12
الفصل 12: القدرة التي لا ينبغي كشفها!
“هل تستطيع استخدام المجال؟”
أي نوع من الأسئلة هذا؟
بالطبع يستطيع. فالمجال مرتبط بموهبته—وكيف له أن يراقب الآخرين دون ذلك؟
هذا ما كان يجب أن يخطر بباله تلقائيًا، لكن “نوكس” لم يكن غبيًا.
موهبته… قدرته… تلك أسرار كُتب لها أن تبقى مطمورة. لو تسرب الخبر، لو عرف الناس ما يستطيع فعله، لانهار توازن العالم بأسره في فوضى. لم يكن مسموحًا له أن يتيح ذلك.
لذا، اكتفى بهز رأسه، جواب قصير بلا كلمة.
كلما قلّ كلامه كان أفضل. لم يكن مجرد حذر، بل بقاء.
لقد عمل بجهد ليحوّل صورته من متهور متهتك إلى صامت محسوب وبارد. كل حركة منه الآن مدروسة. حياته كلها متوقفة على إخفاء هذا السر. حتى والده وإخوته لا يعرفون شيئًا.
موهبته…
لم تكن عادية.
ولا حتى أسطورية.
بل أسطورية لدرجة أن ذكرها لا يُتداول إلا في أعمق الهمسات عبر التاريخ.
آخر من أيقظ مثل هذه الموهبة عاش قبل ثلاثة ملايين سنة. ذلك الرجل ارتقى ليصبح أقوى كيان في العالم آنذاك… ومع ذلك طارده الآلهة.
جميعهم.
ملايين الكائنات الإلهية وصموا موهبته بالشر.
لكن أكثر من طارده بلا رحمة كان الإله المزعوم الأقوى—والمفارقة أنه أيضًا الأضعف.
إله المانا.
اسم يبدو سخيفًا… لكن مرعب.
ذلك الرجل الأسطوري، حين حوصر وخانته الأرض والسماء، أنهى حياته بيده ليوقف المطاردة.
الفترة التي تلت عُرفت باسم عصر بحث الآلهة.
ثم جاء عصر انحلال الطاقة الروحية—موت بطيء، إذ أخذت طاقة “تشي” في التلاشي التدريجي حتى اختفت تمامًا. استمر ذلك لمليون عام. فتقلّص المزارعون العظام إلى مجرد بشر.
لكن البشر… تكيفوا. استخدموا عقولهم ليعيدوا خلق المستحيل—آلات، وتقنيات، وأجهزة تحاكي قوة المزارعين.
ثم، بعد مليونَي سنة، تبدّل كل شيء من جديد.
ظهر اللعبة البقائية على الإنترنت… ومعها عاد “التشي”.
وكان ذلك مباشرة قبل أن يواجه العالم أول نهاية حقيقية.
لا أحد يعلم كيف أو لماذا، لكن بعد ذلك، تدفقت طاقة “تشي” من جديد إلى الوجود. وبعودتها، توقفت كل التقنيات المبنية على الرقاقات الدقيقة عن العمل. واستبدلت بتقنية متحوّرة—غريبة، وأشد تقدمًا، تتجاوز الفهم.
“أخبريني أولًا بما حدث؟” قال “نوكس”، صوته هادئ كبحيرة متجمدة.
كان بحاجة لتأكيد ما خشيه.
اللص… لا يمكن أن يكون قد هرب… أليس كذلك؟
الفكرة دوت في جمجمته كجرس.
حاول إنكارها.
كان ذلك مستحيلًا. هكذا كان عليه أن يصدق.
لكن كلمات “أليكس” حطمت الوهم.
“اللـ… اللص… لقد هرب!”
انشق الهواء مع صوتها المرتجف.
اتسعت عينا “نوكس”. ما سمعه للتو كان يجب أن يكون سخيفًا—لكنه خرج من فمها.
مجرّد بشر… لص… يهرب من بين أربعة مزارعين؟
هذا لا ينبغي أن يحدث. لا يمكن أن يحدث.
لكن لم يكن لديه وقت للدهشة.
الأمر لم يعد مجرد ملاحقة لص. بل مسألة سمعة، مسألة كبرياء، مسألة مكانة أبيه النبيل—ومكانته هو نفسه. إن انتشر الخبر…
لم يجرؤ على تخيل العواقب.
شدّ على أسنانه.
ثم أطلق العنان.
انفجرت هالته للخارج—وتدفقت مجاله معها.
على الفور، ارتجفت الأرض وما عليها. ضغط ساحق، مظلم، فوضوي، ملتهم، غطى كل شيء.
كل من في النطاق تجمّد. صار التنفس صعبًا.
بدأت القدرات في الانطفاء.
شعر البعض بأن “تشي” داخلهم يُكبح قسرًا، وأطرافهم ترتجف تحت قيود غير مرئية.
في هذا المجال، “نوكس” كان الملك.
كل قانون، كل حركة، كل نفس—لا بد أن تمر عبر إرادته. لا شيء يتحرك إلا بإذنه. لا أحد يتنفس إلا بموافقته.
العصيان… يعني العقاب.
يمكنه أن يشل زراعة أحدهم.
يمكنه أن يقتل بكلمة.
في مجاله، كلمته كانت القانون.
لو تحركت نملة لشعر بها. لو تبدلت قطرة ماء لعرف. حتى أصغر الكائنات الدقيقة لا تستطيع الهرب من ملاحظته.
وحده من كان في مستوى أعلى منه بمرة كاملة يمكنه أن يتحرك بحرية داخل مجاله.
مستويان أعلى؟
عندها يستطيعون تحطيمه.
لكن لم يكن هنا أحد يقترب حتى من ذلك.
فبدأ بحثه.
مسح المكان بحواسه المتعاظمة، عيناه تتوهجان بطبقات من الإدراك.
لا شيء.
لا حتى خيط ضوء واحد.
تنهد. على الأقل لم يمسّ هذا الفشل مهمته الحقيقية.
المهمة في قتل “ليون”.
وبمجرد أن أنهى الجميع بحثهم—حين صار اليقين واضحًا—تقبلوا الحقيقة.
اللص قد هرب.
ثم، تذكّر أحدهم.
ذلك الذي قبض على “ليون”… اتسعت عيناه.
“لقد قال… قال أن نلتقيه هنا مجددًا بعد ساعتين.”
ساد الصمت.
ثم ظهرت الشكوك.
“أتظنون أنه كان جادًا؟ ربما مجرد خدعة ليكسب وقتًا.”
“لكن ماذا لو لم يكن كاذبًا؟ لن يضرنا أن ننتظر…”
تدخلت “أليكس”: “إن كان هناك أحد في هذا العالم لا ينبغي أن تثق به، فهو لص. لكن… معك حق. لن يضرنا الانتظار.”
كان وضعهم قاتمًا.
لو عاد الفتى، فستكون فرصتهم الأخيرة.
فرصة واحدة أخيرة.
خطأ واحد—وكل ما بنوه سينهار.
السمعة، بالنسبة للمزارع، مثل النفس للحي.
بها تُعقد الصفقات. وبها تُصاغ الولاءات. إنها كل شيء.
ضياع السمعة لا يدمرك وحدك—بل يدمر سلالتك كلها.
بعض المزارعين يفضلون الموت على مواجهة مثل هذا العار.
والسمعة؟ هشة.
كزجاج.
شق واحد… وينتهي كل شيء.
وبينما كانوا يتخبطون بين الإحباط والرعب…
كان الفتى الذي يبحثون عنه غارقًا في وضع خطير داخل زنزانة. لكن، على الأقل، بدأ يجني بعض المكاسب منها.