27
الفصل 27: ما الذي تنتظرونه أيها الحمقى؟!
على بُعد خمسين مترًا تقريبًا منه، بدأت أجنحة سوداء لا حصر لها بالظهور، تخفق بصمت في الأفق مثل عاصفة قادمة.
ولو حاول أحدهم العد… لوجد أنها تفوق المئتين!
صوت الأجنحة وهي تشق الهواء أخذ يتعاظم، أوضح وأقرب، حتى صار كل خفقة بمثابة جرس إنذار.
صرخ الكريستال بنبرة أكثر إلحاحًا من المعتاد: «أقم حاجزًا دائريًا من المانا الآن!»
لم يتردّد ليون لحظة. لم يكن بحاجة إلى أن يعرف السبب. فالكريستال لم يخطئ مرة واحدة من قبل. ونبرته وحدها كفيلة بأن توقظ غرائزه كلها.
حتى قبل أن تظهر الطيور أمام عينيه، شعر أن الهواء قد تغيّر… قلق غريب التصق بالريح.
ثم سمعها.
صرخة.
مألوفة… لكنها غريبة في آن. وحش لم يسبق له أن رآه. قرأ عنهم في حقبة استشعار “تشي”، لكنّه لم يواجههم قط. خصوصًا في هذه المنطقة.
غراب أسود؟
تذكّر ليون.
هذه المخلوقات لا تعيش عادة في إمبراطورية “تشو العظمى”. فهي من سلالة إمبراطوريتي “غو” و”لين”. هناك، قرب السواحل والبحار، كانت نسخها العادية تعيش بحرية—وعندما اجتاحتها موجة الطفرة، بقيت نسخها المتحوّلة هناك.
لم يكن من المفترض أن تكون هنا.
ومع ذلك… ها هي أمامه.
غربان سوداء متحوّلة.
أجسادها سوداء كالفحم: الأجنحة، المناقير، الريش، المخالب. الشيء الوحيد الذي يكسر تلك الظلال القاتمة هو بريق عيونها الصفراء المتوهجة.
وبرغم سوادها، كان ريشها ناعمًا، مقاومًا للماء، يتلألأ بانعكاس أحمر خفيف عند زوايا معينة. خفيف… لكن واضح. يكفي لتمييزها عن بقية الوحوش.
مناقيرها منحنية وحادة، قادرة على اختراق الدروع. مخالبها طويلة، مسنّنة، وقاتلة.
كانوا يومًا ما رفقاء القراصنة.
أمّا الآن… فقد أصبحوا مفترسين.
تجهّم ليون. لم يستطع رؤية مستوياتهم.
وذلك وحده جعل المعركة خطيرة.
إن لم يعرف قوتهم، فلن يستطيع التخطيط. قد يكونون أقوى منه… أو أضعف.
لكنّه، رغم ذلك، لم يتراجع.
بعد ثانيتين فقط، تفعّل حاجز المانا—ليشكّل دائرة كاملة تحيط به.
وهج شبه شفاف من الأزرق امتد فوق جسده بأكمله مثل جلد ثانٍ، يلفّه بطاقة ساطعة. الضوء يخفت ويلتمع، يمنحه هالة أسطورية.
كأنما نهض أسطورة قديمة من جديد.
الغراب رأى هذا… لكنه لم يكترث.
تجاهلوا القشعريرة التي دبت في عظامهم، والإنذار الذي صرخت به غرائزهم.
فإلى نظرهم، لم يكن ليون سوى حشرة أخرى. صبي مغطى بالدماء، واقف وسط عشيرة مذبوحة.
كانوا يعلمون أن عشيرة الدجاج قد أُبيدت.
رأوا الجثث.
ومع ذلك… لم يعتبروها أمرًا عظيمًا.
فحتى الدجاج بنظرهم لم يكن سوى قمامة.
ولولا العقد القديم الذي ربط الأنواع ببعضها، لما جاؤوا أصلًا.
ولماذا قد يخافون؟
أضعفهم كان في المستوى الرابع.
وأقواهم بلغ المستوى السابع.
وهذا وحده يكفي ليملأهم بالثقة. مقارنةً بالدجاج، كانوا وحوشًا… عمالقة.
خطتهم بسيطة: يقتلون الصبي ثم يعودون.
ليون كان يظن أن وصولهم سيستغرق وقتًا أطول—اعتقد أن الوحش الذي استدعاه الدجاج كان يسير على الأرض.
لم يخطر بباله أنه وحش طائر.
ذلك الخطأ كاد يكلّفه حياته.
فقد وصلوا إلى مسافة خمسين مترًا منه… أسرع بضعف مما توقّع.
كرااااه!
كرااااه!
كرااااه!
صرخاتهم مزّقت الهواء. عشرات… مئات.
تألم ليون قليلًا من الصوت. لكنه لم يتراجع.
ثبت في مكانه.
كان يعلم—هذه المعركة أصعب بكثير من مواجهة وحوش الدجاج.
لذا عزّز الدرع.
بشدّة.
ضاعف سماكته مستخدمًا نصف ما تبقى له من مانا تقريبًا.
الوهج حوله ازداد كثافة—يتحوّل إلى أزرق داكن، أثقل وأشد لمعانًا. الهواء المحيط به تموّج بطاقة حارة، مثل سراب.
صار محاطًا كليًا. عملاقًا مدرعًا من المانا.
ومع ذلك… رغم التهديد… رغم الأعداد…
شعر بالحماسة.
هذه أول معركة له ضد وحوش طائرة.
دمه تدفّق بسرعة أكبر. قلبه دق بعنف في صدره.
لم يعرف كم ضربة يمكن أن يتحمّل الحاجز. وإن انهار أثناء القتال، سيكون مكشوفًا… ومستنزفًا.
لكن ذلك لم يوقفه.
كانوا يمتلكون كل المزايا.
تفوق جوي.
قوة.
عدد.
ما يقارب أربعمئة غراب في مواجهة صبي مبلل بالدماء.
ومع ذلك… لم يهتم ليون.
«إن لم يكن هناك طريق—فسأصنع واحدًا.»
الغربان حامت فوقه كغيوم سوداء.
صرخت مجددًا، لكن هذه المرة بسخرية. كأنها تقول: ألست خائفًا؟
رفع ليون ذقنه.
نظر إليهم.
ثابتًا. غير مهتز.
أرادهم أن يهجموا.
كان يحتاج أن يهجموا.
فالوقت يضيق.
┏━━━━━━༻❁༺━━━━━━┓ 1:53:43 ┗━━━━━━༻❁༺━━━━━━┛
نقر بلسانه بضيق.
«ما الذي ينتظرونه؟»
ثم خطرت له فكرة.
«هل تفهم هذه الوحوش لغة البشر؟» سأل النظام.
«أي لغة تتحدث بها، يمكنهم فهمها.»
ابتسم ابتسامة شريرة.
رائع.
أخذ نفسًا عميقًا.
ثم صرخ، صوته يعلو كالرعد:
“ما الذي تنتظرونه أيها الأغبياء؟! ألستم خائفين أم ماذا؟! لقد كان الدجاج أكثر جرأة وتحديًا منكم جميعًا!”