416
الفصل 416: حكيمة السببية [الجزء الأول]
كانت الحكيمة لي ياو جاثية في زاوية غرفة مظلمة، تتمتم بكلمات غير مفهومة لنفسها، قائلة:
«من أنا؟» — كانت تكرر السؤال مراراً.
ثم همست أخيراً: «أنا حكيمة السببية، لي ياو.»
لكنها ما لبثت أن أمسكت رأسها بألم شديد.
«لا… لا، أنا… أنا السيّدة لي ياو، رئيسة الطائفة…» قالت ذلك بصوت مرتجف.
ثم هزّت رأسها بعنف، وكأنها ترفض ما تقوله.
«ليس هذا أيضاً… أنا… زوجة زوجي… نعم، هذا هو، زوجي…»
وفجأة بدأت تصرخ بصوتٍ هستيري:
«ما اسم زوجي مجدداً؟!»
توقفت فجأة، ثم بدت وكأنها تذكّرت شيئاً، وقالت بابتسامة غريبة:
«آه، الآن أرى… كيف يمكن أن أنسى؟ الأخ الكبير شيانغ يوي…»
ثم بدأت تعضّ أصابعها حتى سال الدم منها.
«ما الذي يحدث لي؟» همست لنفسها في حيرة.
وبعد فترة طويلة من الصمت، هدأت أنفاسها وقالت بصوت خافت:
«الآن فهمت… أحدهم يعبث بذكرياتي.»
ثم تابعت بصوت أكثر حدة: «أي حكيمة؟ أنا بوضوح زوجة زوجي. أحدهم يعبث بذكرياتي حتى أنسى زوجي.»
تحوّل تعبير وجهها فجأة إلى شيء مظلم ومخيف.
«من هو؟ من تجرّأ على فعل هذا بي؟»
انفجرت هالتها فجأة، مدمّرةً كل ما حولها. بدأ العالم يهتز، والنجوم تنفجر في مجرات بعيدة وهي تفقد السيطرة على طاقتها.
لكنها توقفت فجأة وقالت بذعر:
«لا… يجب أن أسيطر على نفسي، ماذا لو دمّرت كل شيء وكان الأخ الكبير هناك؟»
نظرت إلى الدمار الذي تسببت به، ثم ابتسمت بلطف طفولي.
«الأخ الكبير، لقد أصبحت قوية جداً الآن… أستطيع أن أفتح العالم لأجلك، تماماً كما وعدناك.»
لوّحت بيدها، فظهر قصر فخم من العدم، مشيّد بأدق التفاصيل.
«إنه يشبه تماماً منزل زفافنا… الأخ الكبير سيعجبه كثيراً.» قالت ذلك وضحكت بخفة كفتاة غارقة في الحب.
وبينما كانت غارقة في أفكارها الحالمة، ظهر أمامها فجأة شاشة ضوئية في الهواء.
«ما هذا؟» تمتمت باستغراب وهي تلوّح بيدها لإزالتها بلا اهتمام.
لكن بمجرد فعلها ذلك، تدفقت المعلومات مباشرة إلى عقلها.
«اجتماع الحكماء؟» همست باستغراب، ثم تذكّرت شيئاً مهماً.
«صحيح… كان هذا في ذكرياتي المزيّفة. شيء عن اجتماع الحكماء كل ألف عام للبحث عن طريق إلى عالم الحاكم.»
ثم لوّحت بيدها بازدراء.
«لستُ حكيمة بعد الآن، فلماذا أذهب؟» قالت، لكنها توقفت فجأة لتفكر بتمعّن.
«الحكماء… هل يمكن أن يكونوا هم من يعبثون بذكرياتي؟»
تحوّلت ملامحها إلى ابتسامة مرعبة.
«إذن يجب أن أذهب إلى هذا الاجتماع… لألقّنهم درساً.»
اختفت من مكانها فوراً، لتظهر في موقع آخر يبعد مليارات السنين الضوئية. لم يكن هذا انتقالاً آنياً — بل كانت سرعتها خارقة للحدّ الذي يتجاوز مفهوم الزمن والمكان.
نظرت إلى المكان أمامها: جزيرة عملاقة عائمة في الفضاء، تمتد لعشرة ملايين ميل، محاطة بحلقات ذهبية متألقة.
تكوّر في كفها كرة من الطاقة.
ثم رمتها نحو الجزيرة بلا مبالاة.
وقع انفجار هائل مزّق الفضاء ذاته، وعندما انقشع الدخان، لم يتبقّ شيء سوى فراغٍ مظلمٍ يتصارع للعودة إلى استقراره.
«حكيمة السببية… ما معنى هذا؟» جاء صوتٌ من خلفها.
استدارت ببطء، لتجد نفسها وجهاً لوجه أمام تسعة أشخاص — ستة رجال وثلاث نساء.
«نساء؟!» تجمد وجهها للحظة قبل أن يتلوى بالغضب.
«إذن أنتنّ السبب منذ البداية؟» قالت بصوت مملوء بالحقد.
«عن ماذا تتحدثين…» بدأت إحدى النساء تتكلم، لكنها لم تكمل، إذ انطلقت من يد حكيمة السببية طاقة باردة جمّدت النساء الثلاث فوراً داخل كتل من الجليد الصلب.
وفي طرفة عين، كانت الحكيمة تقف بجانب إحدى تلك الكتل.
قالت بصوت هادئ بارد:
«لطالما رغبت في تجربة هذا…»
ثم همست:
«انهيار العدم…»
…
غمر الظلام كتلة الجليد، ثم اختفت تماماً — لم يبقَ منها حتى ذرّة.
«أنتِ… ماذا تفعلين؟» قال أحد الحكماء بصوت مرتجف.
«هل فقدتِ عقلك؟!» صرخ آخر.
سارع الرجال الستة لتطويق حكيمة السببية، مكوّنين دائرة دفاعية حولها.
كان أحدهم، ويبدو أنه الأقوى بينهم، يحدّق فيها بقلقٍ شديد، متسائلاً عما أصابها.
لقد كانت أكبرهم سناً ومرتبةً.
فعندما أصبحوا حكماء، كانت هي بالفعل قد بلغت مرتبة الحكيم منذ عصورٍ بعيدة.
وهذا يعني أيضاً أنها الأقوى بينهم جميعاً، إذ وصلت إلى الطريق الخامس من عالم الحكماء.
أما النساء الثلاث اللواتي أبادتهنّ قبل قليل، فلم يتجاوزن الطريق الثاني.
وبما أنهنّ فُنين في لحظة، فمصير الستة الباقين لن يكون أفضل حالاً.
اثنان منهم في الطريق الثاني، وثلاثة في الطريق الثالث، وهو نفسه في الطريق الرابع.
لكن حتى مع ذلك، كان الفرق بين المستويات في هذه المراتب العليا شاسعاً جداً — كالفارق بين إنسانٍ عادي وحاكمٍ سماوي.
«ماذا أفعل الآن؟» تساءل بقلقٍ متصاعد.
ثم خطر له أمر مهم: الحكيمة لم تستخدم قانون السببية في هجومها، بل استخدمت قانون الين واليانغ وقانون العدم.
كانت تُعرف بتفوّقها في قانون السببية، لذا فإن استخدام قوانين أخرى، مع سلوكها الغريب، لا بد أنه يعني أنها لم تعد هي نفسها.
قال باختبارٍ جريء:
«هل تمكّن أحدهم منك أخيراً؟ ألم أقل لكِ إن طريقتك تلك سترتدّ عليك يوماً؟»
نظرت إليه الحكيمة باستغراب وقالت:
«عمّ تتحدث؟»
انفجر ضاحكاً وقال بثقة متزايدة:
«هاهاها! لقد تمكّنوا منك بالفعل! لا تتذكرين حتى الطريقة التي تمارسينها!»
اتسعت ابتسامته، وبدا عليه الارتياح، بل والجشع.
فمن ملاحظته، بدت حكيمة السببية وكأنها لا تفهم القوانين التي استخدمتها جيداً، بل كانت تفرضها بقوة طاقتها الساحقة فقط.
وهذا يعني أنها لا تمتلك قوتها الحقيقية كحكيمة في الطريق الخامس، بل ربما كانت قوتها تعادل الطريق الرابع فقط — أي مساوية له تماماً.
«إن كان الأمر كذلك… يمكنني قتالها، بل وربما القضاء عليها.»
فكر في نفسه بعينين تلمعان بالطمع، متخيلاً الكنوز التي راكمتها هذه الحكيمة عبر العصور التي لا تُحصى.
ارتجف جسده من فرط الحماس.
«هاهاها! كنت أعلم أن هذا اليوم سيأتي!» قال بصوتٍ مفعم بالنشوة.
«كنت أنوي تحدّيك بعد أن أبلغ الطريق الخامس بعد بضعة ملايين سنة، لكن يبدو أن الوقت قد حان الآن!» صرخ بثقة متزايدة.
«إذا هزمتك، سأصبح أخيراً أقوى حكماء هذا العصر!» قال بحماسٍ لا يوصف.
وبسرعة، أرسل رسائل ذهنية إلى الحكماء الخمسة الآخرين، يشرح لهم خطته.
ورغم خوفهم من مواجهة حكيمة السببية، وافقوا — إذ لم يكن أمامهم خيار آخر.