31
الفصل 31: تفادَ! تفادَ!! تفادَ!!!
شدّ ليون فكيه وركز بكل قواه.
كانت هذه أول مرة يحلّق فيها مستخدماً المانا، وسرعان ما اصطدم بالواقع—لقد كان سيئاً للغاية.
لم يستطع تثبيت نفسه. كان يتأرجح في الهواء بعشوائية، يندفع من زاوية إلى أخرى كأبله. الدفع كان خاماً جداً، والقوة هوجاء للغاية.
والأسوأ من ذلك…
كانت تستهلك المانا لديه بسرعة جنونية.
اتسعت عيناه وهو يرى الأرقام تتساقط. معدل الاستهلاك كان جنونياً—أسرع بكثير مما يمكنه إعادة امتصاصه.
وبحساباته، لم يبقَ أمامه سوى أربع دقائق فقط قبل أن تنفد احتياطاته تماماً. وذلك إن لم يُصَب. صحيح أن معدل استعادته للمانا كان جيداً—يستطيع ملء مخزونه في عشر دقائق تقريباً، وكان يتحسن مع كل مستوى جديد—لكن عشر دقائق في القتال تُعادل دهراً. وهو لا يملك دهراً.
لذلك، ومن دون أن يبدد نقطة واحدة أخرى، قطع التدفق فوراً.
توقف تدفق المانا من جسده، وفجأة—
بدأ بالسقوط.
زمجر الهواء حوله وهو يهوي من السماء.
تصلبت عضلاته بفعل السقوط المفاجئ، ولبرهة قصيرة… تسرّب الخوف إلى قلبه.
لكنّه صلّب عزيمته.
ركز. عيناه حادتان. أنفاسه متزنة.
كان هذا كله جزءاً من الخطة.
ارتطم بالأرض بقوة هائلة.
الصدمة كانت عنيفة، لكن جسده صمد. تألم وأنّ من الوجع، لكن لم تُكسر أي عظمة. فقط خدرٌ مؤقت. لقد بات صلباً إلى هذا الحد.
ومن دون أن يضيع لحظة، جلس متربعاً في وضع اللوتس، مهدئاً قلبه المتسارع.
سكنت أفكاره.
بدأ يُفكر—بسرعة وحدّة.
لكن الغربان لم تترك له رفاهية السلام.
وكأنها كانت بانتظار لحظة سقوطه، اندفعت نحوه بمجرد أن رأته على الأرض. صرخاتها اخترقت الأجواء.
لكن بالطبع—كان يتوقع ذلك.
لم يكن ضعيفاً حقاً.
كان هذا طُعماً.
وما إن اقتربت، حتى دار ليون بجسده، ملتفاً بطريقة غير طبيعية، محوّراً خصره وكتفيه في حركة مستحيلة لا يمكن إلا لجسده الجديد أن يُنجزها.
تفادى بصعوبة مخالب مزقت الهواء على بُعد نفسٍ واحد من عنقه.
كان عليه أن يتفادى أي خدش—مهما كان.
المخالب قاتلة. حادة كالخناجر، مشبعة بالشر. ضربة واحدة فقط كفيلة بإنهاء كل شيء.
وأما المناقير؟
فكانت أشبه برماح منحوتة من العظم. سريعة. دقيقة.
كل هجمة منها مثل طعنة إبرة مميتة—مباشرة، قاسية، وجراحية.
بعد أن تفادى الضربة الأولى، فقد ليون توازنه مجدداً وبدأ يتعثر. لكنه لم يجزع—بل استغل السقوط.
باندفاع هبوطه، سدد ركلة في الهواء أصابت غراباً في صدره مباشرة.
طَق!!!
انحنى جسد الغراب بقسوة في الهواء قبل أن يتحطم على الأرض مثل دمية مكسورة.
قتلة فورية.
ولم يتوقف ليون.
ما إن لامس الأرض حتى بدأ يتدحرج، مستعيناً بغرائزه ليتحرك في خطوط متعرجة، بينما الغرابان المتبقيان حاولا إنهاءه.
المناقير غرزت في التربة التي كان فيها قبل لحظات.
والمخالب مزقت الهواء الفارغ.
لم يدّخرا جهداً.
لم يُرغبا في منحه ثانية واحدة لالتقاط أنفاسه.
لكن ليون استمر في التدحرج—مراوغاً كل ضربة بإتقان، جسده يستجيب بغريزة صافية، برد فعل محض.
لثلاثين ثانية كاملة، تحرك الثلاثة في دوامة ضبابية من الحركة، حتى إن الغربان نفسها أيقنت:
لا يمكن لهذا النمط أن يستمر للأبد.
لو كان ليون القديم—إنساناً عادياً في المستوى 1—لانتهى به الأمر مرهقاً منذ البداية. لكن ليس الآن.
جسده الحالي يحمل قوة من هم في “مرحلة امتصاص الـ(تشي)”. قدرته على التحمل، سرعته، قوته—أضعاف مضاعفة عن البشر العاديين.
كان قادراً على الاستمرار أطول مما يتخيلون.
لكنّه لم يرغب في إطالة الأمر.
أراد إنهاءه—الآن.
وبدون سابق إنذار، قفز ليون من الأرض في شقلبة خلفية، دافعاً نفسه بقوة هائلة ليستعيد وقوفه في حركة واحدة.
وفي منتصف الحركة—شعر بها.
نوايا القتل.
لم يكن لديه وقت كافٍ لرد الفعل.
الغربان انقضّت.
المناقير أولاً.
طَق!!!
تحطمت درعه المانوي عند الاصطدام، شظايا زرقاء تناثرت كالزجاج المكسور.
ثم جاءت المخالب—وحشية، لا ترحم، دقيقة.
ضربة. مخلب.
منقار. ضربة.
مراراً وتكراراً.
اندفع جسد ليون للخلف مجدداً، ليرتطم بالأرض للمرة الثانية.
الدم بدأ يتساقط من ذراعه وصدره، وشفاهه تشققت وتنزف. غرز أصابعه في التراب وهو يضغط على أسنانه.
لم يصرخ.
لم يبكِ.
بل طحن أسنانه، رافضاً الاستسلام.
رغم القصف المتواصل، صمد.
لن يسقط هنا. ليس الآن.
ليس في هذا الزنزانة الملعونة.
رفع بصره نحو السماء، ليرى ملامح الدهشة على الغراب من المستوى 6.
لم يتوقع قط أن يتمكن أتباعه من إصابة ليون في اللحظة الأخيرة.
وعندما التقت عينا ليون بعينيه، رأى الرسالة بوضوح.
الغراب يسخر منه.
ونظراته المتوهجة بالقرمزي ذكّرته…
بأيامه الماضية. بالهمسات. بالسخرية. بطريقة الجميع في الاستهزاء به لكونه بلا موهبة.
دائماً كان هو الملام.
ملام لأنه وُلد ضعيفاً…
ملام لأنه بطيء… ملام لأنه تجرأ وحاول البقاء في عالم يهيمن فيه الأقوياء.
والآن، لم يعد بشراً من يسخر منه.
بل مجرد طائر. يُهان… على يد طائر لعين.
وكل ذلك بسبب إصابة؟ أي إصابة؟
إصابة تسببت بها غراب؟ أيعقل أن طائراً جرحه لهذا الحد البائس؟
وهذه… كانت ثاني إصابة يتلقاها في هذا الزنزانة.
الأولى كانت على يد الدجاجة—عندما دخل للمرة الأولى.
حينها باغتته وهو غافل، لم يكن منتبهاً بما يكفي لمحيطه. وبالرغم من قدراتها الغريبة، نجح زعيم الدجاجة في إصابته مباشرة.
لكن ليون منذ ذلك الحين تغيّر. صار أذكى. أقوى من أي وقت مضى.
وكان يأمل… بل يتمنى… أن يتمكن من خداع هذه الغربان أيضاً.
لكن الآن—الأمور انقلبت للأسوأ.