15

الفصل 15: خصمك أنا

جو الرحلة المرحة تناقض بشدة مع الاضطراب الداخلي لدى شيانغ يو

بينما كانت لي ياو تنبض بحيويةٍ غير مكبوتة وتشير بحماس إلى الأكشاك والمعالم المختلفة في البلدة البشرية لم يستطع شيانغ يو التخلص من ذلك الإحساس المشؤوم الذي يثقل معدته

كل رواية زراعية قرأها سرت في ذهنه—البطل الذي يخرج من حماية الطائفة لا بد أن يثير حادثة كارثية عاجلاً أم آجلاً

«أليست هذه ممتعة، أيها الأخ الأكبر؟» سألت لي ياو وعيناها تتلألأان وهي تشد تمثال السكر الذي اشترته من بائع على جانب الطريق

«بالطبع» أجاب شيانغ يو بابتسامة مصطنعة بينما كان ذهنه يعدد سيناريوهات الكوارث المحتملة بصمت، راجيًا ألّا تتبع الأحداث تقاليد السرد بنفس القسوة التي اعتاد عليها وهو يتسللان عبر السوق المزدحم

لساعات أخرى استمر هذا التمثيل—لي ياو تستمتع بملذات الحياة البسيطة، وشيانغ يو يراقب المواقف بحثًا عن تهديدات وهو يتظاهر بالمشاركة في حماسها، وتصاعد توتره مع تتابع الوقت دون حادث إذ جعل غيابِ الحدث منه قلِقًا أكثر بدل أن يطمئنه

أخيرًا، ومع هبوط شمس العصر، تنهدت لي ياو برضا «أظن أنني اكتفيت اليوم، ينبغي أن نعود قبل أن يلاحظ الأستاذ أننا طال غيابنا» قالت

اجتاح الارتياح جسد شيانغ يو، لقد سنعود إلى البيت، لقد نجوت يومًا كاملًا خارج الطائفة دون أن تهاجمه مصيدةٌ محورية للبطل، ربما كانت جنونيته بلا أساس بعد كل ذلك

أثناء سلوكهما على الطريق الجبلي نحو طائفة السحابة الزرقاء سمح شيانغ يو لنفسه بالاسترخاء قليلًا، تراجعت حدّبتي كتفيه، تعمق أنفاسه، وبدأت ترتسم على وجهه ابتسامة صادقة

فجأة قطعت صرخة لي ياو اللحظة «اخرجي! أعلم أنك هناك!» فانهار هدوؤه المؤقت كقشةٍ تحت ريحٍ شديدة

هبط قلب شيانغ يو كصخرةٍ أُسقطت من قمة الجبل، فكّر بمرارة أنه كان يعلم ذلك فعلاً، وتغلب الإحباط على خوفه، حتى اختيار بلدة بشرية بعيدة عن المزارعين لم يجنّبَه آلة الحبكة الروائية، كان ينبغي أن يبقَ في بيته يتدرّب في عزلةٍ مباركة

خلال لحظات ظهر ستة أشخاص من الغابة الكثيفة المحيطة بالطريق، خمسة مبتدئين يتقدّمهم العميد غو هانمينغ من جناح المخطوطات، ورؤية ذلك أكدت أسوأ مخاوف شيانغ يو—المتاعب وجدتهم بالفعل

«هاهاها! أنت لَحِح يا صغير»، ضحك العميد وهو يحمل صوتَه مزاحًا مصطنعًا لا يخفى خبثُه، «لكن هذا لا يغيّر شيئًا» قاله ببرودٍ مختلَط بالتحدي

وقفت لي ياو فورًا أمام شيانغ يو في حركةٍ حمائية لمستْه رغم خطورة الموقف، قدر لها شيانغ يو هذه البادرة من الاهتمام بصدق، لكن القلق نخر ثقته، نعم كانت مزارعة في مرحلة تأسيس الأساس—أمر مبهر لفتاة في مثل سنها—إلا أن العميد يلعب في مستوى مختلف تمامًا، ليكون عميدًا في الطائفة يجب أن يبلغ المرء على الأقل مرحلة النواة الذهبية، وهو مستوى يفصله عن لي ياو مستوى كامل

الفجوة في القوة كانت هائلة—كمقارنة شمعةٍ بالشمس، ومع ذلك تمسّك شيانغ يو بشظية أمل مضى عليها، ففي القصص ماذا يعني البطل إن لم يستطع القتال متجاوزًا مستوى أو اثنين؟ وإن كان هناك من يشابه قالب البطل فلي ياو هي أكثر من تليق بهذا الوصف

«ماذا تريدون؟» ظل صوت لي ياو ثابتًا لا يشي بالخوف

ضيّق العميد عينيه وكأن الكراهية تُشع منه موجاتٍ محسوسة، «لا تظني أنكِ تنكرين!» نَفَثَ، «أعلم أنكِ من قتلت أخي الصغير» كانت أصابعُه ترتعش بغيظٍ يكاد ينفجر، «أعلم أنه لم يكن أفضل الناس لكن—»

«انتظر، انتظر!» قاطعت لي ياو، مائلةً رأسها بارتباكٍ مُتظاهَر، «أظن أن لديكِ الشخص الخطأ، لا أذكر أنني رأيته» قالت

تغيرت ملامح العميد وانقلبت حدّتها إلى حنقٍ، «ماذا؟ جاء أخي إلى جناحكم ليتحدى أخاك الأكبر، وأنتِ قتلته!» ارتفع صوته بنبرةٍ حادة، «والآن تتظاهرين بعدم معرفته؟»

تحولت تعابير لي ياو فجأة، فتشكل فمها في علامةِ دهشةِ اكتشافٍ كاملة

«تتذكّر الآن؟» سأل العميد ملاحظًا تبدّل ملامحها

«أوه، تقصد ذلك الزقّة» ردّت باستخفاف، «كان ضئيلًا حتى أنني لم أذكره» احمرّ وجه العميد احمرارًا عميقًا، لكن لي ياو استمرت في الضغط عليه مستخدمة نظرة تدقيقٍ مبالغ فيها، «الآن وقد أنظر إليك أرى الشبه، بعد كل شيء أنت أيضًا زقّة»

متـ – درس تعليمي قصير : الزَّقَّة هي طائر مائي يُعرف علمياً باسم Anhinga anhinga أو طائر الزقة الأمريكية، يتميز بريشه الداكن، رقبته الطويلة، ومنقاره الحاد الذي يساعده على صيد الأسماك والبرمائيات تحت الماء. يمتلك زعانف متصلة بأقدامه تسمح له بالسباحة بكفاءة تحت الماء، ويبقى لفترة طويلة حتى تجف أجنحته بعد الغوص.

في اللحظة التالية تلاشت كل التظاهرات، اندفع العميد بقوةٍ متفجرةٍ محاطًا بطاقةٍ روحيةٍ متصاعدة وهو يهاجمهم، سحبت لي ياو سيفها بهدوءٍ ولامع بلهيب ضوء العصر وهي تتخذ وضعيةً دفاعيةً أمامها

شاهد شيانغ يو المواجهة المتصاعدة بمزيجٍ من الاستسلام والإحباط، لماذا عليها أن تستفزه هكذا؟ تمنى لو أنهم على الأقل حاولوا الدبلوماسية قبل الانتقال فورًا إلى قتالٍ مميتٍ

«كيف تجرؤ على السخرية مني!» زأر العميد ووجهه مشوّه بالغضب بينما اندفع نحو لي ياو بقبضةٍ مشدودة تحيط بها هالةٌ من الطاقة الروحية الدوامية، تحرّك الهواء من حول مفاصله مشوّهًا تحت ثِقل القوة المركّزة هناك، ما يدلّ على بلوغه مرحلة النواة الذهبية

في حركةٍ سلسة سحبت لي ياو سيفها، وصقل الشفرة يلمع في ضوء الغابة المنثور وهي تضعه دفاعًا أمامها، اصطدمّت قبضة العميد بشفرَة سيفها فحدث دويٌ هائلٌ تجلّى في الغابة، رفعت موجة الاندفاع غبارًا وحطامًا بعنفٍ شديدٍ فاقتلع شجيرات صغيرة من الأرض وظهرت جذورها وهي تتدحرج بعيدًا

عندما هدأ الغبار تراجعت الضرباتُ كلّها عدةَ خطوات، وأقدامهم حفرت خنادق سطحية في التراب، لم يظهر أي منهما علامَةَ جرحٍ، لكن شحنات طاقاتهما الروحية تتكسّر في الهواء بينهما كبرقٍ غير مرئي

عدل العميد ثيابه في استعراضٍ مبالغٍ فيه من اللامبالاة، «همف! أعلم أنك تريد فقط استفزازي لكني لن أقع في هذا الاستفزاز» قال رفع ذقنه بمهابةٍ متصنّعة

رأى شيانغ يو العرضَ بدهشةٍ لا تُصدَّقٍ وظلّ يراقب بصمت، لقد وقعت في الفخ رغمًا عنها، فكر محتفظًا بهذا الملاحَظة لنفسه وهو يتراجع ببطء

تغيّر نظر العميد فجأة لتستقر عيناه على شيانغ يو، «بما أنك تجرأت أن تقتل أخي» نطق ذلك بتؤدةٍ باردةٍ «سأقتل أخاك أيضًا» قبل أن تنطلق المقاطع الأخيرة من كلماته كان قد طارقة نحو شيانغ يو بسرعةٍ مروعةٍ مغوّرًا المسافة بينهم

تجمد شيانغ يو لوهلة، ماذا؟ كيف تورطت في كل هذا؟ ما علاقتي بالأمر؟ سرعان ما راح عقله يجري لكن جسده ظل جامدًا بينما قبضة العميد المضيئة بنوايا قاتلة تتجه نحو وجهه

اللعنة! لم يكن يجب أن أوافق على هذا الموعد، لعن حظه غاضبًا، متيقنًا من أنه سيدفع بحياته ثمن الخطأ البسيط في الخروج مع البطلة، لم تغب عنه المرارة الساخرة—قضى كل لحظة واعية وهو يحاول تجنّب مصاير البطل فقط ليقع في موت نمطي مُبتذل

قبل أن تصل قبضة العميد الهدف اجتاحت رؤية زرقاء سريعة مجاله البصري، تحركت لي ياو بسرعةٍ مذهلةٍ فالتفتت برِجلٍ قويةٍ لتصطدم بذراع العميد الممدودة فطرحتُه جانبًا نحو جذع شجرة سميك

«خصمك أنا» أعلنت لي ياو وصوتها حادا ملوحًا بوجود تهديد قاتل وهي تقف حامية بين شيانغ يو والعميد، «اترك أخي الأكبر من شأْنِه» ولم تفصل عيونها عن خصمها وهي تنادي خلفها «اهرب، أيها الأخ الأكبر»

لكن عندما التفتت لم تجد شيانغ يو فكان قد اختفى بالفعل، فانطلق إلى الأعماق بعدما خلق لها فرصة، ففي ذهنه غريزة البقاء لا تحتاج إلى تشجيع لفظي—اللحظة التي طُرح فيها العميد كان جسده قد انطلق تلقائيًا نحو داخل الغابة ليختبئ بحماية النباتات الكثيفة

استعاد العميد توازنه سريعًا، ينفض الشظايا من ثيابه وهو يقيم الموقف بعين حادة، مسشارُه تحول إلى المبتدئين الخمسة الذين ما زالوا واقفين متردّدين على حافة البقعة، «ما الذي تنتظرونه؟» زجرهم، «انطلقوا وراءه!»

اندفع المبتدئون فورًا نحو الغابة حيث اختفى شيانغ يو، فتقدمت لي ياو لاعتراضهم وسيفها يلمع قاطعًا قوسًا قاتلًا وهي تستعد لقطع طريقهم

«ليس بهذه السرعة!» نادت، ولكن قبل أن تلامس شفرتها هدفها تجسّد العميد بينهما وهي تمتد يده لتُمسك بسيفها من شفرتِه كما لو كانت الشفرة لا تجرح يده

بيده الأخرى أشار لأتباعه بمواصلة مطاردة الهدف، وابتسامة ازدراء تعلو محيّاه وهو يعود ليواجه لي ياو «خصمك أنا» كرّر كلماتها بسخريةٍ، «دع تلاميذي خارج الأمر»