الفصل 90: المطر الحمضي

قاعدة الأصل الأخضر

بعد الزلزال

بقي الجميع في الساحة المفتوحة ينتظرون

باستثناء تشين جين، الذي كان لديه بعض الفهم بفضل ذكريات حياته السابقة، لم يكن أحد يعلم أن جميع البراكين النشطة في العالم قد ثارت

لم يحظَ بمشاهدة ذلك المشهد الخاطف للأنفاس إلا قلّة من «المحظوظين» القريبين من البراكين

مع أن ما تلا ذلك مباشرةً لهم كان يأس الفناء التام

قُتل بعض الناجين قرب مناطق الثوران مباشرةً بحرارة الحمم العالية أو اختنقوا بالغازات السامة، فانتهى سباق حياتهم مبكرًا

لحسن الحظ

لم يدم هذا الزلزال وثوران البراكين زمنًا طويلًا

بدا الكوكب الأزرق كأنه يُظهر قوته فحسب، ثم تراجع سريعًا

حوالي الخامسة مساءً بتوقيت الصين

كانت الهزات والارتدادات قد كادت تتوقف، فتنفّس جميع الناجين القلقين الصعداء أخيرًا

لم يكن أحد يتمنى استمرار هذه الكارثة

فالبقاء أصلًا صعب للغاية

وعند هذه النقطة فقط سُمِح لقاعدة الأصل الأخضر، بإعلانٍ من صاحبها، بالعودة إلى مبانيها

أُبلغ الجميع بالعودة إلى مساكنهم أو بعض الأماكن العامة للاستقرار

فطقس شهر نوفمبر كان باردًا على نحو غير معتاد

حتى في بلدة منتانغ الواقعة جنوبًا، لم تتجاوز حرارة الخارج بضع درجات مئوية

وبوجهٍ ما، كان البردُ الرطب في الجنوب ينفذ إلى العظم أكثر من برد الشمال الجاف

كثيرون، وقد تجمّدوا معظم فترة بعد الظهر، بدأوا لا يطيقون الأمر، وظهرت على بعضهم أعراض زكام

ولهذا وجّه تشين جين أيضًا طاقمَ المقصف لإضافة وعاء من حساء الزنجبيل إلى عشاء كل فرد هذه الليلة

شعر الجميع بالارتياح لمرور هذه الكارثة الطبيعية؛ فهلع الزومبي وحده كافٍ ليجعل كل الناجين يرتجفون

وحده تشين جين ظل واقفًا في مكانه

حدّق في السماء التي أظلمت تمامًا بحلول الخامسة

كان يعلم بعمق أن هذا مجرد بداية

فالكميات الهائلة من الرماد البركاني ومختلف الغازات السامة من ثورات لا تُحصى كانت قد تفرّقت كلها في السحب في السماء

ولو نظر أحدٌ من الفضاء لأمكنه رؤيتها بالعين المجردة تقريبًا كطبقة رمادية ضبابية تغطي سطح الكوكب الأزرق

تلك هي لون الموت

وباضطراب تيارات الهواء كانت سلسلة من التفاعلات المرعبة تتشكّل

لم يكن بمقدور أحد تقريبًا أن يتخيّل ما سيحدث تالياً

مع حلول الليل كانت قاعدة الأصل الأخضر قد تعافت إلى حد كبير من ذعر الزلزال؛ وظل الناس بعد العشاء يناقشون كارثة اليوم المرعبة

جميعهم تأسّف على صعوبة البقاء في هذا العالم الآن

يكفي أن الزومبي في كل مكان، ثم واجهوا زلزالًا بعد أقل من شهر على بداية النهاية

حقًا لم تكن الطبيعة رحيمة بالبشر

لكن تذمّرهم كان مقدَّرًا له أن يبقى ضمن نطاق صغير

فالحياة لم تتغيّر؛ ومن أراد الاستمرار في العيش جيدًا داخل قاعدة الأصل الأخضر فما عليه إلا أن يتّبع بهدوء المهام التي توكلها القيادة

لم تُرتَّب أعمال ليلية الليلة؛ وقبل التاسعة جاء المديرون ليعلنوا أن بوسع الجميع الانصراف مبكرًا للراحة هذه الليلة

باستثناء مضاعفة أفراد الدفاع عن القاعدة

ففي هذه الليلة، لم يكتفوا بأفراد الدفاع المعتادين في المناوبة، بل أُلزم حتى أفراد فريق القتال بتسيير دوريات في القاعدة بأكملها على ثلاث ورديات

لمنع وقوع أي طارئ

ورغم أن أحدًا لم يعرف سبب توجيهات القائد، فإن ذلك لم يمنعهم من الامتثال

وهكذا

مرّت هذه الليلة وجميعهم يتأسفون

لم يحدث شيء طوال الليل، ونال الجميع على غير العادة نومًا مريحًا

وحده تشين جين، قائد القاعدة، كان يعرف أن تحديًا أكبر سيبدأ غدًا

مرّت الليلة بسلام

وفي اليوم التالي

الساعة 6:30 صباحًا

في مهجعٍ ما

رنين رنين رنين

رنّ المنبّه، فتناول قاو تشيانغ هاتفه وهو لا يزال مثقلاً بالنعاس، نظر إلى الوقت وأطفأ المنبّه

كان قد سمع من تشين جين أنه لا حاجة اليوم للخروج في مهام جمع المؤن؛ إذ قيل إن السبب هو الخشية من أن الزلزال لم ينتهِ بعد، لذا سُمح لأفراد فريق القتال بالراحة يومًا آخر في القاعدة

فأمكنه النوم حتى 6:30، وإلا فعادته أن ينهض عند السادسة لإطعام الأسماك

أنهى غسله سريعًا في غرفته المفردة، بل وقضى حاجته، ولم يستغرق ذلك إلا نحو عشر دقائق

وبنشاطٍ فتح الباب؛ فعلى الرغم من عدم وجود مهمة اليوم، ما زال عليه إطعام الأسماك

هاه

ما إن فتح الباب

حتى اكتشف قاو تشيانغ أن السماء في الخارج لا تزال حالكة السواد كأنها ليل

التقط هاتفه وتفحّص الوقت مرة أخرى

6:45

همم

أليس المفترض أن يكون النهار قد بزغ الآن

وبينما كان يشك في خطأ الوقت في هاتفه رأى أناسًا كثرًا واقفين في الممر بجواره يبدون كأنهم يناقشون شيئًا

“غريب، كيف قاربت الساعة السابعة وما زال الظلام! هل لأنه الشتاء فتشرق الشمس متأخرًا؟ لكن هذا تأخّر مبالغ فيه”

أرهف السمع فبدوا يتناقشون في كون النهار لم يطلع بعد

إذًا فالوقت ليس خاطئًا

طلوع الشمس متأخر جدًا اليوم

ما الذي يحدث

ولمّا لم يفهم، همّ أن يمضي في الظلام ليطعم الأسماك

فإن كان بطء إشراق السماء وحده مع صحة الوقت، فلا مشكلة، ولا بد من أداء العمل

“الرجاء الاغتسال والتجمّع في المقصف. لدى تشين جين أمرٌ ليتحدث به. يرجى الالتزام بالنظام، وشكرًا لتعاونكم”

فجأة سمع من يصيح في الأسفل؛ نظر فوجد أنه وانغ يانغ، أحد مديري القاعدة

ولمّا سمع الجميع كلام وانغ يانغ لم يعيروه الكثير من التفكير؛ فإن كان القائد يريد تجمّعًا في المقصف فسيذهبون، ولعلهم يتناولون الفطور مبكرًا

بدأ جميع أفراد القاعدة يتحركون

مع أن كثيرين منهم ظلوا يأسفون على غرابة هذا اليوم

كان جوٌّ كابت يخيّم على القلوب

ولمّا تجاوزت السابعة كان معظم الناس قد تجهّزوا ووصلوا المقصف

لكن السماء ما زالت بالكاد تُظهر نورًا

فلو كانت درجة سطوع السماء نهارًا 100 نقطة، وليلاً مع النجوم 10 نقاط، فإن سطوع السماء في هذه اللحظة 15 نقطة، أي أشد قليلًا فحسب من السماء الليلية

وقد أدرك كثيرون

أن السماء قد تغيّرت

وعندها كان الجميع قد وصل تقريبًا إلى المقصف وبدؤوا يناقشون هذا الحدث غير المألوف مع من بجوارهم

وكانت ملامح القلق باديةً على وجوههم

فلا أحد تجرأ أن يتخيّل كم ستكون الحياة مرعبة وصعبة إذا اختفى ضوء الشمس حقًا

فضلًا عن أن الخارج لن يعود فيه للزومبي حدٌّ فاصل بين الليل والنهار، وسيخسر الناجون زمن التنقّل النهاري الأكثر أمنًا نسبيًا

ذاك هو الأثر المباشر الأوضح

ثم تأتي الآثار غير المباشرة

فمن دون الشمس سيتلقى توليد القاعدة للطاقة الشمسية ضربة قاتلة، وكذلك زراعة الحبوب والخضار وكل شؤون العيش لا تسير بسلاسة إلا تحت حماية النجم

وفوق ذلك، وفي ليلٍ دائم كهذا، لا أحد يجرؤ أن يتخيّل إن كانت وحوشٌ أشد رعبًا قد ظهرت خارجًا

إن الخوف من الظلام المطبوع في جينات البشر لا يُمحى

كان تشين جين قد سبق الجميع إلى المقصف

كان يعلم أن القاعدة ستشهد في هذا الوقت بعض الفوضى، وأن حتى المديرين سيشعرون بقلق شديد

فالبشر لا بد أن ينساقوا في التفكير في المجهول، وهدفه الآن أن يخفف خوفهم أو يزيله

ولما رأى أن معظم الأفراد قد وصلوا، تقدّم إلى مقدمة المقصف

وممسكًا مكبّر الصوت بيده اليمنى تحدّث إلى الحشد الهادر

“أيها الجميع، هدوء لو سمحتم”

“أعرف أنكم تناقشون الظلام في الخارج الآن. أرجو أن تهدؤوا وتستمعوا إليّ”

“صدّقوني، هذا الظلام لن يدوم طويلًا، فهناك أساس علمي يدعمه. لقد سألت الدكتور دونغ والأستاذ يوان، ولدينا فهمٌ عام لسبب الظلام”

وأشار وهو يقول ذلك إلى دونغ هوي والأستاذ يوان مو، أستاذ الزراعة، فأومآ كلاهما، مؤكّدَين صحة كلام تشين جين

وفي الحقيقة كان تشين جين قد استدعاهم إلى مكتبه البارحة وأخبرهم مسبقًا بإمكان حدوث شواذٍّ بسبب زلزال الأمس، وطلب تعاونهم معه اليوم لتهدئة أفراد القاعدة

“وفق استنتاجنا، يُرجَّح أن زلزال الأمس أدّى إلى ثوران براكين متعددة حول العالم. فتفرّق الرماد البركاني ومختلف الغازات السامة في السماء، وبعد ليلة من حركة الغلاف الجوي، حجبت ضوء الشمس، لذا لا نرى الشمس حتى هذه اللحظة”

وأبدى كثيرون في الحشد ملامح استيعابٍ عند سماع ذلك

بالطبع، لم يقتنع بعضهم تمامًا بعد

واصل تشين جين

“إن لم أكن مخطئًا، فلن ينقشع ذلك إلا بعد هطول مطر، إذ سيُسقِط الشوائبَ من السماء، وعندها سيهطل ضوء الشمس على أرضنا. لكن هذا المطر قد لا يكون عاديًا، إذ قد يختلط بكثير من المواد السامة المقذوفة من البراكين. رجاءً احتاطوا جيدًا لاحقًا”

“لا داعي للذعر. تابعوا العمل داخل المباني. قاعدتنا، بفضل ما بذلناه في هذه الفترة، في وضعٍ جيد ويمكنها تحمّل الصعوبات المقبلة”

“وبالطبع، من يجرؤ على تشويش معنويات الناس عمدًا وإحداث الفوضى، فلا بأس عندنا أن نطلب منه المغادرة من هنا”

فإن كانت الجمل الأولى شرحًا وتطمينًا، فالأخيرة تهديدٌ صارخ

ولحسن الحظ كان أفراد القاعدة معتادين على أسلوب تشين جين

لا مشكلة

فهذا هو تشين جين الذي يعرفونه تمامًا

بعد ذلك

لم يعُد الناس يرفعون أصوات النقاش وبدؤوا يتناولون فطورهم بصورة طبيعية. ورغم أنهم كانوا يتهامسون أحيانًا مع المقرّبين، فإن القاعدة لم تحظر هذا التواصل الهادئ ما دام لا يؤثر في الأغلبية

فمن المستحيل عدمُ مناقشة حدثٍ جسيم كهذا؛ وكثير من الأفراد لهم أقارب، وحتى لو سكتوا الآن فسيتكلمون في مجموعات صغيرة عند عودتهم

وما دام الاتجاه العام مستقرًا فلا بأس

وفي الصباح عمل الجميع تحت هذا الجو الكابت

ولم تشرق السماء فعلًا مرةً أخرى، بل بقيت داكنةً ثقيلة

كان الخارج حول القاعدة حالكًا تقريبًا، ولم يكن يُرى سوى أضواء من السور المحيط تومض أحيانًا على بعض الزومبي الهائمين

والزومبي الذين كانوا يختبئون عادةً نهارًا، وقد غاب اليوم تحفيز ضوء الشمس، صار كل مكان ملعبًا لهم

ولم يكن أمام البشر إلا أن يتراجعوا بحذر إلى مخابئهم من جديد، في انتظار الظهور التالي لضوء الشمس

حتى قرابة الظهر

سمع الأفراد المنشغلون في مبنى المصنع فجأة أصوات تقاطر من الأعلى

في البداية لم تكن عالية، فلم ينتبه كثيرون. وفي أقل من دقيقتين صار الصوت قويًا حتى إن الأغطية المشمّعة لم تستطع كبته

ومن المعلوم أن جميع مباني القاعدة مُدّت على أسقفها أغطية بلاستيكية عازلة للماء

وانكسر السلام الهشّ في لحظة

لم يملك أحدهم إلا أن يهتف

“إنها تمطر! إنها تمطر في الخارج”

“يا لها من مطرٍ غزير”

نهاية الفصل