19
الفصل 19: إذن، كنتَ هُنا
تقطّرت الصخرة الثقيلة بدماء طازجة بينما رفعها شيانغ يو عن الجثة، خطوط قرمزية رسمت أنماطًا مروّعة على سطحها الخشن
معدته تقلبت من هول المشهد، لكنه أجبر ملامحه على التصلّب بقناع من العزم
هذا كان بقاءً—لا أكثر ولا أقل
رياضات هذا العالم الوحشي اختصرت خياراته إلى معادلة بسيطة: اقتل أو تُقتل
بأنفاس مقيسة بدأ شيانغ يو عودته الحذرة إلى فسحة الغابة، كل خطوة محسوبة لتقليل الضجيج
حواسه كانت متوترة لأقصى الحدود، تمسح المحيط باستمرار بحثًا عن أي أثر للمبتدئين المتبقين
وعندما وصل إلى حافة الفسحة لم يدخل فورًا—بل راقب من الظلال، ينصت لأي حركة، مترصدًا لأي صوت
بقي المكان ساكنًا
لا آثار أقدام جديدة في التربة الناعمة سوى تلك الموجودة أصلًا، ولا همسات على النسيم الخفيف
ارتسمت ابتسامة حذرة على شفتيه
هذا أكّد شكوكه أن مجموعة المطاردة لا تملك أي وسيلة للتواصل فيما بينهم
كل مبتدئ يعمل منفردًا، جاهلًا بتناقص أعدادهم
رائع، فكّر، حان وقت التالي
بخطةٍ مدروسة تجنّب استهداف الأقوى من الاثنين المتبقين، واختار ما بدا ثاني الأضعف من الثلاثة الباقين
عيناه تابعتا الطريق الذي سلكه ذلك المبتدئ، ومن دون تردد بدأ مطاردته، سلاحه الملطّخ بالدم ما يزال مشدودًا في قبضته
لم يبتعد المبتدئون كثيرًا، إذ أعاق تقدّمهم توقفهم المتكرر لفحص أماكن الاختباء المحتملة
رصد شيانغ يو هدفه بسهولة، مختبئًا خلف شجيرات وأشجار كلما توقّف المبتدئ ليفحص شيئًا
اقترابه كان منهجيًا—يتقدم حين يتحرك الخصم، ويتجمّد حين يتوقف
وفي إحدى محاولات التقدّم، كاد الكارثة أن تقع
غصن جاف انكسر تحت قدمه بصوت بدا كأنه صاعقة في صمت الغابة
على الفور التصق شيانغ يو بجذع شجرةٍ قريبة، قلبه يدق بجنون
المبتدئ، الذي كان يفحص شجيرات، اعتدل فورًا
«من هناك؟» صاح، متجهًا نحو مصدر الصوت وبدأ يقترب من موقع شيانغ يو
تكيف شيانغ يو حالًا، رافعًا صخرته الملطخة بالدم فوق رأسه
وقف بلا حركة، كل عضلة مشدودة، مركزًا كليًا على وقع الخطوات القادمة
وما إن يخطو المبتدئ متجاوزًا الشجرة، سيضرب
المبتدئ تقدم بخطى واثقة، بلا أدنى قلق
فأي تهديد يمكن أن يشكله فانٍ أمام مزارع في الطبقة الثانية من صقل الجسد؟
هذا الغرور الساحق كان قاتلًا
وعندما تجاوز المبتدئ الشجرة، هوى شيانغ يو بالصخرة بقوة مدمرة
أصابت مؤخرة رأسه مباشرة، فانهارت جمجمته في الحال
ارتدت عينا الرجل إلى الخلف وهو يهوي جثة هامدة
واقفًا فوق ضحيته الثانية، لاحظ شيانغ يو شيئًا غريبًا—الاشمئزاز الذي كاد أن يغمره بعد قتله الأول تضاءل بوضوح
إذن قتلة السلاسل في الوثائقيات كانوا محقين، فكّر بمرارة، يزداد الأمر سهولة كل مرة
ببراغماتية باردة، فتّش الجثة بحثًا عن أي شيء ذي قيمة، لكنه مجددًا لم يجد ما يستحق
فالتلاميذ في صقل الجسد غالبًا ما يكونون في أسفل مراتب الطائفة—تلاميذ خارجيون أو خدَم، لا يملكون موارد تذكر
وهذا ما يفسّر طاعتهم العمياء لأوامر العميد بالقتل؛ الأرجح أنهم وُعِدوا بجوائز أو ترقيات مقابل ذلك
لم يشعر شيانغ يو بأي ذنب تجاه مصير الرجل
في هذا العالم القاسي، كلٌّ يختار وفق ظروفه
المبتدئ اتخذ خياره، وشيانغ يو فعل المثل
…
الطاقة الزرقاء المحيطة بسيف لي ياو ازدادت كثافة، تسكب ضوءًا أثيريًا على ملامحها الحاسمة
برشاقة قاتلة هوت به إلى الأسفل، سيفها يشق الهواء بقوة كأنها تمزق الواقع ذاته لتفتح دربًا لهبوطه
العميد، وقد كان على وشك ضربها، رفع بصره في ذعر إذ اجتاح قلبه خوف بدائي
غرائزه صرخت بحقيقة واحدة لا لبس فيها—هذه الضربة ستنهي حياته
من دون وعي، تولّت غريزة البقاء زمام السيطرة
تخلى عن هجومه، انعطف بشدة، دافعًا زراعته إلى أقصى حدودها وهو يفرّ
لكن مهما هرع، ظل ظل السيف على الأرض يمتد خلفه، يطارده كأنه قَدَر لا مفر منه
سيف لي ياو واصل جمع القوة، طاقته امتدت، محوّلة السلاح المادي إلى شيء متجاوز
العميد حشد كل ذرة طاقته الروحية في ساقيه، قدماه بالكاد تلامسان الأرض وهو يدفع نفسه للأمام بسرعة يائسة
لكن رغم فراره المحموم، أصابه السيف—قوس أزرق متألق شق ظهره، داحرًا إياه عبر ساحة القتال
تدحرج مرات عدة قبل أن يتوقف، يكافح للنهوض على أطراف مرتجفة
كان عليه أن يهرب؛ بقاؤه يعتمد على ذلك
لكن ما إن وقف حتى هوى قلبه—لي ياو وقفت أمامه، نظرتها الباردة أكثر رعبًا من أي غضب
«أ-أأنتِ حقًا طوّرتِ تقنية سيف إلى مرحلة الإتقان التام؟» لهث بدهشة مطبوعة على وجهه
«وليس من النوع المتدني أيضًا»
الانعكاسات صعقته
فعادةً يقضي المزارعون قرونًا لإتقان التقنيات لهذا المستوى
أما هو، فبعد ثلاثمئة عام من الزراعة الدؤوبة لم يبلغ مثل هذا الكمال في أي تقنية
أكان هذا هو جوهر العبقرية الحقيقية؟ أم شيئًا أعظم لا يُفهم؟
لي ياو لم تجبه
فقط رفعت سيفها من جديد، حدّه يلمع بوعيدٍ قاتل
«انتظري، انتظري!» صوته تشقق باليأس
«لا يمكنكِ قتلي! هذا ضد القوانين، الطائفة لن تدعكِ تفلتين!»
كلماته اندفعت بجنون وهو يتشبث بخيوط الأمل الأخيرة
نظرت إليه لي ياو بلا مبالاة
«لا بأس» ردّت، صوتها ناعم لكنه جليدي، «لن يعلم أحد»
غاص السيف نحو قلبه بينما صرخ: «لا!»
انقطع احتجاجه فجأة إذ وجد النصل هدفه، صامتًا إياه إلى الأبد
واقفة فوق عدوها المهزوم، مسحت لي ياو بجفوة على جثته
فتّشت جسده بدقة، وجمعت عدة أشياء بدت تافهة مقارنة بمكانته
«تبا! قمامة» تمتمت بازدراء، لكنها وضعت الأغراض بعناية في كيسها
«على الأقل قد تكون نافعة لأخي الأكبر»
ثم عادت بنظرها إلى جسد العميد الهامد
ترك الجثة هنا سيجلب مشاكل
ورغم أن التحقيق قد يثبت لاحقًا أنه هو المعتدي، إلا أن لي ياو لم تكن مهتمة بأن يُعرّض أخوها الأكبر لمثل هذا التدقيق
فلو عجز أعضاء الطائفة عن النيل منها مباشرة، فسيوجهون أنظارهم إليه حتمًا
من دون تردد دفعت طاقتها في الجسد
فانفجرت ألسنة من اللهب الأزرق، تلتهمه بشدةٍ غير طبيعية
وفي ثوانٍ لم يبقَ شيء—لا دليل، لا أثر للصراع الذي جرى
وبينما خبت آخر شرارة، شقّ صرخة حادة أجواء الغابة، آتية من عمق الأشجار
ارتجف قلب لي ياو بقلقٍ مفاجئ
«أوه لا! أخي الأكبر!» صاحت، مندفعًة نحو مصدر الصوت، رداؤها يرفرف خلفها وهي تسرع للوصول إليه قبل فوات الأوان