن تغوص أعمق.
ازدادت ضرباتها وحشية.
أكثر تهوراً.
رفع ليون رأسه مجدداً، والدم يتساقط من ذقنه.
وكما توقع—نظرة السخرية ما زالت مرسومة على عيني القائد.
لكن هذه المرة—ابتسم ليون له.
ابتسامة باهتة، مُتعبة، لكنها… ابتسامة.
(يا للأسف أنني أُصبت قبل أن يستخدم ورقته الرابحة… قبل أن أتمكن حتى من مقاتلته).
(أنا ضعيف جداً…) كاد يقولها بصوت مسموع، وهو مُمتعض من نفسه.
رغم الألم والدم، لم يفقد الأمل.
ما زال يثق بالنظام.
إن واصل السير على الطريق الذي رسمه له، سينجو. كان يؤمن بذلك.
ترك الغربان تهاجمه لثوانٍ أخرى، ثم ألقى نظرة سريعة على شريط نقاط حياته—
وتمنى لو لم يفعل.
بقي لديه 10% فقط.
اتسعت عيناه.
طلباً للدافع—أو ربما يأساً—رفع بصره إلى المؤقت.
┏━━━━━━༻❁༺━━━━━━┓
0:59:48
┗━━━━━━༻❁༺━━━━━━┛
“اللعنة!”
عقله اشتعل فجأة.
صحيح أن نقاط حياته شارفت على النفاد… لكن—
احتياطه من المانا عاد وامتلأ—متجاوزاً النصف، بل وصل إلى الربع الأعلى أيضاً.
شدّ أسنانه ونهض.
الألم حرق كل عضلة في جسده.
لكنه وقف رغم كل شيء.
وبما تبقى له من قوة، سحق حياة هذين “الحشرتين” اللتين كانتا تستنزفان نقاطه.
رفع بصره من جديد—يلهث بعمق.
كان بحاجة إلى راحة.
بشدّة.
جسده كله يصرخ طلباً لها.
لكن لن يحصل عليها. ليس الآن.
حدّق بالسماء، مترقباً.
هل حان الوقت؟
هل سيكشف القائد الآن ورقته الرابحة؟
لدهشته… ملامح القائد لم تتغير.
ضيّق ليون عينيه.
بالطبع.
لقد توقع الأمر.
كان يعلم أن أتباعه سيموتون—خطط لذلك مسبقاً.
كل الوحوش الزعماء هكذا.
لا يهتمون بأتباعهم.
سواء عاشوا أو ماتوا، الأمر سيان.
إن عاشوا، خدموا العشيرة.
وإن ماتوا، عادت طاقتهم الحياتية إلى الزعيم.
لماذا يهتم إذاً؟
هكذا هي طبيعة هذه الكائنات.
وفجأة، توهّجت عينا الغراب، متلألئتين بقرمزي أكثر سطوعاً من أي وقت مضى.
حتى في وضح النهار، كان اللمعان واضحاً.
لقد تعرّف على الضوء فوراً.
مهارة الـ هيجان.
أخيراً تم تفعيلها.
لكن ليون لم يرتبك.
كان من الطبيعي أن يستخدم الزعماء هذه المهارة متى أرادوا.
توقع حدوث ذلك.
ما أقلقه حقاً هو إن كانت هذه هي الورقة الرابحة التي حذره النظام منها…
أم أن هناك شيئاً آخر.
شيئاً مخفياً.
شيئاً لا يعرفه.
لم يقلق من تحليق الغراب كثيراً.
كان لديه خطته الخاصة لذلك.
لكن المشكلة… أن خطته تستهلك ضعف ما يستهلكه أسلوب الطيران الأول.
المعدل كارثي.
إن استخدمها بلا حساب، سينهك مخزونه خلال دقائق.
لكن ليون لم يكن غبياً.
لقد عدّل على التقنية.
بدلاً من إطلاق المانا عبر جميع مسام جسده، قرر تقييد التدفق—باستخدام عدد محدود فقط.
وبذلك، ستكون القوة أكثر تركيزاً، وفقدان المانا… أقل بكثير.
حرّك رقبته وكتفيه، وهو يشعر بالحرارة في أطرافه.
ثم… ابتسم.
“حان وقت الطيران!”
لو لم يمتلك هذه المهارة، لربما شعر بالقلق—لكنّه فكّر في كل شيء مسبقاً.
صحيح أنه لم يختبر نظريته بعد، لكنه كان واثقاً مئة بالمئة أنها ستنجح.
وهذا النوع من الطيران… بدا مألوفاً له.
كأنه رآه من قبل.
لكنه لم يستطع تذكر أين، ولا متى. لكن أعماقه كانت تؤكد—ذلك المكان لم يكن من هذا العالم.
ومن هنا أصلاً جاءته الفكرة…
كأنها شظية من ذاكرته—تماماً مما تكلم عنه الكريستال.
بمجرد التفكير، عادت به الذكريات…
إلى لقائه الأول مع الكريستال.
الكلمات الغامضة التي قالها عن أشياء فعلها ليون—لكنّه لم يتذكرها.
“هل أفتقد جزءاً من ذاكرتي؟ هل فقدت شيئاً لم أعلم يوماً بوجوده؟ لكن لماذا… لماذا لا أشعر بفقدان أي شيء؟ لماذا تبدو ذكرياتي كاملة بينما غرائزي تصرخ بالعكس؟” تنهد ليون، مثقلاً بالتفكير.
حتى الآن—كان يثق بغرائزه.
إن قالت إن هناك ما هو مفقود… فهو مفقود. لا جدال.
تلك الغريزة—صار يعتبرها مهارة إنقاذ للحياة.