22
الفصل 22: شيء آخر!
بعد بحثٍ دام ملايين السنين، لم تتمكّن الكريستالة من العثور على سيّدها في أي مكان. عوالم لا حصر لها، وأبعاد، وخطوط زمنية جابتْها كلّها… دون جدوى. حتى بدأ اليأس يتسرّب إليها.
لكن شيئًا ما تغيّر فجأة.
نبضة خافتة. ومضةٌ في الرابط الذي يجمعها بسيّدها—ذلك الرابط الذي ظلّ خامداً لدهور.
تتبعت ذلك الخيط، تلك الهمسة من الطاقة، حتى بدأت تلتقط شيئاً مريباً… بصمة انتقالٍ أرواح.
لقد أربكها الأمر. فالانتقال بين العوالم ليس بالأمر البسيط، وما زاد من حيرتها أنّ الشخص المعنيّ—سيّدها—لم يكن ممارساً للزراعة الروحية، ولا صاحب شأن، بل إن العالم نفسه وصمه بما هو أسوأ من العجز:
عديم الموهبة.
تردّد اسمه كوصمة عارٍ في الهمسات. وسُخر منه أمام الجموع.
لكن… لم يعد أيّ من ذلك مهمّاً الآن.
فالفرحة التي اجتاحت الكريستالة بعودة سيّدها من جديد، كانت بلا حدود. لم تعد تكترث لشيء آخر. كل ما تريده هو إعادة وصل الرابط وتعميقه وتعزيزه، حتى تتمكّن أخيراً من مدّه بقواها ليصبح أقوى من أي وقت مضى.
ولم يستغرق الأمر طويلاً حتى استعادت ذكرياتها مع ليون—قبل الانتقال، وأثناءه، وبعده. ورغم أنّ ليون نفسه لم يستطع تذكّرها—وربما لن يفعل أبداً ما لم تساعده المنظومة—فقد رأت الكريستالة كل شيء.
رأت كيف مات ليون على الأرض… وكيف انحرفت روحه عن دورة التناسخ المعتادة، لتُنتزع وتُنقل إلى عالم آخر.
لكن ما حيّرها الآن هو سؤال واحد:
ماذا كان يفعل سيّدها في ذلك العالم البدائي؟
عمّ كان يبحث؟
لم تعرف.
لكنها شعرت—من خلال رابطها به—بإحساس عميق بالاحتياج والافتقار. أياً يكن ذلك الشيء… كان مهماً. مهماً للغاية.
وربما… الأهم على الإطلاق.
ومع ذلك، كانت تعرف أن التدخل في الأمر خطأ. على الأقل… إلى أن يتذكّر سيّدها، ليون، بنفسه.
الوقت وحده سيكشف كل شيء. ببطء.
أما الآن؟
فقد كان ذهن ليون مليئاً بالأسئلة، لكن المنظومة لم تعطه الكثير من الأجوبة…
حتى أسدت إليه التعليم التالي:
[حاول أن تزيد من سرعة تدفّق الطاقة. حاول أن تتحكّم في مسارها—وجّهها إلى أماكن لم تذهب إليها من قبل. قُدها نحو دمك، نحو لحمك، عروقك، شرايينك، وسائر أوعيتك الدموية. دعها تجري في جسدك كله. دعها تتدفّق… وتغسل كل الشوائب. اتّحد بها. اجعلها جزءاً منك.]
كان ليون ينتظر هذه التعليمات منذ أن شعر بالطاقة. والآن، أخيراً، حانت اللحظة.
كانت كلمات الكريستالة كترنيمةٍ مقدّسة يتلوها ساحر عتيق. كإيقاعٍ مثاليّ من موسيقيّ بارع. لمجرّد سماعها، اهتزّ شيءٌ عميق في عظامه.
ومع ذلك… ظلّ ذهنه صافياً.
لم يعرف السبب.
لكنه أحبّ ذلك الإحساس.
كل مقطع من كلمات الكريستالة كان أشبه ببيتٍ من قصيدة سماوية، وجسده استجاب لها طوعاً. وهكذا بدأ.
بدت بسيطة كما قالت الكريستالة.
لكن الواقع؟
كان صعباً.
حاول أن يُجبر الطاقة على سلوك طريق جديد—لكنها قاومته. انفلتت من قبضته. كمن يحاول أن يمسك الماء بيديه العاريتين.
“لا تحاول إجبارها،” صحّحت الكريستالة بصوت هادئ. “انضم إلى تيّارها. امتزج به. ثم وجّه جزءاً منه ببطء نحو عروقك. لا تقلق. مع الوقت… سيصبح الأمر عادة.”
كان العرق يتصبّب من جبينه، وتركيزه يحترق بأقصى طاقته.
كانت عيناه مغمضتين، لكن داخل تلك الظلمة كان يرى كل شيء—ذاته الداخلية—بطريقة أثيرية لا مثيل لها.
جسده لم يكن ملوّناً كما في الواقع.
بل كان أزرق.
كل عضو. كل طرف. كل خلية. أزرق—لكن واضح المعالم. الفواصل بين العضلات والأعضاء، بين العظام واللحم—ظلّت دقيقة جلية.
أما المانا؟
فقد كانت تتوهّج.
أزرق داكن. ساطع ومتدفّق.
ركّز.
أولاً، على قلبه.
ثم، ببطء—على أطرافه.
قطرة بقطرة، وجّه المانا إلى أوعيته الدموية.
تدفّقت.
امتزجت.
اختلطت.
ومع كل نبضة من قلبه، اندمجت مع دمه—تغلف جسده من الداخل إلى الخارج.
ثم—
دويّ.
اندفعت موجة قوة كالسيل الهادر، كفيضانٍ كسر السد. ومع لقبه “سيّد المانا” ووجوده المتعزّز، كان بلوغ هذه المرحلة سهلاً.
شعر بها. قوته… تضاعفت.
مئات المرات.
كاد أن يقفز من فرط الحماس، لولا أنّ صوت الكريستالة دوّى من جديد:
[لا تتوقف. استمر. يجب أن تتمكّن من فعل هذا وأنت تقاتل. يجب أن يصبح طبيعة ثانية لك. أن تتحكّم في المانا حتى وأنت في قلب المعركة—دون حاجةٍ للسكون أو التأمّل. يجب أن يصبح… سهلاً.]
أومأ ليون واستأنف.
بدأ يتدرّب.
أولاً بتكرار العملية وهو جالس متربع الساقين.
ثم وقف، وحاول دمج التحكّم بالطاقة مع حركات قتالية بسيطة.
لكن الأمر كان صعباً.
فخلافاً لحالة السكون، كل خطوة كانت تفقده تركيزه.
صار تدفّق المانا متقطّعاً. وقوّته تضعف مع كل زلّة.
“آه… أصعب مما ظننت.”
ومع ذلك، لم يستسلم.
كرّر المحاولة. مراراً وتكراراً.
حتى صار الأمر إيقاعاً.
عادة.
حتى أصبح كالتنفس.
حتى شعر وكأن يداً ثالثة قد نمت له—تتحرك باستقلال تام.
وهكذا… أنجزها.
أصبح قادراً على القتال والتحكّم في المانا في آن واحد.
يستطيع أن يتحرّك، يتحدّث، يهاجم، يناور—وفي الوقت نفسه يحافظ على تدفّق الطاقة داخله.
لقد غدت جزءاً منه—منقوشة في عظامه.
[لقد أبلَيتَ بلاءً حسناً،] قالت الكريستالة أخيراً، ونبرة الرضا واضحة في صوتها. [لكن ما زال هناك شيء آخر يجب أن تتعلّمه. هذا… سيأخذ قوتك الهجومية إلى مستوى جديد.]
أرهف ليون سمعه.
لقد أدرك بالفعل كم صار أقوى—وإن كان هناك المزيد؟ فلن يتردّد.
[حاول أن تجمع كل المانا… في يديك.]
ركّز ليون من جديد، حركاته الآن أكثر سلاسة بفضل ساعات التدريب. كانت المهمة الجديدة أسهل بكثير.
قنّن التدفق.
وفي الحال—
شعر بالفارق الهائل.
وتابعت الكريستالة:
“يمكنك أن تفعل الشيء ذاته بأصابع قدميك. بمرفقيك. وحتى برأسك. تعلّم أن تركّز المانا في نقطة الاصطدام عند الهجوم—سيضاعف قوّتك التدميرية أضعافاً مضاعفة.”