الفصل 1
الفصل الأول: الزراعة الأبدية
خرج شابّ من القطار في مدينة “أوراق البلوط”.
“واو!” تمتم بدهشة وهو يتأمل محطة القطار اللامعة التي بدت فخمة وباهظة الثمن. كان شعره أسود، وبشرته ناعمة بيضاء، وملامحه طفولية تجعله يبدو ساذجاً وبسيطاً إلى حدٍّ كبير.
تبع اللافتات التي تقوده إلى خارج المحطة، وما إن خرج حتى انبهر بجمال مدينة أوراق البلوط في كامل عظمتها.
توقف في مكانه مدهوشاً من ضخامة المباني، وكثرة المركبات في الطرقات، وأناقة الناس الذين يمرّون حوله.
“إذن، في أي اتجاه تقع جامعة أوراق البلوط؟” تمتم وهو يُخرج هاتفه الرخيص الشكل ويبحث في الخريطة عن الطريق.
وبعد أن عرف الاتجاه، بدأ بالسير. كان يجرّ حقيبته الصغيرة خلفه عبر شوارع المدينة، ولاحظ خلال الطريق لوحاتٍ إعلانية ضخمة وملصقاتٍ متكررة تروّج لشيءٍ واحد، مما جعله يتساءل: ما هي الزراعة الأبدية؟
“همم… هل هو فيلم جديد؟ يبدو رائعاً. ربما أتمكن من مشاهدة كيف تبدو صالات السينما في المدن الكبيرة.”
ففي قريته الريفية كانت توجد صالة سينما صغيرة بشاشة محدودة، لذا كان يفضل غالباً مشاهدة الأفلام على حاسوب العائلة.
وأخيراً وصل إلى الجامعة وسأل بعض الطلبة حتى وجد طريقه إلى السكن “أ” المخصص للطلاب. اقترب من مكتب التسجيل واستلم مفتاح غرفته.
كان رقم الغرفة 205، فصعد بالمصعد حتى الطابق المطلوب.
وما إن خرج من المصعد حتى تلقّى اتصالاً. نظر إلى الشاشة فوجد أن والدته تتصل به. أجاب فوراً.
“أليكس؟ أين أنت؟ هل وصلت إلى الجامعة؟” جاءه صوتها القَلِق من الجهة الأخرى.
“نعم، أمي. أنا الآن في السكن الجامعي، أبحث عن غرفتي الجديدة.” أجابها أليكس.
“الحمد لله، جيد جداً. لحظة، والدك يريد التحدث معك.”
“مرحباً يا بني، كيف حالك؟ كانت الرحلة بالقطار مريحة؟ لم تتعب، أليس كذلك؟” سأل والده بصوتٍ حانٍ يختلط فيه القلق.
“لا يا أبي، كانت رائعة في الواقع. لم أكن أعلم أن القطارات يمكن أن تسير بهذه السرعة.” قال أليكس بحماس.
ضحك والده من الطرف الآخر قائلاً: “هاها، هذا ما يحدث عندما يعيش المرء عمره كله في المزرعة. ربما كان علينا ألا نُدرّسك في البيت. لكن لا بأس، ستبدأ الآن في اكتساب تجارب جديدة.”
“لا بأس يا أبي. المدرسة كانت في البلدة، وكان من الصعب عليك أن تقلّني يومياً في رحلة ساعتين.” أجابه أليكس بهدوء.
“صحيح. فقط تذكّر ما قلته لك. لا تُخالط رفاق السوء، فهناك أنواع كثيرة من الناس في المدن الكبيرة. تعلّم كيف تميّز بين الجيد والسيئ. يجب أن تكون ناضجاً بما يكفي لتعرف ما تفعل وما لا تفعل.
آه، وبالمناسبة، لمجرد أنك بلغت 18 عاماً، لا تذهب إلى تلك الأندية الغبية، سمعت أنها مضيعة للمال.”
ابتسم أليكس قليلاً وقال: “أفهم يا أبي. أوه، لقد وصلت الآن إلى باب غرفتي. سأتصل بكما لاحقاً، وداعاً.”
“حسناً، سنُنهي الاتصال إذن. آه، وتذكّر أن تتصل بـ(هانا) وتخبرها أنك وصلت.”
“وداعاً”، قال الأب والأم معاً قبل أن يُغلق الاتصال.
تقدّم أليكس إلى الغرفة 205 وفتح الباب بمفتاحه، لكنه فوجئ بما رآه.
لم يكن يتوقع أن يكون هناك طلاب آخرون في الغرفة.
في الداخل كان هناك ثلاثة شبان؛ اثنان منهم يتحدثان، والثالث يبدو نائماً.
كانت الغرفة تحتوي على سريرين بطابقين وأربع خزائن، ولم يلحظ فيها شيئاً آخر.
“مرحباً، هل أنتما أيضاً تسكنان في هذه الغرفة؟” سأل وهو يدخل.
“نعم، هل أنت زميلنا الجديد؟” أجاب أحد الشابين.
“آه، نعم.” قال أليكس وهو يُريهم المفتاح الذي يحمل الرقم 205. “مرحباً، اسمي أليكس بينتون.”
“أهلاً، أنا (إيريك)، وهذا (مات).” قال إيريك معرفاً بنفسه وبصديقه.
“مرحباً.” قال (مات) بابتسامة.
“يبدو أنك وصلت للتو، أليس كذلك؟ أظن أنك لم تتناول شيئاً بعد. الساعة تقترب من الثالثة عصراً. ما رأيك أن تغتسل قليلاً ثم نذهب معاً لتناول الغداء في الكافتيريا؟”
هزّ أليكس رأسه موافقاً، وبدّل ثيابه إلى قميصٍ وسروالٍ بسيطين، ثم دخل الحمام الملحق بالغرفة ليغسل وجهه.
وحين خرج، كان الشاب الثالث قد استيقظ.
قال أحدهم: “يمكنك المحاولة مرة أخرى لاحقاً. فقط اشترِ حبّة إذا لم تستطع.”
فأجابه الآخر: “أعلم، لكنها غالية، وأنا لا ألعب لأجل المال أصلاً.”
“إذاً عليك أن تأمل أن تنجح في المرة القادمة.”
لاحظ الرجل الثالث أليكس فقال مبتسماً: “أهلاً، أنت القادم الجديد؟ أنا (لوغان). كيف حالك؟”
“مرحباً، أنا أليكس.” ردّ عليه بلطف.
بعد ذلك خرج الأربعة معاً إلى الكافتيريا لتناول الطعام.
واصل الثلاثة حديثهم الذي كانوا يتناقشون فيه من قبل، ما جعل أليكس في حيرة. لم يفهم عمّ يتحدثون.
فسألهم: “عن ماذا تتحدثون بالضبط؟”
أجابه (مات): “عن الزراعة الأبدية.”
قال أليكس وهو يتذكّر الإعلانات التي رآها: “آه، الفيلم الجديد؟ رأيت ملصقاته في الشوارع.”
نظر إليه الثلاثة بدهشة، ثم قال (لوغان): “ليس فيلماً! إنها أفضل لعبة واقعٍ افتراضي في الوجود! ألا تعرفها؟”
“لعبة واقعٍ افتراضي؟ لم أكن أعلم بذلك. لم أسمع عنها إلا اليوم فقط.” قال أليكس متعجباً.
قال (مات) بدهشة: “لقد صدرت منذ شهر فقط، وهي بالفعل اللعبة الأكثر لعباً في التاريخ! كيف لم تسمع عنها؟”
أجاب أليكس بابتسامة محرجة: “على الأرجح لأن منطقتنا الريفية لا توجد فيها لوحات إعلانية أو ملصقات. كما أنني لا أستخدم الإنترنت كثيراً بسبب عملي مع والدي في المزرعة.”
قال (إيريك): “حسناً، يمكنك اللعب الآن. عليك أن تجربها بنفسك، إنها تجربة لا تُفوَّت!”
“هل حقاً؟ لكنني لا أملك خوذة واقعٍ افتراضي، ولا المال لشراء واحدة.” قال أليكس.
“لا تقلق بشأن ذلك، لدى (إيريك) واحدة قديمة يمكنك استخدامها.” قال (مات).
“حقاً؟ في هذه الحالة، سأجربها.”
عاد الأربعة إلى الغرفة، وأخرج (إيريك) خوذة الواقع الافتراضي القديمة من خزانته وأعطاها لأليكس.
وعندما نظر حوله، لاحظ أن ثلاثة من الأسرّة الأربعة كانت عليها خوذ مماثلة.
تمتم لنفسه: “يبدو أنهم كانوا يلعبون قبل وصولي.”
قال له (مات): “فقط أوصلها بالمقبس هناك، وستبدأ اللعبة. تأكّد من تسجيل الخروج قبل السابعة حتى لا تفوّت العشاء.”
وبعد أن قالوا ذلك، استلقى الثلاثة على أسرّتهم وارتدوا خوذهم، ثم غرقوا في نومٍ عميق.
بعد لحظات، بدأ الضوء يشعّ من داخل الخوذة التي يرتديها أليكس، ثم سمع أخيراً صوتاً غامضاً يتردد في أذنه…